مقالات

د.خالد أحمد الحاج يكتب: الهجرة غير الشرعية

تحبير
د.خالد أحمد الحاج
الهجرة غير الشرعية

تزايد معدلات الهجرة غير الشرعة يعتبر واحدا من الملفات المؤرقة ليس على مستوى الحكومات وحدها التي تعتبر مسئولة أمام المجتمع الدولي عن وضع حد لهذا النوع من الهجرات بقدر ما للمجتمعات أيضا جانب من المسئولية وتقع على عاتقهم جملة من الواجبات التي يلزم أن يضطلعوا بها باعتبارهم شركاء مع الدولة. علاوة على أن مجابهة الهجرة غير الشرعية هي عبارة عن عمل تضامني بين كافة المكونات المجتمعية (حكومات وشعوب).
هناك عدة مخاطر تنتج من الهجرة غير الشرعية أولاها: دخول أفراد أو جماعات حدود دولة أخرى دون أخذ الأذن من السلطات المختصة يتم ذلك دون اتباع الإجراءات السليمة التي يجب أن تتبع في مثل هذه المواقف.
الهجرات غير الشرعية من دولة إلى أخرى ومن قارة إلى قارة ولا تتم بطريقة سليمة تمثل أس هذه الأزمة، عطفا على ذلك فإن المجازفة في السفر بري كان أو بحري نتيجة لعدم سلامة الناقل الذي يقوم بمهمة الترحيل وعدم التزام الوسيط الذي يقوم بالعملية بتأمين تحرك المهاجر من وإلى المكان الذي يقصده، بجانب تعريض الدولة المهاجر منها هذا المهاجر وبصورة غير شرعية إلى المساءلة الدولية وما يترتب على ذلك من عقوبات رادعة تفرض على الدول التي تحدث منها مثل هذه الهجرات.
في ظل متغيرات عديدة في القيم والثقافات وأنماط السلوك باتت الدول تتخوف أكثر من أن يفد إليها إرهابيون أو خارجون عن القانون يعرضون أمنها للخطر. والأمثلة على ذلك لا حصر لها، فبعد الأزمة الاقتصادية الأخيرة التي لم تسلم منها حتى الدول الغربية، بجانب الجوائح التي اجتاحت العالم وآخرها جائحة كورونا باتت اقتصادات الدول في تراجع مريع ليس على مستوى العالم النامي وحده، بل على مستوى أوروبا وأمريكا. ومع التراجع الواضح في الإنتاج، والنقص الحاد في الموارد، وتقلص فرص العمل، لم يعد مرحبا بالمهاجرين الذين يحتاجون إلى وقت ليس بالقليل ليتأقلموا مع البيئات الجديدة، ليس ذلك فحسب بل العديد من الدول لا تزال عاجزة عن حصر المهاجرين إليها بصورة غير شرعية.
باتت الهجرة غير الشرعية سلعة رائجة لها أسواقها، وينشط تجار بعينهم في هذه التجارة المشبوهة للأسف السلعة إنسان “بلحم ودم. ربما يقول قائل إن المهاجر قد اختار هذه الطريقة بنفسه وبكامل إرادته لم يرغم عليها، لكننا نقول لهم إنه اختيار خاطئ.
ما يجب أن يفهم عن هذا النوع من الهجرات أنها خارج الأطر الهجرية المسموح بها، أو المصادق عليها دوليا، لكنها تتم بعيدا عن أعين السلطات، وأن من يقوم بترتيب أمرها يعمل في الخفاء ويكفي أنه يتخذ العديد من الحيل لأجل إكمال عمليات تهريب البشر مستغلا اتساع الحدود بين الدول، وعدم توفر الإمكانيات الكافية والقوى الأمنية المناسبة للدول للحد من هذه الهجرات المحرمة دوليا.
ونضع في الاعتبار أن المهاجرين بهذه الطريقة يكلفون سلطات بلادهم خسائر فادحة جراء انتهاجهم لهذه الطريقة التي يغلب عليها التحايل على القانون.
لا أعتقد بأن مثل هذه العمليات تتم في وضح النهار و(على عينك يا تاجر) فبدلا من أن تذهب الأموال التي تجبى من هذه الهجرات إلى خزائن الدول التي يتم السفر منها تذهب إلى جيوب مجرمين وعصابات همها الأول والأخير: الجباية وليتها كانت معقولة!!
أثمان باهظة يتم دفعها نظير إتمام عمليات التهريب تتم الهجرة عبر طرق وعرة تنعدم فيها مقومات الحياة ولا تتوفر في الرحلة أسباب الراحة الكافية وفي غالب الأحيان يغادر المهاجر دون أوراق ثبوتية لكي يصعب التعرف على هويته.
السؤال الذي يطرح نفسه لماذا يصر الآلاف على الهجرة بطرق ملتوية ؟ وما الذي جعل الهجرات تتضاعف بهذا القدر ؟ مع العلم بأن الهجرة غير الشرعية في حد ذاتها مخاطرة بالنفس والمال، قد تؤدي مثل هذه الهجرات إلى ما لا تحمد عاقبته.
ولكن رغما عن ذلك يضطر الكثيرون لركوب المستحيل نتيجة للأوضاع الاقتصادية المتردية التي تمر بها بلدانهم وهي واحدة من أكبر الأسباب المضاعفة لهذا النوع من الهجرات، علاوة على التراجع في الأمن، وغياب الديمقراطية عن الواقع السياسي،
وقلة فرص العمل، وضيق سبل الكسب الحلال الذي يكفل الحياة الكريمة، كل ذلك جعل الهجرة غير الشرعية في حالة تنامي مضطرد، بجانب بحث الكثيرين عن فرص عيش أفضل في بلدان أوضاعها مستقرة، مع الرغبة في الرفاهية التي لا تتوفر بالعديد من دول العالم الثالث التي يعيش مواطنها في ظروف بالغة التعقيد، من واقع اتساع رقعة الفقر، وارتفاع معدلات الجريمة، وعدم توفر الثقة بين بعض الحكومات والشعوب، والعديد من الأسباب والدوافع الأخرى، كل هذه الأسباب وغيرها قادت إلى تنامي ظاهرة الهجرات غير الشرعية.
معالجة أسباب الهجرة غير الشرعية ممكنة إن وجدت الدول النامية الدعم الكافي من العالم الغربي لدعم استقرارها اقتصاديا وأمنيا، وإن كانت الظروف التي تمر بها الشعوب النامية هي واحدة من الدوافع التي يجب أن تجد حظها من النقاش، بجانب عدم قدرة العديد من الأنظمة الحاكمة على توفير سبل الكسب لشعوبها جعل من هذه الهجرات ظاهرة مزعجة.

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى