مقالات

رحمة عبدالمنعم يكتب:مصعب الطيب..الإبداع حين يكون وفاءً

رحمة عبدالمنعم يكتب:مصعب الطيب..الإبداع حين يكون وفاءً

 

 

مصعب الطيب علي، اسم يحمل بين حروفه معنى خاصاً يتجاوز حدود الصداقة العادية ليغدو رمزاً للوفاء والإبداع والإنسانية، لقد جمعتني به الأيام، وربطتني معه مواقف عديدة كشفت عن معدن رجل لا يخذل أحداً، مهما

اشتدت الظروف، لم يكن مصعب مجرد زميل أو رفيق عابر، بل كان أخاً وصديقاً حقيقياً، يقف بجانبك بثبات لا يتزعزع، يدعمك بصدق لا ينتظر مقابلاً، ويشاركك الحياة بألق روحٍ تحب الخير للناس جميعاً

يمتلك مصعب موهبة نادرة في التعبير، فهو شاعر يكتب بمفردات تنبض بالعذوبة وعمق الإحساس، كلماته ليست مجرد تعابير عابرة، بل هي لوحات أدبية تنبع من قلب مفعم بالحياة وعقل مشغول بتأمل الواقع والإنسان، الشعر

بالنسبة لمصعب ليس مجرد لغة، بل وسيلة لصنع الجمال من قسوة الحياة، لم أقرأ له يوماً قصيدة إلا وشعرت بأنها تحمل شيئاً خاصاً، قدرة فريدة على مزج الذات الفردية بروح الجماعة، وكأن كلماته تغني باسم الجميع

إلى جانب موهبته الشعرية، برع مصعب في ميدان الإعلام بشكل لافت ،كان دائم الإطلاع، لا تفوته شاردة أو واردة، يتابع ما يُكتب ويناقش ما يُطرح بعمق وذكاء، عندما كان المشهد السوداني في غمرة الثورة، أثبت

مصعب أنه ليس مجرد إعلامي عادي، بل محلل سياسي ذو بصيرة نافذة، منشوراته التي كتبها خلال تلك الأيام كانت مليئة بالتوقعات الدقيقة والرؤى الثاقبة، وكأنها مرآة تعكس ما سيحدث قبل وقوعه، كنت ألتقيه كثيراً وأناقشه في أمور شتى، ودائماً ما أخرج من تلك النقاشات وقد أضاف لي الكثير

مصعب ليس مجرد إعلامي متمكن، بل هو عاشق حقيقي لهذا المجال ،كان يُظهر حرصاً استثنائياً على متابعة كل ما يُنشر، لا ليكون مجرد قارئ، بل ليكون مشاركاً فاعلاً، كان

يعبر عن آرائه بتواضع المثقف وحماس المحب، يعلق على ما يكتبه الآخرون، يشجعهم ويدفعهم دائماً نحو الأمام ،صفة الوفاء التي يمتلكها جعلته قريباً من الجميع، وكأنه يحمل في قلبه مكاناً لكل شخص يعرفه

قبل الحرب اللعينة التي عصفت بالبلاد، انتقل مصعب للعمل في مكتب والي الخرطوم الإعلامي، وهناك أظهر جانباً آخر من عبقريته، فقد كان جزءاً من فريق استطاع وسط نيران الحرب أن يصنع فرقاً، بفضل ذكائه ومبادراته

المبدعة، تمكن من تسليط الضوء على قضايا الناس، ومنحهم بصيص أمل وسط الأزمات ،كان يعمل بتفانٍ لا يعرف الكلل، وكأن همه الأول أن يكون الإعلام جسراً يصل بين المواطن والمسؤول، أداة للبناء في زمن الانهيار

مصعب الطيب علي ليس مجرد شخص تعرفت عليه في رحلة الحياة، بل هو تجربة إنسانية ثرية، وصورة لما يجب أن يكون عليه الإعلامي الحقيقي ،ذكاؤه، ثقافته، وصدقه جعلته نموذجاً فريداً في زمن افتقد فيه الكثيرون تلك القيم، إن الحديث عن مصعب ليس

استعادة لذكريات أو استعراضاً لإنجازات، بل هو محاولة للإمساك بجوهر رجل قلّ أن يجود الزمن بمثله، صديقي العزيز، أنت أكثر من مجرد رفيق؛ أنت قيمة لا تُقدر بثمن، وأثر سيبقى خالداً في القلب مهما طال البعد أو تغيرت الأحوال

◼️القاهرة 29 نوفمبر2024◼️

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى