مقالات

د.أيمن لطـيف يكتب: السباق نحو الخرطوم..

بالقلم الأسمر

د.أيمن لطـيف يكتب : ا لسباق نحو الخرطوم..

بعد مغادرة الإثيوبي..

السيسي في مهمة الـ(24) ساعة..
_____________________

◼️ولأن السواد الأعظم من ساستنا – منذ فجر الإستقلال وحتى هذه اللحظة- لم يدرك قيمة دولة تسمى “السودان”- فقد ظلت هذه الأرض البكر هدفاً إستراتيجياً لجيراننا (عرباً وعجم)؛ ومطمعاً مشروعاً و “مطعماً مفتوحاً” لجميع “دول العالم” الغربية والشرقية،

~وفيما خلا بعض الفترات الذهبية “الإستثنائية” التي تتصدرها فترة الأستاذ العبقري محمد أحمد المحجوب- رحمه الله-
فقد ظل ملف العلاقات الخارجية السودانية هو أسوأ ملفات الدولة السودانية (إدارةً)؛
وإن كان من المعلوم في عُرف جميع الدول (المحترمة) أن العلاقات الخارجية “سيما علاقات الجوار” تقوم على مبدأ الندية والإحترام المتبادل وتحكمها “المصلحة المشتركة” للدول والشعوب؛

فإن ماظللنا نشهده في ملف تلك العلاقات الخارجية بين السودان وجُل دول العالم لا يمكن أن نضعه الا في خانة (الإتجاه الواحد) حيث تسعى جميع دول المنطقة والإقليم- بجانب القوى العالمية العُظمى الى “إستغلال” السودان لتحقيق مآربها وأهدافها ومصالحها دون النظر الى مصلحة السودان وشعبه،،

◼️ويمكن أن نقولها “بثقة مفرطة” أن السودان ظل هو (الخاسر الأكبر) على مدى سنواتٍ خلت- من سياسة التحالفات والتكتلات التي تُعرف بسياسة (المحاور) والتي ظلت تنتهجها الدول في تشكيل علاقاتها الخارجية- لاسيما الدول العربية والتي تُعد جمهورية مصر العربية “لاعبها المحوري الأساسي”..

◼️وبناء على ماسبق ..
فإننا نقول بأن زيارة الرئيس المصري الجنرال عبدالفتاح السيسي للخرطوم “اليوم” – والتي تمتد لأربع وعشرين ساعة فقط- وبعيداً عن هدفها “المعلن” لدعم التحول الديموقراطي بالسودان- ماهي الا هرولة (ذات عجاج) لإدراك مايمكن إدراكه من مصالح مصر السياسية والإقتصادية والأمنية و ((المائية))-

~ولعل مايُسقِط كل الأقنعة التي يمكن أن يتدثر بها الرئيس المصري في هذه الزيارة الخاطفة (المفاجِئة) هو أنها أتت مباشرةً في أعقاب زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد” -الناجحة- الى السودان وألتقاءه بكافة أطراف (الحل والربط) في المشهد السياسي السوداني؛ مستغلاً فشل المبادرة المصرية في إستقطاب تلك الأطراف وأستدراجها الى مائدة القاهرة؛

~ومن المهم هنا “لربط الأحداث” أن نشير الى أن تلك المبادرة التي قدمها السفير المصري بالخرطوم هاني صلاح في الحادي عشر من هذا الشهر جاءت بعد أيام قليلة من الزيارة التي أجراها (رئيس المخابرات العامة) اللواء عباس كامل للسودان – والتي نقل خلالها رسالة من الرئيس المصري لرئيس مجلس السيادة السوداني ،،

◼️ونحسب بأن ما أقلق منام الرئيس المصري وأرَّق مضاجع (المخابرات المصرية) المُمسكة بريموت العلاقات الخارجية- هو تصريحات رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان التي أكد فيها بأن السودان وإثيوبيا قد (إتفقا وتوافقا) على حلول مشتركة لكل القضايا العالقة بين الدولتين – وعلى رأس تلك القضايا (ملف سد النهضة) ؛ بجانب تصريح “موجَّه الى القاهرة” من “آبي أحمد” بأن العلاقات بين السودان وإثيوبيا- أكبر من أي نزاع وأن (سد النهضة) سيعود نفعه على الخرطوم وأديس..

~وهنا مربط الفرس – فالمعلوم -واقعاً- أن القاهرة تعتبر هذا الملف هو (قضيتها الإستراتيجية الأولى) التي لاقبلها ولابعدها- وفي إطار حرص مصر التأريخي على “نصيب الأسد” من مياه النيل وعدم زيادة “إستفادة” دول حوض النيل منها- تحولت قضية (سد النهضة) الى قضية رأي عام مصري ؛ و أضحت بفعل الآلة الإعلامية المصرية الرسمية والبروباجندا الحكومية “قضية أمن قومي”-

~ لذا كان لابد لعيون المخابرات المصرية في الخرطوم أن تنقل للقاهرة (مشهد الخوف) الذي تمثل في تقارب وجهات النظر بين الخرطوم وأديس-
في ظل رفض “مسبق” لطيف واسع من القوى السياسية السودانية “متصدرة المشهد حالياً”- والمتمثلة في قوى الحرية والتغيير (المركزي) نقل مائدة التفاوض حول القضايا العالقة بالإتفاق الإطاري الى القاهرة-

◼️هذا المشهد مقروناً مع حضور (آبي أحمد) الطاغي وموقفه المتزن من الإتفاق الإطاري ولقاءه كافة الأطراف بما فيها (لجان المقاومة) التي تُمثِّل (صوت الشارع السوداني)- في مقابل موقف القاهرة “المتعجِّل” الذي تمثل في بطاقة الدعوة التي تحمل في عنوانها (الدعم المفتوح للإطاري) دون مراعاة لخلافات وجهات النظر وحجم التكتلات الأخرى-

هذان المشهدان (اللذان خصما من رصيد القاهرة في العملية السياسية الجارية بالسودان) – مثَّلا المُحرِّك الأساسي وربما “الأوحد” الذي دفع السفارة المصرية بالخرطوم ، وعيون وأيادي “المخابرات المصرية” الى بعث برقية مستعجلة الى (الرئيس المصري) للإقلاع نحو “الخرطوم” على متن أسرع طائرة رئاسية لإنقاذ مايمكن إنقاذه وتدارك “ميلان كفة الميزان” -نحو إثيوبيا-؛؛

◼️ولأن القوى السياسية السودانية (المُعارِضة) -إن جاز التعبير- قد أعلنت العصيان هذه المرة- ولم تُلبي الدعوة المصرية ، ولم تقُل(سمعاً وطاعة) للقاهرة- كما جرت العادة- فقد كان لابد أن يتبدَّل المشهد ويتغير إتجاه الطائرة- فبدلاً عن إستقبال (الرئيس المصري) “لأفواج” الأحزاب والقيادات السودانية (ساسة وعسكر)-
هاهو يحل بين ظهرانينا ليوصل رسالته الى الخرطوم التي رفضت “الحج” الى القاهرة – في موسم يجوز لنا تسميته (موسم الهجرة الى الجنوب)-

◼️ولعل هذه الأحرف عندما تعانق “ناظِريكُم” – يكون “السيسي” قد أنجز نصف مهمته (بعيداً عن الحديث حول حلايب وشلاتين) بالطبع-

~ومما لاشك فيه أن في كنانة “إبن النيل” الكثير من الجزر الذي سيقدمه “للبرهان” ليُثنيه -أولاً- عن المُضي قُدماً في مواقفه الإيجابية في ملف العلاقات مع “الضَرَّة” اللدودة (إثيوبيا)،

~وربما يستخدم السيسي (فرملة اليد) في ملف سد النهضة- لإيقاف أي تفاهمات تمت بين الخرطوم وأديس في هذا الجانب بعيداً عن عيون (أم الدنيا)؛؛

◼️وفي هذا السبيل لانستبعد أن يُعيد الرئيس المصري “المسنود بالخارجية الأمريكية”- لانستبعد أن يُعيد سيناريو دعمه اللامحدود للرئيس المخلوع عمر البشير عند إنطلاقة شرارة ثورة ديسمبر – التي لم تتوقع القاهرة أن تحقق هدفها بتلك السرعة وتُسقط حكومة البشير التي كانت “متعاونة” بما يكفي القاهرة لتساندها وتدعمها-

~لذا فإننا نرى بأن الرئيس المصري – ودون خسارة للجانب المدني- سيُقدِّم “من تحت الطاولة”- للجنرال البرهان كل الضمانات “المتوقعة وغير المتوقعة” لإبقاءه على سُدَّة الحكم “رئيساً أو شريكاً”،

أو حمايته “والمؤسسة العسكرية” من فيضان المدنيين بتوفير (مخرج آمن) -أمريكي مصري- يقف سداً أمام أي محاولات للمحاسبة أو التجريم-
وهذا أضعف الإيمان…

~وبالطبع فإن الرئيس المصري الذي تحرك بدعم وربما “أمر” ومتابعة “لصيقة” من الخارجية الأمريكية – سيُكمل مهمته بسند ودعم كامل من البيت الأبيض الذي يعتبر (السيسي) وكيله الأول في القارة السمراء ومفتاحه الذهبي في العلاقات العربية؛

~وإن قلنا بأن الجنرال عبدالفتاح (المصري) هو صنيعة الولايات المتحدة الأمريكية، فلا ضير عند السيسي أن يصبح عبدالفتاح (السوداني) حليفه الإستراتيجي و خليفة البيت الأبيض في قلب القارة السمراء- ولامانع أن تُقدِّم القاهرة دعماً سياسياً ولوجستياً وأمنياً و (مائياً) و ربما “إقتصادياً” للخرطوم تحت قيادة البرهان (أو من

يختاره)- بدعم مباشر من واشنطن – مادام ذلك سيحفظ أمن مصر ويحمي ظهرها ويكبح جماح (أديس)؛ ويُثبِّت أركان “حكومة السيسي” التي تمُـر بفترة عصيبة تواجه فيها كثير من الرياح الداخلية ولاتحتمل أن تهب عليها رياح الجنوب من أرض السودان- فكيف إذا كانت هذه الرياح محملة بأعاصير إثيوبية تهب من سد النهضة؟!!

◼️وبعيداً عن توقعنا “المسبق” لنتائج هذه الزيارة (الخاطفة)- نختم هذا المقال بتساؤل (عريض):
تُرى هل ينجح الجنرال المصري في مهمة الأربع وعشرين ساعة أم يتفاجأ -هذه المرة- (بموقف متَّزِن) من (جنرال) يبحث عن الخروج بنفسه و وطنه من عنق الزجاجة بعيداً عن “الوِصاية المصرية”- ما أستطاع الى ذلك سبيلا ؟!!!

Dr.Ayman.A.latif
30.1.2023

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى