مقالات

عبدالمنعم شجرابي يكتب: .. استراحات..موت قدرة

عبدالمنعم شجرابي يكتب: .. استراحات..موت قدرة

أعذروني فأنا أصنف قدرة الفول من ( الكائنات الحية ) لا الجمادات لمَ لا وهي تطعمنا في اليوم وجبتين من الثلاث وجبات وتساوي هي – بلا تفرقة – بين الأثرياء والفقراء وبين العامل ورجل الأعمال وبين الطفل والشيخ وما

يخرج من بطنها يخرج لجميع الناس ( ضعيفهم وسمينهم ) وبشراهة يلتهمون منه وكل لحم أكتافنا من خيرها .. وقدرة الفول هذه ليس هنالك أخلص منها، فمن أجلنا تنتظر الساعات الطوال على نار ذات لهب وهي تفور

وتغلي ( وتجقجق ) وتمنح عطاءها للقريب وتنتظر البعيد دون ملل ولا تمل دخول ( الكمشة ) وخروجها في عملية آلية ( ولا تزهج ) إطلاقاً من ( مطاقشة ) الصحون وترحب بالبستلات والجكوك وبدون تطويل ولا تهويل

أؤكد لكم أنها تحبنا أكثر مما نحبها وإن لم يكن الأمر
كذلك لما ظلت بيننا وبينها كل هذه العلائق و ( الولف ) وبإمتداد زمني ضارب في القدم لا يعلم به إلا الله وأنا شخصياً أحترم قدرة الفول هذه إحتراماً مبالغاً فيه ولا

أمر قربها إلا وأحييها ، ولو لا بعض الحياء لنزلت في كل مرة مقبلاً لها على خديها البارزين ، ولم أكن أتخيل أن يحدث بيني وبينها ما حدث عشية الإثنين الماضي فبعد أن أخذت ما أخذته من محل الفول الشهير بالخرطوم من

ساندويتشات وأثناء اللحظات الأولى لتحرك العربة صاحت الدنيا الواقفة كلها يا زول حاسب .. يا زول حاسب وأوقفت ماكينة السيارة وقبل أن أنزل كانت الحسرة والأسى قد غطت الوجوه وأمام العربة كانت

القدرة ترقد مصابة وسال الفول ( مطر ) من صدمة العربة ( الخفيفة الثقيلة ) وحبيباته ( الغليدة ) تطايرت هنا وهناك وكثير منها رقد فوق بعضه البعض وكأنه يريد أن يحمي نفسه من الوصول إلى التراب وأمام هذا ( المنظر المأساوي ) الذي ( يقطع المصارين ) وبعض المصارين

تتقطع له جوعاً .. إرتبكت وعقدت الدهشة لساني ولم أعرف هل أبدأ بالاعتذار للقدرة المسكينة التي ألقيت بها أرضاً وهي ( حامل ) أم
أعتذر لكل حبة من الحبات التي
خرجت من بطنها وسقطت على
الأرض وهي تريد أن تنزل على بطن جائع لتسد له رمقه أم أعتذر

لصاحب المحل الذي أتى بالفول ( وشد القدرة ) ووقف عليها حتى نضجت وينتظر منها حفنة من الجنيهات، لكني شعرت أن الاعتذار الحقيقي يجب أن يكون في الأصل ( لكمين بشر ) وقفوا لهذه القدرة ليأخذ كل واحد

منهم نصيبه، إن كان على المستوى الفردي أو الجماعي ويقوم بعدها ( بالتصليح ) المطلوب بإضافة ( جرعة ) من الزيت أو ( مسحة ) من السمن أو بإضافة
قطعة من الجبن ( وكرات ) من
الطعمية ( ورشة ) شمار ..

فليس هناك صحن في الدنيا أطيب وألذ وأشهى من ( الفول المصلح )
وأنا واحد من ( الدعاة ) أبداً ودائماً وصحن الفول أمامي ( ربنا ما تحرمنا منو ) وأخيراً تمالكت نفسي ووقفت أمام صاحب المحل معتذراً وعارضاً عليه التعويض عن الأضرار

التي سببتها ( عربيتي التعيسة ) فهجم علي الرجل بعنف وقسوة وصاح بملء فمه يا زول انت ما سوداني علي الطلاق بالثلاثة لو ما سحبت كلامك ده سكيني دي تاخدك ياخي ربنا راد كده والقدرة دي ما في زول عندو رزق فيها وأكلها ( التراب ) ، فوقفت مشدوهاً ومتأثراً بإيمان الرجل وحسن معاملته وأعتذرت كثيراً وكثيراً وشكرته كثيراً

وكثيراً ومتحسراً ألقيت النظرة الأخيرة على قدرة الفول وهي ( مفجخة ) و ( معفصة ) وراقدة على الأرض بعد أن أجبرها الحادث على ( الإجهاض ) والحقيقة فقد كان إحساسي بالذنب كبيراً وعظيماً فأنا وبلا شك لم أصدم

قدرة الفول بل ( صدمت ) العشرات الذين كانوا ( يتلهفون ) إلى الساخن الذي بداخلها في يوم شتوي بارد .. ويا أخوتي بشرطة المرور ليس هنالك أعظم وأضخم وأكبر من حادث مرور تموت فيه قدرة فول .. يرحمها ويرحمنا ويرحمكم الله
المشاهد 16/1/2001

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى