مقالات

 صلاح الدين عووضة يكتب : إيحاء!

 صلاح الدين عووضة يكتب : إيحاء!

وللإيحاء قوة..
قوة ذاتية؛ وقوة اندياحية..
بمعنى أن الشخص قد يُوحي لذاته بشيء – مع التكرار – فتصدقه نفسه..
وقد يُوحي لآخرين بشيءٍ ما – مكرر – فيصدقونه..

وسبق أن ذكرت – في مساحتنا هذه – قصة الأمريكي الذي يخشى السرطان..
فطفق يُوحي لنفسه بأنه مصابٌ به..

وحذّره جاره طبيبٌ – نفساني – من ممارسة هذه اللعبة الإيحائية الخطرة..
قال له إن عقلك ربما يصدق..

وإن صدق فسوف يأمر الجسد بالاستجابة لرغبات نفسك الدفينة هذه..
وحدث – بالفعل – ما توقعه الطبيب لجاره..

وقبل أيام كتبت عن خدعة السحر الإيحائية؛ غير ذات الوجود الفعلي..
فالساحر يستغل ضعف عقل المتلقي..

فيصدق العقل؛ فيأمر العين برؤية ما هو ليس موجوداً على أرض الواقع..
برؤية ما يُوحي الساحر به؛ استرهاباً..

وفي القرءان: سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحرٍ عظيم..
وقديماً أشرت إلى قصة المريض والشجرة..

فقد كانت جريمة قتل مكتملة الأركان؛ ورغم ذلك نجا الفاعل بفعلته..
فالمريض حار أطباؤه إزاء لغز تدهور حالته..

رغم إن حالته هذه لا تستدعي قلقاً؛ ويكفيه ما منحوه إياه من علاجات..
وانكشف السر عقب وفاة المريض..

فزائرٌ مداوم على معاودة مريضٍ آخر كان يُوحي لمريضنا هذا بما قتله..
ولم تُعرف دوافعه لذلك..

كان يقول له: أنظر إلى تلك الشجرة خلف نافذة غرفتك؛ ففيها مصيرك..
وكانت الشجرة ذات أوراقٍ مصفرَّة… وتتساقط..

فإن سقطت آخر صفقة – قال – سيخرج بسقوطها آخر نفسٍ من أنفاسك..
وظل بصر المريض مصوباً نحو النافذة..

ويعد – بقلق – ما تبقى من الشجرة من أوراق؛ بمظنة تعلق روحه بها..
ورُجح أن القاتل – البرئ – ذا دراية بعلم النفس..

وحتى في علم النفس هذا ما التنويم المغنطيسي إلا محض إيحاءٍ قوي..
فما من قوة خارجية تُجبر الشخص على النوم..

بمثلما ما من وجودٍ خارجي لما يراه الخائف في ظلام الليل من أشباح..
وإنما هو يسمع… فيصدق… فيأمر عقله عينه بأن تصدق..

وفي زماننا هذا – ببلادنا – وقع الكثيرون ضحايا لقوة الإيحاء الثوري..
ويكفي أنهم باتوا يصدقون الشيء ونقيضه..

فإن أُوحي إليهم أن البرهان هو صديق الثورة هتفوا له؛ واحتفوا به..
سيما إن قيل لهم إن علاقتنا معه سمنٌ على عسل..

فلما ساءت العلاقة هذه قيل لهم إن البرهان عدو الثورة… وانقلب عليها..
وفضلاً عن ذلك فهو من الفلول..

فخرجوا للشارع يهتفون ضده؛ ويصفونه بأنه انقلابي… فلولي… عدو الثورة..
وكذلك كل من يدعم خطوة البرهان هذه..

فغاب العقل… فالمنطق… فالإرادة؛ وصار لدينا قطيعٌ يُوحى إليه فيصدق..
فلا فرق بين هؤلاء وضحايا سحرة فرعون..

فثمة قاسم مشترك أسحر هو الاسترهاب؛ للعين… أو العقل… أو القلب..
وليس بالضرورة أن يكون المسترهِب ساحراً..

فيمكن أن يكون قاتلاً؛ كذاك الذي تسبب في قتلٍ مريضٍ أسلمه عقله..
وهؤلاء يقتلون أيضاً من أسلموهم عقولهم..

أو يتسببون في قتل من جعلوهم يصفقون للبرهان بالأمس ويلعنونه اليوم..
أو يقولون لهم سيروا يميناً – أو شمالاً – فيطيعون..
فهم مجرد شخاشيخ في أيديهم..
بقوة الإيحاء!.

المصدر : الصيحة

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى