مقالات

منى أبوزيد تكتب :  خطٌ أحمر..!

منى أبوزيد تكتب :  خطٌ أحمر..!

“تاريخ كل أمة خط متّصل، قد يصعد أو يهبط، وقد يدور حول نفسه أو ينحني، ولكنه لا ينقطع”.. محمد حسنين هيكل..!

(1)
التغيير ـ أي تغيير ـ لا يعني أبداً أن نحفر أخدوداً أو نهدم جبلاً، بل أن نفرد ـ فقط ـ مساحات مُقدّرة للاستيعاب والتجريب في رقعة مُبادراتنا اجتماعية كانت أو سياسية أو اقتصادية. والتميُّز ـ أي تميز ـ لا يعني أبداً أن نخرق الأرض أو نبلغ الجبال طولا، بل أن نحاول ـ فقط ـ أن ننجح بطريقة مختلفة، وبأسلوب لا يشبه أسلوب الآخرين، بل يَبُزُّهم رأياً ورؤية وتخطيطاً وإتقاناً. ربما لذلك يبقى الواقفون على أعتاب التميُّز قلة، ويبقى التميُّز كمفهوم حضاري من أرفع الغايات وأسمى المطالب، التي لا تشترط عليك – أبداً – أن تتجاوز أيِّ خطٍ أحمر..!

(2)
الذين يتساءلون عن السر في تفضيل المُستثمرين وأصحاب المشاريع للعمالة الوافدة على العمالة المحلية في بلادنا ـ رغم ارتفاع التكلفة والتبعات الإدارية المُربكة لاستقدامهم ـ ينسون أنّ “ود البلد” الذي يتحوّل إلى غريب، أديب، منتج، مجتهد، حين اقامته في بلاد الناس، كثيراً ما يستمرئ الخلط بين الرسمي والشعبي، والعام والخاص، عندما يتعلّق الأمر بإنجاز عمل بين

ظهراني أهله وذويه. لهذا السبب يلجأ الكثير من أصحاب العمل إلى خيار العمالة الوافدة، المُلتزمة بشروط المهنية، توفيراً لكثير من الوقت والجهد المُهدر في مُجابهة عشوائية العمالة المحلية، التي تعوِّل في تقاعسها على اعتبارات الجيرة والقرابة والعشم. دونما وقوف عند أي خط أحمر..!

(3)
في أحد المؤتمرات – أيام حكم ستالين ـ ظلّت الجماهير تُصفِّق لأكثر من إحدى عشرة دقيقة، تصفيقاً مُتواصلاً بلا انقطاع، حتى سقط بعضهم من الإعياء ونُقلوا إلى المُستشفيات، والذي تجرأ ـ يومها ـ على التوقف عن التصفيق عُوقب بالسجن عشر سنوات!. وقد خرج الأديب الروسي الراحل الكسندر سولجنستين من تلك الحادثة بحكمة ديكتاتورية ثمينة مفادها الآتي: “لا تكن أبداً أول مَن يتوقّف عن التصفيق”. فالتصفيق في المحافل السياسية – والمنصّات الثورية – هو دوماً خطٌ أحمر..!

(4)
والحق أوجب أن يقال، حصلت المرأة السودانية على حقها السِّياسي في مطلع ستينيات القرن الماضي، أي قبل بضعة عشر عامًا من حصول نظيرتها السويسرية والبرتغالية على ذات الحق. لكن مُعظم الناشطين في مجال حقوق المرأة في العالم الغربي لا يفرقون بين الحقوق السياسية والمهنية والعادات والأعراف الاجتماعية عند الحديث عن وضع المرأة في السودان.

أعتقد أننا أحياناً نقلل من شأن أنفسنا ومن عدالة مُجتمعاتنا، ففي أمريكا نفسها وفي إطار الجدل المُثار دوماً حول حقوق المرأة الأمريكية انقسمت النساء المثقفات حول حقوق المرأة الأمريكية. فهنالك مُعتدلات يقلن إن الطبيعة – بطبعها – منحازة إلى المرأة، وهنالك متطرفات ينادين بعودة المرأة إلى البيت، وهنالك متطرفات على الجانب الآخر ينددن باضطهاد الرجل

الأمريكي للمرأة. وبعد مرور قرابة القرن على تعديل الدستور الأمريكي لصالح المرأة، لا تزال هنالك نساء أمريكيات يقلن بأنهن مُضطهدات، وهذا يعني أنّ مُعظم دعوات تحرير المرأة في العالم ـ والتي تهرع خلفها بعض كيانات حقوق المرأة في بلادنا ـ قد تجاوزت مربع العدالة الإنسانية إلى دائرة المُطالبة بالمساواة الكاملة “الذي هو ضد الطبيعة”. وهذا – لعمري – خطٌ أحمر..!

munaabuzaid2@gmail.com

المصدر : الصيحة

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى