مقالات

د.على الله عبدالرازق على الله يكتب :المبادرات المطروحة – خارطة خروج من الوضع المأزوم

المبادرات المطروحة – خارطة خروج من الوضع المأزوم

*د.على الله عبدالرازق على الله* .

*باحث ‌و‌ اكاديمى* .
alalla@gmail.com
-1-
تأتى مجموعة المبادرات الوطنية و الدولية و الإقليمية المطروحة فى الساحة ، فى ظل ظروف بلد بكلياتة فى خطر ، و مهدد بالانهيار ، و تلوح فى الافق اندلاع نزاعات غير محتملة ، و حرب أهلية وشيكة ، فى ظل مناخ سياسى يتسم بالهشاشة و السيولة معا . ان استمرار السلوك و الفعل السياسى العقيم للفترة الانتقالية الراهن ، حتما سيفضى الى مزيد من الاستقطاب فى صورة المشهد السياسى ، الامر الذى يتعارض مع مطلوبات التحول الديمقراطي و المدنى ، الانطلاق نحو المستقبل المنشود ، الذى يحتاج لمشاعر و وجدان وطنى متماسك و موحد..
-2-
مؤكد ان استمرار حالة الصراع وعملية الاصطفاف بين اطراف العملية السياسية ، و فى ظل غياب رؤية غير متفق عليها ، و حالة توهان ماثلة ، فإن ذلك سيقود حتما لتوفير بيئة غير محفزة لتحقيق الاستقرار فى السودان ، كما ان تفاقم الازمة بين المكونيين العسكرى و المدنى ، و تناقضات المصالح و الأجندة الداخلية و الأطماع الخارجية ، قطعا ستفاقم من احتمالية الفشل و الانهيار الكامل للدولة السودانية ، و انهيار الأوضاع ،ما يعنى نسف الفترة الانتقالية إجمالا ، و تحويلها إلى مشروع يهدد القومى للسودان ، و الثورة المنجزة التى كان يتوقع لها ان تكون مسرحا لاستعادة الأمل للشعب السودانى و بناء وطن شامخ يفاخر به بين الامم…
-3-
وصلت حالة المشهد الكلى من انسداد الافق ما لا يحتمل ، مع تفاقم حالة التردى السياسى و الاقتصادى و الامنى المتزايدة ، معها وصلت البلاد الى هاوية الانزلاق ، ان لم يتم تدارك الأمر قبل وقوع المحظور السىء المتوقع فى اى لحظة فإن الامر جلل و عظيم ، الشىء الاخر ، هو ان باتت الأوضاع لكافة الأطراف منذرة بالضياع فى ظل حالة الفراغ السياسى و القيادى من قبل كافة الفاعلين لشركاء الانتقال ، و هى حالة فى جوهرها تمثل عجز سياسى غير مسبوق ، لم تشهد البلاد لها مثيلا فى تاريخ السودان الحديث..
-4-
تجربة السلطة فى سودان ما بعد ثورة ديسمبر ، تصنف فى خانة الانظمة القائمة على تقاسم السلطة بالمحاصصه ، اعتمادا على إعلان سياسى وقع ، و وثيقة دستورية أنجزت نظاما للحكم تشاركا بين المؤسسة العسكرية و مكونات سياسية مدنية…
-5-
شهدت الأسابيع الماضية ، إعلان العديد من المبادرات على الساحة السودانية ، بهدف الوصول الى مخارج و حلول لازمة الدولة السودانية ، منها مبادرة أساتذة الجامعات ، و مبادرات سابقة طرحها رئيس الوزراء السابق و غيرها من المبادرات من آخرين مهمومين بالأزمة السياسية في السودان… كانت أخر المبادرات ، جاء بها فولكر بيرتس ، رئيس البعثة الاممية بالسودان. تباينت روود الأفعال و الآراء ما بين رافض ، و اخرى مؤيده و داعمه لها ، و مجموعة ثالثة ناقده و متشككه فيها ، بداءا من المبادرات التى طرحها رئيس الوزراء السابق د.عبدالله حمدوك ، بعناوين مختلفة ، حيث جاءت الاولى بمبادرة تلخص الازمة الوطنية و قضايا الانتقال ، الثانية جاءت بعنوان الطريق الى الإمام…. هذه المبادرات من المؤسسة التنفيذية الاولى فى الدولة ، قوبلت بالرفض التام ، هذا يعتبر فى الظن موقف سلبي بامتياز للقوى السياسية ، الرجل التنفيذى الأول فى الدولة ، طرح و قدم اجتهادا ، و دعوة لكل القوى السياسية ان تعمل معا من اجل الخروج بالبلاد من محنتها و ازمتها الراهنة – هناك المؤيدون ، الذين اعتبروا ان المبادرة نقطة انطلاق للإصلاح ، فدعوا الى تكثيف الجهود حولها ، و توفير الآليات التنفيذية اللازمة لها…
-6-
على نحو آخر طرح حزب الأمة القومى ، مبادرة لانتاح توافق سياسى ، الا انها وجدت عدم توافق و انقسام داخل الحزب نفسه ، هذا فضلا عن تحفظات من الكيانات و القوى السياسية الأخرى…
-7-
خلال الاسبوع الماضي ، بادر رئيس البعثة الاممية بالسودان بمشروع مبادرة ، و ليس مبادرة فى حد ذاتها ، لأجل الحوار ، تعمل الامم المتحدة من خلالها للوصول الى توافق لحل الأزمة الماثلة ، قد تفتح الباب أمام مشاركة القيادات الحزبية و لجان المقاومة ، و مكونات جبهة الكفاح المسلح للتداول حولها …
-8-
على الرغم من ترحيب العديد من الأطراف المعنية بمشروع المبادرة ، الا أنها وجدت معارضة واسعة من الجهات التى تقود الحراك الثورى و الاحتجاجات الحالية ، حيث اعلن تجمع المهنيين رفضه ، كما رفض اليسار كذلك ، و اعتبروها تدخلا فى الشأن الداخلى ، و يتعارض مع الأسس و المبادىء التى قامت عليها الامم المتحدة ، المتمثلة فى عدم التدخل فى شؤون الدول … اما حركات الكفاح المسلح تباينت مواقفها بين الرفض و القبول للبعض الاخر – اما أحزاب قوى الحرية و التغير ، أشارت إلى أنها لم تتلق أى دعوة حول مبادرة فولكر بيرتس ، و هى لازلت متمسكة باللاءات الثلاث ، الامر الذى يجعل المبادرة معرضه للفشل والضياع ، و يظهر ذلك فى امتناع الرافضين من قوى الحرية و التغير للجلوس مع المكون العسكرى ، و يرفضون كذلك تدخل فولكر بيرتس فى الشأن الداخلى ، و يرون فى التدخل أثار سالبة و بالتالى غير مرحب بها..
-9-
عليه ، نؤكد للرافضين و المتنعتين ، ان السودان و فى هذا الظرف الحرج و المهدد بمهددات بائنة للجميع ، فى حاجة ماسه الى تلك المبادرات القيمة ، و الضرورية لتأسيس مشروع وطنى و جبهة عريضة ، شاملة ، لإعادة اللحمة للقوى و القيادات الحزبية ، التى ظلت مفقودة ، رغم تمادى و تفادى الازمة المصيرية الخطيرة التى ظل يعانى منها السودان و السودانيين…
-10
ينبغى على كافة القوى الحزبية و غيرها من الكيانات السياسية الترحيب بكل محاولة جادة لبناء إطار و صيغة لمشروع وطنى ، و هى حاجة ماسة لتلك القوى المنظمة فى أطر سياسية و مجتمع مدنى ، و تلك الغير منظمة من هيئات و مراكز و شخصيات قومية ، ان تكون فاعلة و مشاركة بصورة أساسية فى صياغة و تنفيذ المشروع الوطنى ، بموضوعية ، و تحديدا قوى الحرية و التغير التى شاركت فى صياغة الكثير من الأهداف التى تشكل بموجبها تحالف قوى الحرية و التغير ، و لكن بسبب تشتتها ، باتت غير قادرة على ممارسة دور مؤثر فى سريان الاحداث ، بما يخدم هذه الأهداف بشكل كلى…
-11-
اما المتشككون منهم، اعتبروا المبادرة محاولة الالتفاف عن مسببات الازمة الحقيقية للسودان ، فى تقديرنا ، ان هناك ضرورة ملحة لعنصرى الإرادة و الإدارة لتنفيذ هذا المبادرات على ارض الواقع ، و لا يتأتى ذلك الا على ما توفر من الإرادة و فنون الإدارة المكملة لمشوار التنفيذ ، نعتقد ان الإرادة و الإدارة قد توفرا فى الحراك الشعبى ابان ثورة ديسمبر ٢٠١٨ ، لذلك تم اجتياز الثورة بنجاح فى الوصول إلى الغايات ، و سلمت الراية من بعد ذلك لقيادات الفترة الانتقالية ، و لكن مسيرتها ظل يشوبها الارتباك والنقد احيانا اخرى ، لأن هناك خللا فى الإرادة و الإدارة معا…
-12-
ان قيادة الفترة الانتقالية ، و قيادات الحراك الشعبي فى الشارع ، تحتاج جميعها الى وقفة مراجعة و تقييم و تقويم ، لا لاجل ابراء الذمة ، لا لتبرير الإخفاقات و الأخطاء ، لا لشخصنة القضايا ، إنما بهدف التزود بمحفزات طاقة دافعة إيجابية لايقاد الذهن و انتاج حلول للازمة الماثلة..
-13-
يمكن لهذه المبادرات ان تكون بداية للمكاشفة الشفافة لاتخاذ قرارات مدروسة و حكيمة ، لصالح المزيد من الكفاءة و الفعالية ، لعل هذه المبادرات تشكل مدخلا مناسبا لمدواة الاهتراء و التشظى فى المشهد السياسى الماثل ، و القفز فوق ركام الاحباطات و الفشل ، لاعتبار ان هذه المبادرات يمكن أن تفتح بابا للتوافق الوطنى ، بروح تناى عن السباب و تبادل الاتهامات ، و العمل على
استبدال الصفح دون الاشهار بالوعد و الوعيد ..
-14-
ان حالة الاستقطاب المتمكنة من المشهد السياسي ، الذى يعكس وهن السلطة و المتنازعين عليها ، على نقيض ما يتوهم المتصارعون ، هذا الوهن الماثل يغرى اصحاب الطموحات الغير مشروعة للإستثمار فى الشأن السودانى ، بغية تحقيق مآرب خاصة و مصالح ضيقة ..
-15-
المفارقة المحزنة والمؤلمة تتبدى فى عجز أطراف الاستقطاب عن ادراك قيمة الفرص التاريخية المتاحة أمامهم من اجل بناء أمجاد وطنية يفخرون بها. فى الظن ، من الأجدى للوطن والبناء الديمقراطى ، ان تناى الأحزاب عن التكالب على السلطة فى
راهن الفترة الانتقالية ، على ان تتفرع الى إعادة بناء أجهزتها و هياكلها الرثه ، و صياغة برامجها الغائبة ، و إعداد كوادرها ، استعدادا للتنافس على السلطة عبر الانتخابات النزيهة…..
-16
ان اختلافاتنا المتصاعدة ، ليست على السياسات ، إنما على توهمات غير حقيقية . على جوهر القيادة السياسية ، ان تعى ان الشعب يرغب و يريد النظر الى قيادات سياسية ملهمة و كاريزمية ، بلا اشمئزاز، و ان لم تكن بإعجاب….

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى