في عصر الوجبات السريعة التي غزت حياتنا في ظل نسق الحياة المتسارع الذي نعيش فيه، وتأثيراتها الخطيرة على صحتنا الجسدية والعقلية، بزغ مفهوم جديد للغذاء أخذ ينتشر أخيرا، وهو “الأطعمة الذكية”.

ويقصد بمفهوم “الغذاء الذكي” الغذاء الذي يفيد الصحة وفي الوقت نفسه يحافظ على البيئة ويعود بالنفع والمردودية على المزارعين، فهذا النوع من الأغذية مفيد، خصوصا في حماية الدماغ والقلب والخلايا العصبية والأوعية الدموية، ويساعد في تأخير أعراض الشيخوخة، والحد من أمراضها الخطيرة.

و”الغذاء الذكي” طعام يفي بجميع المعايير، فهو مُغَذٍ وصحي للبشر، ومفيد أيضا لكوكب الأرض كونه مستداماً بيئياً، فضلاً عن أنه جيد للمزارعين من حيث إمكانية زيادة المحصول والأرباح.

والهدف الرئيسي لمبادرة “الغذاء الذكي” هو تنويع مصادر المواد الغذائية الصحية والمفيدة، والابتعاد عن الأطعمة السريعة والمضرة بالصحة والبيئة على حد سواء. وهو أحد الحلول التي تساهم في معالجة بعضٍ من أكبر القضايا العالمية، من سوء التغذية الذي ينتشر في البلدان الأكثر فقرا، إلى البدانة والسمنة المتفشية في البلدان الأكثر غنى، فضلا عن مساهمته الإيجابية في القضايا البيئية بما فيها التغير المناخي، وندرة المياه، والفقر الريفي، بحسب ما ذكرت منصة “سمارت فود” (Smart food) أخيرا.

وكانت منظمة الأغذية والزراعة العالمية (فاو) التابعة للأمم المتحدة دعت إلى استخدام أنظمة غذائية “ذكية” تحافظ على الطاقة وتحمي البيئة، خلال مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة الذي انعقد في روما عام 2012.

وأكدت المنظمة، آنذاك، أن “اعتماد الزراعة الشديد على الوقود الأحفوري يقوض قدرة القطاع على إطعام العالم، ما يديم الفقر ويقوض الجهود المبذولة لبناء اقتصاد عالمي أكثر استدامة”.

وأكدت “الفاو” أن أنظمة إنتاج الغذاء في العالم، بدءا من المزارع التي تزرع فيها الأغذية إلى مراحل التصنيع والتسويق، تستهلك 30% من إجمالي الطاقة المتاحة في العالم، مما يساهم بشكل حاسم في تلوث البيئة.

ما “الأغذية الذكية” التي ينصح بها العلماء؟

تحتوي الأغذية الصحية “الذكية” على الكثير من الفواكه والخضروات والأسماك والدهون الصحية، كزيت الزيتون وغيرها. وذكرت منصة “سيكولوجي توداي” (Psychology Today) وموقع “بي بي سي” (BBC) عددا من الأغذية الصحية “الذكية”، نذكر هنا 7 منها:

1- الخضروات والفواكه الملونة

تعد الفوائد الصحية لنظام غذائي غني بالفواكه والخضروات -وبالذات الملونة منها- على الدماغ والقلب من بين النتائج الأكثر اتساقا في علم التغذية، وفق ديانا مينيتش، المتخصصة في التغذية الوظيفية وعضو هيئة التدريس في جامعة “وسترن ستيتس” (University of Western States) في مدينة بورتلاند الأميركية، في تصريحات لموقع “بي بي سي“، موضحة أن هذه الأطعمة النباتية تحتوي على آلاف المركبات الطبيعية التي تسمى المغذيات النباتية، بما في ذلك “الكاروتينات” (carotenoids) و”الفلافونويدز” (flavonoids)، التي لها فوائد مضادة للالتهابات.

كما تضم الأطعمة الملونة -لا سيما الحمراء والزرقاء والبنفسجية منها- مثل الباذنجان والبطاطا الحلوة والشمندر والقرنبيط الأرجواني والتين الملون، على نسبة عالية من صبغة “الأنثوسيانين” (anthocyanin) النباتية، التي تقلل من أخطار الإصابة بأمراض القلب والسكري من النوع الثاني.

2- سمك السلمون والسردين والرنجة

الأسماك الدهنية، مثل السلمون والسردين والرنجة، مليئة بأحماض “أوميغا 3” (Omega-3) الدهنية غير المُشبعة التي يحتاج إليها الجسم لأداء الكثير من الوظائف المهمة، كبناء خلايا الدماغ.

كما أنها تُشكل جزءا أساسيا من الأغشية الخلوية في الجسم، وتُساعد على حفظ الخلايا العصبية، وترفع من مستويات مادة “السيروتونين” (serotonin) في الدم، وهي مادة كيميائية تعمل على تحسين الحالة المزاجية في الدماغ، مما يؤدي إلى الشعور بالرضى والسعادة.

ووجدت دراسة من “معهد راش للشيخوخة الصحية” (Rush Institute for Healthy Aging) في شيكاغو أن الأشخاص الذين يتناولون وجبة واحدة من السمك على الأقل في الأسبوع هم أقل عرضة للإصابة بمرض ألزهايمر بشكل ملحوظ من أولئك الذين يتجنبون تناول السمك، لأن النظام الغذائي البحري يساعد على التواصل بين الخلايا العصبية، وله تأثير إيجابي ملحوظ على اكتساب التعلم وتحسين أداء الذاكرة.

3- الكاكاو الساخن

وجد البروفيسور تشانغ يونغ لي، أستاذ كيمياء الطعام في “جامعة كورنيل” (Cornell University)، أن المحتوى المضاد للأكسدة في ملعقتين كبيرتين من مسحوق الكاكاو النقي “أقوى مرتين تقريبا من عصير العنب الأحمر، وأقوى بمرتين إلى 3 مرات من الشاي الأخضر و4 إلى 5 مرات من الشاي الأسود”.

وتحمي مضادات الأكسدة الموجودة في الكاكاو الساخن خلايا الدماغ من “الإجهاد التأكسدي” (oxidative stress) الذي يمكن أن يؤدي إلى مرض ألزهايمر واضطرابات أخرى.

4- المكسرات وخصوصا اللوز والجوز

إضافة إلى جاذبيتها وشعبيتها، فإن المكسرات غنية بمضادات الأكسدة، ووجد الباحثون أنها تخفض مستويات الكوليسترول في الدم.

وأظهرت دراسة أجرتها “جامعة هارفارد” أن النساء اللواتي تناولن أكثر من 5 أونصات من المكسرات أسبوعيا كن أقل عرضة بكثير للإصابة بأمراض القلب، مقارنة بمن تناولن أونصة واحدة أو أقل.

كما أن المكسرات لا تزيد الوزن مثل الأنواع الأخرى من الأطعمة الدهنية، وهي غنية أيضا بمادة “أوميغا 3” المذكورة آنفاً.

5- زيت الزيتون

يحتوي زيت الزيتون البكر -وهو عنصر أساسي في النظام الغذائي بحوض البحر الأبيض المتوسط- على مضادات الأكسدة القوية التي تسمى البوليفينول (polyphenols). وثبت أن زيت الزيتون يقلل من ضغط الدم ومستويات الكوليسترول.

ويعد النظام الغذائي بحوض البحر الأبيض المتوسط واحدا من أفضل الأنظمة الغذائية في العالم، وكثيرا ما يصنفه العلماء على أنه النظام الغذائي الأكثر صحة، وفق موقع “بي بي سي” (BBC).

6- الثوم يقاوم الشيخوخة

هذه النبتة النفاذة لها فوائد مذهلة، فهي تقاوم الشيخوخة من خلال خصائصها المضادة للأكسدة. كما يحتوي الثوم على مركبات قوية مضادة للبكتيريا والفيروسات، وتساعد في التخلص من نزلات البرد والالتهابات الناتجة عن الإجهاد.

ويُعد الثوم النيء المسحوق هو الأفضل، أما الثوم المطبوخ فأقل قوة، لكنه يبقى مفيداً للقلب والأوعية الدموية.

7- التوت يحسن الذاكرة ويخفض ضغط الدم

التوت البري الحلو مليء بمضادات الأكسدة، وتظهر الدراسات العلمية أن النظام الغذائي الغني بالتوت يحسن الذاكرة والمهارات الحركية ويعكس التدهور المرتبط بالعمر.

كما تؤثر المواد الكيميائية الموجودة في التوت على آلية تقلص الشرايين، ومن ثم يكون لها تأثير جيد على ضغط الدم، إذ يمكن أن يؤدي ارتفاع ضغط الدم إلى تلف الأوعية الدموية الدقيقة في الدماغ، ويقود في النهاية إلى السكتات الدماغية.