مقالات

 صلاح الدين عووضة يكتب : شجون !

صلاح الدين عووضة يكتب : شجون !

وأحاديث..
والحديث ذو شجون..
ويوم الجمعة – من كل أسبوع – هو موعد حديثنا عن شجون الحديث..
أي حديث – وشجون – بعيداً عن السياسة..
ومن الناس من يعجبك حديثه – ذو الشجون – حتى تتمنى ألا يسكت..
ومنهم من تتمنى أنْ لو سكت…ولم يتحدث أصلاً..
ومن الصنف الأول هؤلاء أحد ظرفاء بلدتنا…ممن كان بهم (لُطف)..
كان يزور جدتي – ابنة ساتي – من حينٍ لآخر..
فيكون مصدراً من مصادر سعادتي أثناء إجازتي المدرسية..
وسبب زيارته لها أنها كانت ذات كرم..
كانت تكرمه بطعامٍ…وشايٍ…وقهوة…وأذنٍ صاغية..
فهي تستمتع بحديثه وإن لم تفهم منه شيئا..
وأنا نفسي كنت أستمتع بحديثه ولا أفهم الكثير منه ذا الشجون..
فهو يتنقل بين موضوعٍ وآخر كتنقل الظل..
فهو تنقل لا يحدث صوتاً…ولا حركة…ولا علامة استفهام في العقل..
تنقل سلس كتمريرات سقراط البرازيل زمان..
وكان يحمل معه سيجارة واحدة يضعها في جيبه…أو على أذنه..
فإن أحضرت له الشاي – من بعد الطعام – أشعلها..
ثم خلف رجلاً على رجل وطفق يحكي عن أشياء لا رابط بينها..
أو ربما كان هنالك رابطٌ لا نحس به نحن..
يحكي عن هتلر…وعبود…وكلب حسن خيري…وضحكة نفرين ست العرقي..
وتضحك جدتنا بصمت…وأضحك أنا بصخب..
وذات يوم رسمت وجهه على ورقة بيضاء وهو يدخن سيجارته..
وكنت بالرسم مغرما..
ولما فرغت طلب مني أن أريه ما أرسمه..
فلما فعلت أطلق ضحكة مجلجلة ثم قال ساخراً (لا خلاص يا بيكاسو)..
فدهشت لمعرفته بهذا الرسام العالمي..
ثم لم يدهشني حديثٌ آخر – خلال زيارتي تلك للبلد – إلا حديث فتاة..
وسميتها ذات الرداء الأخضر..
أو هو أخضر غامق – أو زيتي – لا أذكر بما أن الوقت كان مساءً..
وكنت أقرأ – حينها – قصيدة المساء..
وبدت لي جميلةً جداً…كجمال ذياك المساء..
وكنت وحدي بفناء الدار البحري حين ولجت من باب (السر) كما يُسمى..
فسألتني عما اقرأ فقلت الجداول لإيليا أبي ماضي..
فقالت أن لديها ديواناً آخر لإيليا هذا اسمه الخمائل…وستحضره لي صباحاً..
أو ربما قالت إنه يخص شقيقها..
ثم أفاضت في حديثٍ ذي شجون ؛ معظمه عن الشعر…والشعراء..
وأتى الصباح…وأتت هي…ولم تأتي الخمائل..
فلما سألتها عن وعدها لي في المساء قالت إنها لم تحضر إلينا البارحة..
لم تزرنا أبداً ؛ لا مساءً…ولا صباحاً..
وفضلاً عن ذلك لم تسمع بشاعرٍ اسمه إبي ماضي أصلاً…دعك من دواوينه..
فلما حدَّثت بالحادثة هذه كان حديثاً ذا شجون..
وحديث فتاتي – أو فتاة مسائي ذاك أيا كانت – لا أقدر على توثيقه شعراً..
لا أقدر على فعل ما فعله عبد الله محمد خير..
فبنو شائق – وبنو بدير – هم من أقدر الناس على صياغة الأحاديث نظماً..
ثم يكون نظماً – عذباً – ذا شجون..
وفتاة شاعر البديرية هذا كانت ذات وجودٍ حقيقي..
وليست كفتاتي التي أشكل علي فهم وجودها المسائي ذاك في حياتي..
ثم إنكارها وجودها ذاك…وحديثها ذاك…ووعدها ذاك..
فزار أهلها بصحبة صديق – عبد الله محمد خير – يوم عيد من أعياد الفطر..
ومن قبل كان قد قال فيها شعراً..
قاله في جمالها…وفي أدبها…وفي ذوقها…وفي حسن حديثها ذي الشجون..
ففوجئ بأنها ارتبطت بآخر..
فانسحب بكل ذوق…وكل أدب…وكل جمال..
ورغم ذلك لم يتمالك مشاعره…لينسرب من مسام عواطفه حديثٌ ذو شجون..
يقول في مستهل قصيدة رائعة له (حديثك شوَّقنا ليك)..
ومحمد خير هذا نفسه حديثه ذو تشويق..
وشجون !.

المصدر : الصيحة

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى