مقالات

علي سلطان يكتب : وطن النجوم..افرازات الحرب بين نزوح ولجوء..الرحالة الصغير المك شادي جعفر

علي سلطان يكتب : وطن النجوم..افرازات الحرب بين نزوح ولجوء..الرحالة الصغير المك شادي جعفر

 

بين نزوح ولجوء تقاطعت حياة كثير من أهل السودان، أطفالا ونساءً ورجالا..من بين هؤلاء الرضيع شادي جعفر دفع الله، وعمره 9شهور فقط..و الذي عاش خلالها حياة غريبة على رضيع في عمره، وسجل خلال هذه الشهور

التسعة رحلات سفر مدهشة ربما لا تتوفر للعديد من أقرانه في مثل هذه العمر الصغير.
المك شادي ولد في الخامس من يونيو من العام المنصرم 2023 في منطقة حوش بانقا شندي، ثم إنتقل مع والديه

الى مدينة شندي، وبعد فترة سافروا الى بورتسودان بالباص في رحلة طويلة عبر عطبرة وهيا وجبيت. وفي بورتسودان مَرِضَ مرضا شديدا فأُدخل المستشفى، ومن المستشفى الى مطار بورتسودان حيث سافر مع أسرته

الى جده معتمرا .. ومن مطار جده إلى مستشفى العزيزية للاطفال في جده، ومنها إلى مستشفى شرق جده للمخ والأعصاب وعودة ثانية لمستشفى العزيزية للاطفال ..ومن محاسن الصدف ان علاجه كان مجانا لأنه معتمر..

والمعتمرون يعالجون مجانا في مكة المكرمة وجدة بمكرمة من خادم الحرمين الشريفين.. لله در المملكة وملكها و ولي عهده.
وسافر شادي بعد قضاء نحو ثلاثة أسابيع في المستشفى الى الرياض، وبعدها عاد مع والدته وأخته الى

بورتسودان، ومنها إلى كسلا ثم عاد إلى بورتسودان مرحبا مرة أخرى، ومنها إلى اسمرا جوا.. ومن اسمرا الى الرياض بطيران فلاي دبي عبر مطار دبي.
خلال تلك الشهور التسعة سافر بالطائرة 7مرات بين

ذهاب وعودة.. والبص ثلاث رحلات ما بين شندي الى بورتسودان الى كسلا والعودة الى بورتسودان.
كانت كل أحلام والديه وتخطيطهما قبل الحرب تنحصر في أن يجدا مستشفى ذات سمعة حسنة في الخرطوم

لكي تلد فيها أم شادي.. ولكن جاءت الحرب الملعونة على حين غِرة فهربت الأم بحملها وهي على وشك الوضع من أم درمان الى الدروشاب بحري ومنها إلى حوش بانقا في رحلة شاقة مخيفة بين ارتكازات الدعم السريع.

ننتظر شادي رحلة اخرى الى مدينة تبوك حيث يعمل والده هناك.
ترى ماذا يُخبئ القدر للطفل شادي في مقبل الأيام بين سفر وسفر واستقرار..!

على غِرار قصة شادي فهناك آلافُ الحكايات والقصص لأطفال السودان في زمن الحرب بين نزوح ولجوء.. فكم من أسر وعائلات نزحت من ولايات الخرطوم والجزيرة ودارفور وكردفان وغيرها هربا من الحرب..وكم من

أسر عائلات عبر الحدود الى الدول المجاورة في أكبر ظاهرة لجوء يشهدها السودان في تاريخه المعاصر.
كثير من أطفالنا تعرضوا للموت بسبب الحرب، وكثير منهم متضررون من الحرب، بسبب نقص الغذاء والمجاعة

والأمراض وانعدام الدواء والنزوح المستمر، اضافة الى توقف تعليمهم بسبب الحرب.
لقد ظل السودان طوال العقود الماضية، هو البلد الآمن لكل لاجئ من دول الجوار.

وظل السودانيون وفي إنسانية رائعة وفي تراحم وعطف غير منقوص، يستقبلون اللاجئين باعتبارهم ضيوفا.. لم يضيقوا عليهم بل أحسنوا معاملاتهم في كل وقت وحين.
بعض دول الجوار لم تنس مواقف الشعب السودان تجاه

لاجئي بلادهم.. فردوا الجميل كاملا غير منقوص.. وأخص هنا بالذكر الشعب الارتيري الشقيق الذي فتح قلبه قبل حدوده للسودانيين.. الآن السودانيون يدخلوا ارتيريا برا وجوا وبحرا مجانا بدون أي رسوم على تأشيرة

الدخول.. وتُمنح لهم التأشيرة في مكان الوصول سواء كان مطار اسمرا أو على الحدود بين كسلا وتسني..!
ويجد السودانيون تعاطفا ومعاملة طيبة من الشعب الارتيري وعلى المستوى الرسمي.. وماتزال كلمات الرئيس

سياس افورقي يتردد صداها حتى اليوم حيث قال قبل شهور: إننا على استعداد لكي نتقاسم مع السودانيين رغيف الخبز..!!
كلمات بسيطة عميقة في معناها كان لها أثرها في جبر الخواطر وتعزيز علاقات البلدين الشقيقين السودان و ارتيريا.

يوميا يزداد عدد السودانيين في ارتيريا، ومعظهم يأتي الى اسمرا بغرض الحصول على تأشيرة زيارة لدخول السعودية.. والتي تستغرق زمنا ليس بالقصير..مما زاد من عدد السودانيين في ارتيريا.. فضاقت بهم اسمرا وكرن وتسني وغيرها من المدن الارتيرية.. من الصعب أن تجد

حجزا في فندق أو في شقق مفروشة، الآن يقيم السودانيون في مدرستين وفي معرض اكسبو وغيرها.
السودانيون مازالوا بين نزوح ولجوء وعدم استقرار.. كل يوم جديد تضيق عليهم الارض بما رحبت.. وتزداد المعاناة في كل أشكالها وصورها.. تختلف في الشدة

والضيق الصعوبة والقساوة.. ولكن كل سوداني في اي مكان يعيش محنته الخاصة التي قد لا يفصح عنها.. ولكنه في ابتلاء واختبار وامتحان.. صبر جميل والله

المستعان.. اللهم َافرغ علينا صبرا وجملنا بالصبر والثبات والرضا بما قسمت لنا.
نسال الله تعالى في ليلة العيد والعيد ان نعود إلى ديارنا سالمين غانمين ظافرين منصورين.. اللهم آمين.

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى