إبراهيم شقلاوي يكتب: ..وجه الحقيقة.. حينما تفسد السياسة مشروعات التنمية
إبراهيم شقلاوي يكتب: ..وجه الحقيقة.. حينما تفسد السياسة مشروعات التنمية
من المؤسف أن الكثير من المشروعات القومية في السودان التي تم إنجازها خلال فترة حكم الرئيس البشير تعرضت للتشويه والنقد الممنهج والتقزيم من قبل السياسيين والإعلام المتحيز ، بما في ذلك بعض وسائل الإعلام التي غاب عنها توجيه المعلومات للسودانيين
بشكل صحيح . بل إن الصراعات السياسية سواء كانت عن وعي أو دون وعي تسببت في تشويه هذه الإنجازات الوطنية التي نملكها جميعا ووضعت العراقيل أمام الاعتراف بها ، بل وصل الأمر إلى تجريم من قاموا بتنفيذها وتقليص أهميتها .
في هذا المقال سأعرض نماذج من تلك المشروعات التي واجهت معارضة شديدة عقب إنشاؤها من بعض السياسيين والإعلاميين الذين خلطوا بين الصراع السياسي والعمل التنموي الاستراتيجي الذي يخدم
مصالح الناس ، مما أثر سلبًا على الفهم الصحيح لأهميتها . لكن اليوم بات من الواضح أن هذه الحرب الوجودية التي انتظمت حياتنا وهددت امننا وكادت ان تعصف ببلادنا قد كشفت عن الأهمية الاستراتيجية لعدد من
المشروعات التي تم إنجازها خلال الفترة الماضية ، ومنها مشروعات السدود السودانية التي مثلت حجر الزاوية في تأمين الطاقة الكهربائية خلال الحرب ، مثل سد مروي وسد سيتيت وتعلية سد الرصيرص. هذه المشروعات
وفرت نحو 2000 ميغاوات من الكهرباء التي غذّت الشبكة القومية طوال فترة الحرب ، مستفيدة من موقعها بعيدًا عن مناطق النزاع والقصف ، مما أتاح للعمال التنقل بأمان وأدى إلى إدارة كفؤة لهذه المشاريع .
ومن خلال هذه السدود تم تعويض الفاقد من التوليد الحراري الذي تضرر بسبب الحرب ، مثل محطات كهرباء قري وأم دباكر، ومحمود شريف ، التي توقفت بسبب صعوبة وصول العاملين لها أو نقص الوقود أو عدم القدرة
على أعمال الصيانة . أما بالنسبة للمشروعات الأخرى مثل الطرق، فقد كان لها دور كبير في ربط شمال السودان بشرقه بوسطه ، حيث شهدنا اختبارا عمليا لمشروعات مهمة مثل طريق عطبرة – مروي، وطريق مروي – كريمة ، وطريق ناوأ – دنقلا – حلفا. كذلك ثلاثة جسور
استراتيجية ساهمت في تعزيز هذا الربط: جسر المتمة شندي ، جسر مروي كريمة ، وجسر دنقلا السليم ، والعكد أم الطيور . هذه المشروعات لم تساهم فقط في تسهيل الحركة داخل البلاد، بل كانت أيضًا عاملًا مهمًا في ضمان الاستقرار في المناطق الحدودية وتعزيز بقاء الدولة .
كذلك في مجال الصحة ، كان لمستشفى مروي دور محوري في توفير الرعاية الطبية للمواطنين ، حيث أصبح مركزًا متقدمًا لعلاج السرطان وجراحة الكلى والقلب . يعتبر مركز مروي للأورام من أحدث المراكز
الطبية في السودان ، ويعتمد على تقنيات متطورة في علاج المرضى . كما تم تطوير البنية التحتية للمستشفى بتركيب أحدث الأجهزة الطبية ووجود عقود صيانة ودعم فني من جهات متخصصة ظلت تعمل طوال فترة الحرب
وماتزال. كذلك ، لا يمكن تجاهل أهمية مطار مروي الذي ظل يلعب دور استراتيجي في تسهيل حركة الإمدادات والموارد اللوجستية ، مما ساعد في تأمين احتياجات الولاية الشمالية و المناطق النائية والحدودية .
في مجال الزراعة ساهمت المشاريع الزراعية التي تم إنشاؤها لإعادة توطين المتأثرين من قيام سد مروي في مناطق الحامداب الجديدة وأمري والمناصير و كحيلة في زيادة الرقعة الزراعية بعد استصلاح هذه الأراضي وتوفير
معينات الانتاج لتواكب متطلبات الامن الغذائي خلال فترة الحرب . هذه المشاريع كانت بمثابة طوق نجاة للموسم الزراعي الذي كان مهددًا بالانهيار حيث كانت هناك خطة تجويع البلاد . تمت زراعة 120 الف فدان
بجانب ما تمت زراعته في الولايات الآمنة الذي تجاوز في مجمله 2 مليون فدان ، مما ساعد في تعويض فاقد الزراعة في مشروع الجزيرة وسنار ، وأسهمت في تقويض محاولات الإعلام المضاد لدعم التمرد في الترويج لمجاعة محتملة .
لم تقتصر هذه المشاريع على تحسين البنية التحتية فحسب ، بل كانت أيضًا بمثابة مركز لإيواء النازحين من مناطق النزاع في الخرطوم ، حيث تم الاستفادة من المدن السكنية الجديدة في المكابراب وكحيلة الحامداب وأمري. إن هذه المشروعات على الرغم من التشويش
السياسي والإعلامي، أثبتت قيمتها العملية وأظهرت أهمية دور التنمية في الحفاظ على استقرار البلاد. وفي النهاية ، لا يمكننا إلا أن نؤكد أنه طالما ظلت الأحزاب السياسية تتناكف وتغرق في الصراعات الصفرية فلن ينصلح الحال، لعلنا نذكر تصريح والي نهر النيل السابق
آمنة المكي “قحت” بان سد مروي يجب ان يهدم لعدم الجدوى ، لذلك ستظل مثل هذه التصرفات الحمقاء تفسد الفرح في قلوب السودانيين الذين لطالما علقوا آمالهم على هذه المشاريع التنموية. لذا ينبغي أن نعمل على إعادة تأهيل هذه الأحزاب اخلاقيا وسياسيا كي لا تظل السياسة تعرقل آمال الناس وطموحاتهم في التنمية المستدامة .
دمتم بخير وعافية.
الثلاثاء 17 ديسمبر 2024 م. Shglawi55@gmail.com