مقالات

عبد المنعم شجرابي يكتب : الناس في بلدي

.. استراحة الجمعة ..
عبد المنعم شجرابي
الناس في بلدي
*** رفعتُ اللاءات الثلاثة لا اعتذار .. لا تردد .. لا تأخير وبحماس شديد تجاوزت ظروفي الصحية والعملية وقبلت أن أكون مرافقاً لقافلة رجل البر والإحسان المتجهة للريف الشمالي لإغاثة منكوبي السيول والفيضانات
*** الشارع على امتداد جانبيه تغطيه المياه ونادراً ما تظهر منه أمتار من اليابسة إن ظهرت فإنها أكوام مبنى منهار
*** كيلومترات محدودة قطعتها القافلة في ساعات طويلة لتصل .. وما كان استقبالها استقبال ( محتاجين ) بقدر ما كان حفاوة ( شيوخ عرب ) يستقبلون الضيف .. لم تمتد يد لتقول ( ادوني ) وما وقف أحد يطلب لنفسه فالجميع ( يؤثرون على أنفسهم ) تحديداً في توزيع الخيام
*** بعد وقفة طويلة أصر وألح علينا أحد المشرفين لمرافقته إلى منزل قريب لنرتاح والمنزل الذي كنا ( نراه قريباً ) وصلنا إليه وصول السفن القادمة من أوروبا عن طريق جوهانسبرج لا قناة السويس
*** سعينا وطفنا بالمنطقة المنكوبة وسط بيوت بلا سور وأسوار بلا غرف .. مرافقها غرقت وحيوانات فقدت الزريبة وربما زريبة فقدت ( ساكينها ) .. وسرائر وأمتعة مبعثرة .. وأطفال ونساء تحت ظل الأشجار .. كل ممتلكات المواطنين في الشارع وأنت تخطئ إن تصورتها بالشارع فهي في الواقع داخل بيوت حولها الشارع امتداداً له دون استئذان
*** بلا ( شكوى ) بل بلسان من ( يحكي ) حكوا عن معاناتهم في الدخول والخروج وعن فرق الباعوض التي تزعجهم ( موسيقاها ) ليلاً وعن عقارب وثعابين خرجت من مخابئها كل ذلك في غياب الخدمة الصحية ولا أحد تحدث عن ( التروس ) وفتح المصارف ربما لأنهم تحدثوا عنها منذ سنوات طويلة
*** بعزيمة أولي العزم من الرسل قهر متأثرو الفيضانات ظروفهم وتحولوا إلى ( كائنات برمائية ) تعيش باليابسة وتتنفس من تحت الماء وظلوا كما هم يستقبلون الضيف .. يعاودون المريض .. يشيعون الموتى .. يكفلون اليتيم .. ويزفون العريس .. ويغيثون الملهوف وتحت مخدة ( المرا الوالدة ) يدسون ( حق اللبن )
الناس في بلدي يصنعون الحب .. الناس في بلدي يزرعون التكافل
جمعة مباركة وكل جمعة وانتو طيبين

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى