مقالات

منى أبوزيد تكتب: ..هناك فرق..هناك فرق – “ساق بلا جسد” .. حينما تكتب هذه الحرب نصاً عنك وعنِّي..!

 منى أبوزيد تكتب: ..هناك فرق..هناك فرق – “ساق بلا جسد” .. حينما تكتب هذه الحرب نصاً عنك وعنِّي..!

 

 

 

“أدب الحروب ليس وصفاً لطبيعة الموت فحسب، بل هو محاولة لفهم وجوه الحياة التي نُجبر على النجاة منها”.. الكاتبة..!

 

في ضيافة ملتقى السرد العربي وصالون وادي النيل بالقاهرة، اجتمعنا لنشهد حديثاً عن رواية “ساق بلا جسد” للكاتب السوداني المعز عبد المتعال..!

الرواية التي تنتمي بذكاء إلى أدب الحروب لا تحكي عن المعارك، بل عن ما تتركه الحرب خلفها من شروخ في الروح والمكان واللغة..!

القراءة النقدية العميقة التي قدمها الأستاذ الدكتور “حسام عقل” كانت مثالاً على التقاء روعة الموضوع بروعة تقديم الموضوع..!

الحرب في الرواية بطل آخر، صامت لكنه متوحش، يدخل البيوت ويغيّر الأقدار، من أفعال البندقية إلى رائحة الخوف في كوب الشاي، وصوت الرعب في حوارات الهاتف، وكراسي الحوش الفارغة في صباح العيد..!

كان يمكن لهذه الرواية أن تكون مذكرات شخصية، أو تأريخاً لنزوح جماعي، أو حتى صرخة سياسية في وجه الخراب، لكنها – ببساطة – قررت أن تكون رواية، لأن الأدب وحده هو الذي يبقى حين تخرس السياسة، وتتخثّر الدماء، وتستقيل المنابر الدولية من وظيفتها الإنسانية..!

المعز عبد المتعال في “ساق بلا جسد” لم يكتب عن الحرب، بل كتب الحرب نفسها، جعلها كائناً يتسلل إلى الحوارات، يختبئ بين بقايا المنازل المنهوبة، ويعبث بأحلام النساء..!

كل شخصية في الرواية تمشي وهي تجر ظلاً مكسوراً، لا أحد هنا كامل، ولا أحد يحمل بطولة، فقط أناس يحاولون النجاة من موت مؤجل. الزمن مشوّش لكنه صادق، المكان مُبهم لكنه مألوف، والسرد لا يهتم بأن يُقنعك بقدر ما يحرص على أن يجعلك شريكاً في الوجع..!

لغة المعز في بعض الحوارات تشبه تراتيل نساء الحوش في بيت العزاء، لا تشرح، لكنها تفتح جرحاً قديماً دون أن تشير إليه، لا تقول لك “هنا ماتت المدينة”، لكنها تشير نحو الأنقاض وقد تحولت إلى غبار..!

وهكذا، فإن الرواية تمارس شيئاً يشبه الحِداد الأدبي، لكنها لا تنتهي بالحزن، بل بنوع من القبول الهادئ، كما في جملة الراوي في وصف المشهد الأخير..!

أنت لا تقرأ الأحداث فقط، بل تمر بك مثل قطار هذه الحرب الذي لا ينتظر من يصعد، ولا يعتذر لمن تأخر.
والكاتب فيها يُحاول أن يُفسّر كيف يتحوّل الإنسان إلى خريطة من الخسارات، دون أن يعلن الحداد..!

هي ليست دعوة للشفقة، بل شهادة على ما تفعله الحرب بالأشياء العادية، بكوب الشاي، وصحن الفول، وأطراف الوشاح، وضحكة الأم في ظهيرة الجمعة..!

لقد كتب المعز عن الحرب كما تُكتب الأحزان، لا بمباشرة، ولا بانفعال، بل بألمٍ رزين، يُشبه انكسار الضوء على سطح الماء. شخصياته لا تصرخ، بل تتنفس بصعوبة..!

ربما كان أجمل ما في هذه الرواية أنها لا تطلب منك أن تُحبها، بل أن تتذكر نفسك من خلالها، أن تتذكر الخوف، والانتظار، والرسائل التي لم ترسل، وكيف وكم أن لا شيء يعود كما كان في النهاية..!

في مشهد أدب الحرب – الذي بدأ يتشكل في السودان مجدداً بعد أبريل ٢٠٢٣م – ظهرت بعض النصوص التي كتبت من أطراف أو حواشي هذه النكبة، لكن رواية المعز هذه جاءت من قلب الغبار، ولم تتورط في الخطابة، ولا في الانحياز السياسي، بل اتخذت من الحكي ملاذاً، ومن اللغة تعزية شخصية جماعية..!

الحكي عن الخوف من طرق الباب في زمن الحرب، عن النوم في بيت غريب، في مدينة لا تعرفك، عن ما بعد القصف، عن مرحلة الرماد النفسي، وهي المرحلة التي لا تغامر الكاميرات بالدخول إليها، ولا يجرؤ السياسيون على تسميتها..!

الرواية – أيضاً – منحت المرأة السودانية صوتًا عميقاً وحقيقياً، لا بوصفها شريكة في الحرب، بل كضحية أولى لها، وهي ضحية عاشت وجع الفقد مرتين، مرة عند حدوث الفجيعة، ومرة عند المعاناة من أجل الخلاص!.

 

 

munaabuzaid2@gmail.com

 

المصدر: صحيفة الكرامة

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى