مقالات

عبدالسلام محمد خير يكتب: المخرج الفاتح البدوي..عمل باهر فى صمت

*المخرج الفاتح البدوي..عمل باهر فى صمت*
رحم الله الفاتح أحمد البدوي،إنسان صبور خلوق غادر فى صمت..ما أدركنا فضله إلا حين أعياه الداء وأسكته فرحل بعيدا موعودا،ونحن فيما نحن فيه، ما بين(غفلة وتغافل)كما كتب أحد الأوفياء لعهده،الأستاذ السر السيد..نحاول على سبيل الإعتذار أن نتذكر شيئا مما عرفنا عنه..جاء رحيله تنويها لننتبه..هنا فى تلفزيوننا هذا كم ممن يعملون فى صمت،يشكلون علامة ساطعة يستضيىء بها إعلام بلادنا الذى ظل،برغم الظروف،ديدنه التأسيس لمناهج تبقيه قيد الحضور والمواكبة والعالم ينطلق رقميا..نذكر للفاتح وهو يرحل راضيا مرضيا بإذن الله أنموذجه المتفرد فى التعامل مع الزملاء والمتعاونين وفى الإنتاج الإعلامي المواكب..إختار وعينه على إرث الرواد والأقران أن يأتي بإسهام نوعي رسالي يلامس حاجة المجتمع وأشواقه ..بصمته تدل عليها شواهد إبداعية جهيرة..إن بصمة الإنسان فى الحياة تبقيه فى ذاكرة الناس بعد الرحيل..كأنما هو من يقول بذلك وهو يرحل مستجيبا لأقدار خاتمة المطاف وقد توشحت بدلائل العمل الصالح بإذن الله(بصمته)وبشريات المكان(الأراضي المقدسة)والزمان(العشرة الأوائل من ذى الحجة)..إن الإستبشار بالمآلات مبعث عزاء وسلوى..هكذا تترى رسائل الأتراب وعارفي فضله على الإعلام والثقافة وحسن التواصل.

إسمه إقترن بمسلسلات شهيرة من تأليفه وإخراجه،لا أعرف كيف وجد لها وقتا وهو دائما فى(الحوش)..شغلت الناس وأثرت الفضاء بالمعاني والحكم والإيحاءات(آخر قطار)،(التصفية)،(وهج الشفق)،(إبتسامة أمل)..سبقتها مسرحيات عناوينها تدل عليها(مهر حنينة)،(بدور الساب)..وكم من أفلام وسهرات درامية..حشد لأعماله المشاهير من الممثلين بمختلف أجيالهم ومشاربهم،ولا تدري كيف أحاط بهم على تنوع رؤاهم..عرف بميله للدراما الإجتماعية،حيث تتلاقى الميول والأنفس..فكانت تتداعى حوله الأفكار لإنتاج أفلام من واقع المجتمع وتمثيليات بمداخل تربوية وبرامج ثقافية..ثم تفرد بإنتاج أنماط مبتكرة فى مجال البرامج الدعوية..وكانت قد تجلت قدراته المتعددة فى برنامج(أسماء فى حياتنا)وصلا لجهود مخرجين وكوادر من الفنيين المتميزين ممن سبقوه فى رفقة منسجمة يرعاها معد البرنامج ومقدمه الدكتور عمر الجزلي الذى يحرص على معنويات فريق العمل فى الحل والترحال والسهر على المنتاج..ومع عمر أي ترحال هو وأية صحبة وكم من ساعات على الشريط؟!..سويسرا وأمريكا،الفاتح هناك رؤية وإخراجا، وإنطباعا يسر الخاطر.

أجواء الأستديوهات والتسجيل الخارجي تستدعي إلهامات وتجليات يعتريها توتر خلاق تتكشف خلاله إضافات المبدع وخصائصه الشخصية ومؤهلاته، دون أن تسأل عنها..أخيرا علمت أن الفاتح البدوي تخرج فى المعهد العالي للموسيقى والمسرح،دراسات فى السناريو والإخراج،مدارسة مع خبراء..عرفته الآن..ماكنت سألت عن مؤهلاته حين عملنا معا فى إدارة البرامج التعليمية ثم الثقافية فهو قادم نحوك يسبقه إنطباع عنه يطمئنك..يأتيك مبادرا بتصوراته وإمكاناته المتاحة بموقعه الوظيفي بإدارة الإنتاج..الآن فقط تتكشف ملامحه فى نعي لمدير إدارة الدراما الأستاذ السر السيد،الشاهد على عصر إزدهار الدراما بالتلفزيون(إنه كادر مثابر فى الدراما ونشط لأبعد الحدود كاتبا ومخرجا وإداريا)..يضيف(السر) كأنه يكشف سرا(أثناء العمل المشترك فى الإدارتين أنتجنا ذلك الكم الكبير من الأفلام والتمثيليات والسلسلات والمسلسلات)..تكشفت لي شخصيته بداية فى زحام العمل اليومي للعاملين والمتعاونين بالإدارة التعليمية بأجوائها الحميمة فاستطابت عشرته..مضينا معا ونخبة من منتجي البرامج التعليمية للتشاور مع المؤسسات المعنية وصولا إلى بخت الرضا لإحدات تطوير فى عرض الحصص المدرسية من خلال التلفزيون،حيث يترقبها جمهور شغوف قوامه الأسرة والطلاب وكذلك المعلمين للإستفادة من تجارب زملائهم على الشاشة..كان الفاتح مبادرا لتنفيذ توصيات ورشة عمل نظمت لهذا الغرض تنادى لها خبراء التربية والإعلام قضت بإستبدال أسلوب السبورة والطبشيرة بجماليات الشاشة..وهكذا إرتبط المخرج الفاتح البدوي بمبادرة مشهودة إجتماعيا وتربويا،والحمد لله،شكلت دفعة كبيرة لفكرة(التعليم عن بعد)هاجس العالم اليوم..اللهم إجعل الإجر واصلا لكل من أسهم .

جمعنا عمل مشترك آخر مبرور،يستحق الذكر هنا..فلدى تحول التلفزيون لفضائية إقتضى الأمر المواكبة فانبرى فريق من البرامجيين بقسم البرامج التربوية والمخرجين ليأتوا بجديد فكانت منظومة من البرامج الدعوية التفاعلية طابعها التنوع..منها ما إقترن بإسمه(دوحة الإيمان،وجه النهار،ليالي الذاكرين)..ثم إنه تولى إخراج(المنتدى الفقهي)الأسبوعي المحضور، بعد مخرجه المؤسس..شهدت فترة تعاونه بقسم البرامج التربوية،وكأنه قسمه، ترتيب برامجي جاذب للتسجيلات الخارجية مع العلماء والفقهاء وللنقل المباشر من ساحات المولد النبوي لعدة سنوات..لقد تواتر ظهور أشكال برامجية أخرى متجددة على يد زملائه المخرجين منها(ألق الأسحار)،(فسر واكسب)،(قبس قبس)و(قمم تراثية)- سلسلة درامية تستدعي مناقب أهل الصلاح كتبها الأستاذ محمد صالح يعقوب،عليه رحمة الله..الفاتح وكوكبة من أقرانه المخرجين صمموا هذه البرامج مع معدين بينهم مديرو إدارات بتحفيز من مدير التلفزيون ورعاية مدير البرامج ومشاركة رموز فى المجتمع..لقد إتخذت البرامج الدعوية طابع الحوار والتفاعل مع الجمهور وتنوع الأطباق..إضافاته واضحة كمخرج ودرامي وحادب على الفكرة،والمردود.. جزاه الله وكل من أسهم خيرا.

عرفته عبر العمل والسفر وتقلب الأيام..ظل يتراءى لي مخرجا ومنتجا وإنسانا،وود بلد..تدل عليه خطاه وطلته ومبادراته وتحدي الظروف سعيا بين زملائه بالحسنى..الصمت طابعه حتى إنى لم أعثر على لحظة وفاء لأسمعه قولي هذا حتى أصبح الأمر ذكرى تنساب على كل لسان منذ أن نعاه الناعي من الأراضي المقدسة جعلها الله مقرا لنعيم فى الآخرة يطالعه مع دعاء من عرفوه وافتقدوه..فكأنى أكتب عن كل من يعملون فى صمت،وكم مثلهم فى الإذاعة والتلفزيون والصحافة(يصلون غيرهم وينسون أنفسهم)..فلنذكرهم ببعض حقهم علي البلد ونوثق لهم لصالح الأجيال..(المخرج الفاتح البدوي..عمل باهر فى صمت)عنوان لفلم وثائقي مستحق يا إدارة الإنتاج،إدارته الوفية..رحم الله الفاتح وكل من رحلوا وأحسن إليهم بمقدار ما قدموا لوطنهم والناس أجمعين..نعزي أسرة الفاتح ألزمها الله الصبر، وأقرانه والهيئة والبلاد..إنا لله وإنا إليه راجعون.
عبدالسلام محمد خير

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى