منى أبوزيد تكتب: ..هناك فرق .. من فوائد اللجوء..!

منى أبوزيد تكتب: ..هناك فرق .. من فوائد اللجوء..!
“حبك مثل الفرار من الحرب، لم أعد بعده نفس الشخص أبداً” .. توماس أريكسون ..!*
الإنجليز هم أكثر خلق الله بروداً. كلمة واحدة باردة خاوية لا مالية قد تكون مجمل ردة الفعل التي تحصل عليها من أحدهم كإجابة على عبارة طويلة دسمة مليئة الانفعالات..!
اللكنة الإنجليزية تشنق نهايات الحروف على عتبات الكلمات، وتتركها تتأرجح فوق نهايات مفتوحة، فتمنحك – بتواطئها مع خواء النظرة وهدوء لغة الجسد – شعوراً بالخمول والسلبية. ومع ذلك فالإنجليز هم أعنف المشجعين في كرة القدم وأكثرهم إثارة للشغب، وهم فوق ذلك كله أكثر شعوب الأرض إفراطاً في السكر وبراعةً وتفنناً في ابتكار مفردات السُّباب ..!
واللبنانيون هم أكثر شعوب البلاد العربية رقة. الرجل والمرأة عندهم يتحدثان بذات الرقة والتهذيب الذي يستأذن المحاور قبل إبداء الرأي “إذا بدَّك.. إذا تريد” وإذا حدث وتأملت في طريقة الكلام وإيماءات الجسد التي
يتحدث بها المواطن اللبناني – العابر أمام كاميرا أحد برامج استطلاع الرأي – فلن تجدها تختلف كثيراً عن طريقة الوزير أو الفنان أو الكاتب الصحافي. فاللبنانيون على اختلاف طبقاتهم يتوافر عندهم دوماً ذات الحد الأدنى من الثقة بالرأي والاعتداد بالنفس ..!
والهجة اللبنانية هي شبيهة اللغة الفرنسية بين اللهجات العربية. فهي لهجة أنثوية ذات مخارج لدنة وزوايا منفرجة، وفيها استخدام لطيف للشَدَّة عند نهاية الكلمات، وتعاقب أنيق وبديع للحركة والسكون في نهايات الجمل. الأمر الذي يقف بكلام المتحدث منهم على تخوم الشعر ويمنح أذن المستمع شعوراً بالراحة، حتى وإن كان مضمون حديثه شراً مستطيراً ..!
إنما وعلى طريقة تناقضات الشخصية الإنجليزية – وعلى الرغم من مظاهر الرقة تلك – لا تستطيع أكثر الشعوب العربية جلافة أن تنافس لبنان في تاريخها الدامي مع العنف الطائفي والسياسي. ولا تستطيع الشعوب العربية مهما فَجَرَت في خصوماتها السياسية أن تقدم قائمة تَبُزَّ قائمة شهداء السياسة اللبنانية ..!
أما السودانيون فهم – على العكس من الشعوب التي ظاهرها الرقة وباطنها الشدة – يضمرون الرقة وحلاوة المعشر لكنهم قد يظهرون العشوائية والفظاظة احياناً، فلا يحصدون ما يليق بهم من تقدير بين شعوب العالمين. وتلك آفة رسمية معضلة شعبية كبرى..!
في السودان قبل اندلاع هذه كان مقدمو البرامج الحية يتوسلون إلى المتصلين لكي “يوطِّوا” صوت التلفزيون، وكانت استمرار بقاء الحجاج والمعتمرين السودانيين يشكل كابوساً للسلطات في بلاد الحرمين، وكان هنالك مسافرون عشوائيون يكلفون ضباط الجوازات في المطارات عناء توبيخهم على تجاوز خطوط الصفوف الحمراء قبل أن تحين أدوارهم ..!
ثم شاءت إرادة الله أن تندلع هذه الحرب وأن يغادر مئات الآلاف بلادهم إلى دول الجوار فراراً من جرائم وانتهاكات المليشيا. واللجوء إلى الآخر يعني أن نتأثر به، وأن نعول على اختلاطنا المثمر به في أن نكتسب من مزاياه ما يعيننا على أن نتغير نحو الأفضل..!
والتغيير نحو الأفضل يعني أن نخرج من محنة هذه الحرب ونحن معتادون على تعظيم قضايا الوطن، واحترام اختلافات الآخرين، وحفظ الحدود الشخصية، ومراعاة المسافات الآمنة!.
munaabuzaid2@gmail.com
المصدر : صحيفة الكرامة