صلاح الدين عووضة يكتب : ملامحنا!
صلاح الدين عووضة يكتب : ملامحنا!
ملامح ترابنا..
ملامح بردنا… وحرّنا… وخريفنا… وهبوبنا… وكتاحتنا… وفواصل فصولنا..
ملامح أخلاقنا… وعاداتنا… وتقاليدنا..
والشاعر محجوب شريف حين أراد مدح نظام مايو بدأ بالملامح هذه..
قال في قصيدته التي تغنى بها وردي:
جيتنا وفيك ملامحنا… عاد يا مايو ميِّزنا
وكان ذلك في بادئ أمرها… وبادئ أمره… وبادئ ما بدا من ملامحنا هذه..
ولكنه تنكَّر لمايو هذه حين تنكَّرت للملامح..
وما زلت أذكر بادئ يومٍ من بدايات مايو مشينا فيه بلا بداية ولا نهاية..
وكانت تمشي معانا خطاوي الإلفة والوحشة..
وتمشي معانا في كلمتنا هذه بعضُ مقاطع – ومفردات – قصائد الدوش..
وعرجنا – أثناء مشينا ذاك – على منزل الدوش..
والدوش الآخر هذا من أهل بلدةٍ كنا نمشي على طرقاتها – وأزقتها – وقتذاك..
وهي بلدة الخندق ذات ملامحنا العريقة… والعتيقة..
ورغم صغر سني لم أشعر بألفة تجاه ملامح رآها شاعرنا شريف في مايو..
وقد كان الفضاء يضج بأغنية: جيتنا وفيك ملامحنا..
بيد أن ذلك لم يحُل دون أن أحس بألفةٍ متأخرة – الآن – حيال قائد مايو نفسه..
فهو – كشخصِ – كان فيه ملامحنا..
كان فيه وطنيتنا… نخوتنا… صفاتنا… رائحة ترابنا… واعتدادنا بذواتنا..
وكذلك بقية رموز نظامه..
ومساء البارحة كنت أتحدث – هاتفياً – مع واحدة من بنات الخندق هذه..
وهي نجاة ابنة خالي عثمان محمود..
ودهشت لنغمة هاتفها التي ذكّرتني بزمان مشينا ذاك..
مشينا بين ملامح الخندق في زمن ماشي… وزمن جاي… وزمن لسه..
فشعرت – أنا نفسي – بحنين إلى ذياك الزمان..
وقد كانت أنشودة يتغنى بها أطفال مراحل الدراسة الأولى وتقول مقدمتها:
لما كنت صغيرة… بلعب في التراب
ماما لبســـتني… الــجزمة والشـراب
فقد حنَّت إلى زمان طفولةٍ ارتبطت بتراب الوطن في زمنٍ تنكَّر له البعض..
ويرفعون شعارات ديمقراطية أعشقها..
غير أن التنكر لتراب الوطن هذا جعلني أُفضل عليهم ذاك الذي جاء بملامحنا..
فهو يفضلهم تمسكاً بوطنية التراب..
حتى وإن كان فيه ما أمقته من جنوحٍ نحو العنف… والتسلط… والجبروت..
ثم استسهال لإزهاق أرواحٍ تنتمي إلى هذا التراب..
ومشى الزمن؛ وجاء أناسٌ يدوسون على كل قيمٍ تنتسب إلى ترابنا هذا..
يدوسون على الوطنية… على النخوة… على الصفات… وعلى الاعتداد بالنفس..
ويستسهلون القيم هذه استسهال نميري قتل المعارضين..
والآن – الآن… الآن… الآن – مشى بعضهم إلى دولةٍ خليجية يستصرخونها..
ويستغيثون بها لنصرتهم سياسياً على نفرٍ من أبناء جلدتهم..
ثم لا يطرف لهم جفنٌ وطني..
وهو عيبٌ لم تقترفه – أبداً – أي جماعة سياسية في بلادنا من قبل..
وما كان للذي جاء وفيه ملامحنا أن يقربه أبداً..
ولا ذاك الذي جاء من البلدة التي مشينا في أزقتها؛ وأعني سوار الذهب..
وما كان ليجترحه الصادق… ولا الأزهري… ولا المحجوب..
وكأنهم لم يلعبوا يوماً على تراب هذه الديار..
ولم يمشوا في مناكبها… وعلى طرقاتها… وبين ملامحها..
فهم أناسُ بلا هُوية..
ولا ملامح!.
المصدر : الصيحة