تقاريرمقالات

د. البوني يكتب : سيرته الأولى (1 )


سيرته الأولى
(1 )
عبارة إعادة مشروع الجزيرة الى سيرته الأولى ظلت تتردد ومنذ عشرات السنين من قبل الذين يتولون أمر المشروع وبعض الحادبين عليه، ولكن السيد حمدوك في كلمته في المعيلق في الأسبوع الماضي، قال ان هذه العبارة لا تعجبه لأن الطموح يجب أن يرتقي إلى ما فوق ذلك، ولكن الذي أنا بصدده هنا هو ان عبارة سيرته الأولى تنطوي على خطل كبير رغم حسن النية البادي عليها، ولمزيد من التوضيح أقول ومن الآخر كدا ان سيرة المشروع الأولى كانت (ذي الزفت) بالنسبة للمزارع – خلي بالك من المزارع دي- نعم إذا نظرنا للأرض نقول ان الإنجليز رضي الله عنهم كما يقول صديقنا بروف عثمان البدري، قد أبدعوا في إقامة مشروع زراعي حديث ، خزان وشق قنوات وتخطيط أرض ومعالجة ملكية الأرض ودورة زراعية ونظام إداري صارم من أبدع ما يكون، وقد حقق لهم كل الأهداف التي كانوا يريدونها منه وتركوا لحكومة السودان كنزا قابلا للتطوير لمصلحة الوطن والمواطن.


(2 )
أما اذا نظرنا إلى الإنسان وعلى وجه الدقة المزارع، فقد كان وضعه أسوأ ما يمكن تصوره، بعبارة أخرى علاقات الإنتاج القائمة على الحساب المشترك جعلت المزارع المنتج يحمل معه المزارع غير المنتج ليتساووا جميعا في الفقر وتنعم الشركة الإنجليزية والحكومة الاستعمارية وبعد الاستقلال تنعم الحكومة الوطنية وإدارة المشروع بنصيبيهما صافيا .فان وجدنا العذر للمستعمر في استغلال المزارع، فكيف نجد العذر للوطنيين ؟؟؟ لمعرفة أحوال المزارعين وأوضاعهم الاقتصادية أحيل القراء الى خواجية اسمها كولويك باحثة اجتماعية جاءت الجزيرة في ستينات القرن الماضي، ومن ضمن الذي ساعدوها في الإقامة والتجوال ذكرت الشيخ محمد عبد الله الوالي في فداسي، وخواجة اسمه توني بارنيت أستاذ علم الاجتماع في جامعة الخرطوم، سكن لمدة عام كامل هو وزوجته في قرية النديانة بالجزيرة واندمجوا مع الأهالي وكان ذلك في السبعينات كلا الخواجة والخواجية كتب كتابا صور فيه البؤس والفقر والمرض الذي كان يكسو قرى الجزيرة، وتساءلا عن حق المزارع في القطن الذي يلهطه الآخرون واتفقا على ان الذي جرى ويجري ساعتها في الجزيرة أسوأ استغلال للإنسان في القرن العشرين.


(3 )
لقد عايشنا الستينات صبيانا والسبعينات شبابا في الجزيرة، ولن يستطيع أحد ان يزاود علينا . مع الحساب الفردي في مطلع الثمانينات والتنوع الزراعي الذي أدخل في المشروع وشويات الخدمات الاجتماعية تحسنت أحوال المزارع المعيشية نسبيا، ولكن الطفرة الاجتماعية حدثت بعد الاغتراب والتجارة ودخول أبناء الجزيرة مجال الوظيفة العامة، بعبارة أخرى ان التطور الذي اجتاح الحياة الاجتماعية في الجزيرة، لا يرجع الفضل فيه للحواشة إنما للعمل خارجها ومع ذلك لا يمكن أن ننكر الفضل العام للمشروع في توفير الاستقرار، لهذا قلنا إن سيرة المشروع الأولى بالنسبة للمزارع كانت ذي الزفت ، أما بالنسبة للحكومة والإدارة فكانت (منقة بس)، ولكن الظلم الواقع على المزارع أسهم في تدهور المشروع فأصبح عالة على الدولة وفيما بعد أصبح طاردا للإدارة . على وجه التحديد الفترة (1925 -1980) كانت هي الفترة التي حمل فيها مشروع الجزيرة السودان وبعد ذلك دخل في إعسار وأصبح عبئا على الدولة الى أن نفضت يدها عنه في قانون 2005 والذي طبق تطبيقا سيئا في 2008 رغم بعض الإشراقات التي تظهر فيما ينتجه المزارع اليوم من قمح وقطن ومحاصيل أخرى ومع كل ذلك يستحق مشروع الجزيرة مستقبلا أفضل وليس الرجوع للخلف، ونواصل إن شاء الله.

نقلا عن السوداني

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى