مقالات

منى أبوزيد تكتب:..هناك فرق .. دور الصدفة والغباء في تغيير مجرى هذه الحرب..!

منى أبوزيد تكتب:  ..هناك فرق .. دور الصدفة والغباء في تغيير مجرى هذه الحرب..!

 

“لم تكن سيطرة المليشيا على بعض المناطق في بدايات هذه الحرب دليلاً على قوتها، بل كانت شاهداً على بعض غفلتنا وعلى بعض صدف التاريخ التي يحدث كثيراً أن تنحاز مؤقتاً للطرف الخطأ”.. الكاتبة..!

 

في كتابه الشهير “دور الصدفة والغباء في تغيير مجرى التاريخ” سجل أستاذ التاريخ العسكري” إريك دورتشميد” سلسلة من اللحظات العبثية التي صنعت بعض التحولات الكبرى في هذا العالم..!

من الأرض الموحلة في معركة واترلو، إلى الغباء البيروقراطي في حرب القرم، إلى التلكؤ العثماني في حفر الأنفاق عند حصار فينا، إلى خطأ التوقيت الذي وضع هتلر في مواجهة مع قسوة الشتاء الروسي، إلى خداع الحلفاء وصدفة الطقس في غزو نورماندي، إلى عدم فهم الامريكان للثقافة القتالية لدى الفيتناميين.. إلخ..!

مؤلف الكتاب المراسل الحربي الذي غطى الكثير من الحروب لم يكن مؤرخاً تقليدياً، بل عاش المعارك بأنفاسها ودخانها وسقطاتها السخيفة، لذا فقد كان يؤمن بأن تاريخ الانتصارات العسكرية لا يصنعه العقلاء بقدر ما تشكّله اللحظات التي يتصادف فيها وجود الغباء مع حضور الحظ السيئ..!

هذه الحرب التي أنهت عامها الثاني لها من عنوان ذلك الكتاب نصيب، فالكثير الذي كان يُفترض أن يُدار بعقل قبل وبعد هجوم المليشيا أدارته بجهل، والكثير الذي كان يجب أن يتم بتخطيط حدث بالصدفة، ثم ها نحن أولاء..!

خذ عندك مثلاً فشل حميدتي في الانقلاب على البرهان وقتله، السيناريو الذي كان جاهزاً، ضربة خاطفة، ثم بيان أول، لكن بسالة الحرس التي فاتت على التقديرات الغبية للمليشيا أنقذت السودان، وأجهضت الانقلاب..!

وهكذا، انطلقت فصول الحرب التي كان من المفترض أن تنتهي في ثلاثة أيام، لكنها بقيت واستقرت وتمددت مثل قريب ثقيل جاء لزيارتك ثم أغلق هاتفه وأضاع مفاتيح العودة..!

ثم كانت بسالة المقاومة الشعبية التي لم تشملها تقديرات المليشيا، حيث لم يكن أحد قادتها أو نافخي كيرها يتوقع أن يتحول المدنيون العُزَّل إلى حائط صد يربك حسابات المرتزقة وأعوانهم الذين ظنوا أن النجاح في احتلال السودان سوف يكون مثل نزهة قصيرة..!

وهكذا تم تحجيم تمدد مخططات الجهات الخارجية التي كانت تظن أن نهب الذهب والنفط سيتم بهدوء تحت رعاية الفوضى، فاصطدمت بحقيقة لم تكن في الحسبان، أن الشعب الذي ظنوه قد تعب من الثورات والانقلابات ومواجهات حركات التمرد لم يتقاعد بعد،بل قاوم، وأربك، وأفشل، وأعاد تعريف معنى السيادة والكرامة، بلغة رجل الشارع، لا حاكم القصر..!

أما قوات الدعم السريع فعندها تتجلى ذروة العبث، جنود بلا عقيدة، قادة بلا استراتيجية، ومقاتلون مشغولون بحصص النهب وتقسيم مناطق السلب أكثر من القتال في الحرب..!

وحين تتغلب الأطماع في الغنائم على الالتزام بالمهمات ينقلب الحلفاء على بعضهم البعض، ويبدأ التفضيل القبلي في إدارة الجريمة، وينهار التنظيم من الداخل كما ينهار أي بنيان عشوائي تأسس على الأطماع والأحقاد..!

جنود الدعم السريع أنفسهم تكفّلوا بتوثيق جرائمهم، الهاتف الذكي لعب دور الصندوق الأسود، وبرع في التوثيق الغبي، من اغتصاب إلى تعذيب إلى قتل مدنيين، كل شيء موثق، منشور، مؤرشف، بأيديهم، وجاهز لصدور الإدانات الدولية. وهكذا لم تعد محكمة الجنايات الدولية بحاجة إلى محققين بقدر حاجتها إلى مجموعة واتس آب..!

وبينما كان البعض يراقبوننا بعيون الشفقة والبعض الآخر بعيون الطمع، كنا نحن نعيد كتابة قواعد الصمود في وجه المؤامرات والأطماع والحقد العنصري الموشى بالجهل والحمق..!

بلى، خسرنا الكثير، لكننا لم نمنحهم ما أرادوا، بل بعثرنا لهم كل مخططاتهم، ومن مات منا لم يمُت كما خططوا ومن عاش لم يحيا كما أرادوا. لقد دحرناهم عندما قاتلنا لكي نموت كما ينبغي لنا، وهزمناهم عندما استطعنا أن نعيش على طريقتنا!.

munaabuzaid2@gmail.com

إشتياق الكناني

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى