منى أبوزيد تكتب:..هناك فرق ..وحدة تنفيذ السدود..!
منى أبوزيد تكتب:..هناك فرق ..وحدة تنفيذ السدود..!
“لن تبلغ من الدين شيئاً حتى توقر جميع الخلائق”.. محي الدين ابن عربي..!*
عطفاً على المقال السابق “فيضان آخر”، للشيخ حسن الترابي ورقة بعنوان “هوادي الأخلاق السياسية وراء الأحكام القانونية السلطانية” تحدث فيها – رحمه الله – عن الأخلاق السياسية ومواطن نهوضها بالولاء السياسي، ودورها في التفاعلات السياسية للراعي والرعية. وتحدث أيضاً عن توحيد وقع الأخلاق في وجدان الفرد ومعروف المجتمع وسلطان الحكم.. إلخ..!
وهي بعض مبادئ مشروع “المنظومة الخالفة” الذي شرع الشيخ في تنفيذه في أواخر أيامه. ويقول بعض المقربين من الشيخ بأنه قد اصطفى شخصية يسارية للقيام بدور بارز في التأسيس لفقه سياسي جديد يقوم على ثنائية الجناح التجديدي واليسار المعتدل، واتحادهما في كيان قيمي واحد..!
في السودان لا يخلو معظم العلمانيين من بعض التدين الذي يتغذى على بعض جذور التصوف. فالصوفية هي التي أدخلت الاسلام إلى الوسط الإفريقي عبر ثقافة الإيقاع التي ربطت الشجن الصوفي بالمزاج الإفريقي..!
هنالك مشتركات سودانوية بين اليمين المعتدل واليسار المعتدل يمكن أن تؤسس لنواة اتحاد في “كيان قيمي” دعا له الشيخ الترابي في منظومته الخالفة..!
الشيخ الترابي كان يظن أنه الأقرب فكرياً من التيار “اللا شعاراتي”، بينما ينادي أصحاب التيار الشعائري “الشعاراتي” بشريعة دونها خرط القتاد، دونما إدراك حقيقي لمعنى تطبيق الشريعة..!
في استطلاع للرأي أجراه بعض الإسلاميين المعتدلين حول ماهية الشريعة، اتضح أن معظم المستطلعين لا يفهمون الشريعة إلا من خلال المعنى “الشعاراتي”، ولعل هذا الأمر قد اتضح جلياً في الجدل الذي كان دائراً بين الشيخ “عبد الحي يوسف” ورموز ثورة ديسمبر..!
الإحلال والإبدال الذي دعا له الشيخ “حسن الترابي” هو أن يتحول الكيان الجامع إلى “حارس قيمي” تواق إلى المعاصرة والتجربة الديمقراطية خارج إطار المحلية، بعيداً عن التوسل بالعاطفة الدينية لدى الناخب، أو بين طيات الدستور..!
كيان جامع يستوعب كل الديانات السماوية بعد دعوة سيدنا إبراهيم عليه السلام، وأن يتمخض هذا الكيان عن قطاعاتٍ شتى تؤنسن الانتماء وتقوم بزراعة قيم أخلاقية جديدة للمارسة السياسية..!
ما الذي يمنع طائر السودان الجديد – بعد الحرب – من أن يطير بجناحين قوامهما “تيار تجديدي وتيار تراثي” باتجاه المسيرة القابضة للدين الحق الذي يتمركز في التوحيد” أما الشريعة فهي متجددة إلى يوم القيامة..!
على مستوى التدافع السياسي يمكن للمجتمع الجديد – في سودان ما بعد الحرب – أن يسير باتجاه الدين على طريق قيمي على طريقة ذات الكيان الجامع الذي تدعو له فكرة المنظومة الخالفة، بينما يبقى الجناح الشعائري “الشعاراتي” واقفاً على أعتاب التدين الشكلاني ويبقى اليسار المتطرف واقفاً على تخوم الإقصاء الفكري والحدة السياسية..!
الشباب على اختلاف أهوائهم الفكرية ومشاربهم السياسية كانوا أكبر المعترضين على ترشح الرئيس السابق عمر البشير للانتخابات، ثم اندلعت الثورة التي استوعبت شعاراتها وعيهم السياسي الجديد ..!
هؤلاء الشباب قوة سياسية معادلة لقوة الأحزاب بحيث يبدو وكأنه لا يمكن لمنظومة حكم واحدة أن تستوعب كل هؤلاء المتفقين على اختلافهم سوى المنظومة الخالفة التي تتسع للتكييف المحلي لشكل “الدولة الوظيفية” – أو المدنية – التي يمكن أن يقودها جناح تجديدي وجناح يساري في جسم سياسي واحد، أساسه التوحيد..!
مع التعويل اللازم على تأثير الزمن في إذابة منطلقات الاختلاف وتشذيب أشكال الخلاف، وهذا بطبيعة الحال شأنٌ جلل، يستوجب الكثير من التنازلات من كلا التيارين للاجتماع على كلمة سواء داخل إطار قيمي..!
وهكذا يمكن لمختلف الشباب اللا منتمين سياسياً في سودان ما بعد الحرب أن يتحولوا إلى عشيرة سياسية في قبيلة “التيار القيمي الموحد” في مواجهة “التيار الشعاراتي المتطرف” الذي ينهل من تراث فقهي نصي لا يستصحب المقاصد ولا ينتهج التجديد..!
وبهذا الاندغام فقط بين تيار شباب ما بعد الحرب وتيار التجديد وتيار اليسار المعتدل يمكن أن تتشكل المنظومة القيمية المرجوة وأن تتطور باتجاه المقاصد الكبرى “التي أولها انتهاج الوسطية وأولها نبذ التطرف”!.
munaabuzaid2@gmail.com
المصدر: صحيفة الكرامة