د. الشاذلي عبداللطيف يكتب: .. ترانيم الظلم..دور المشرفين بمنصّات التواصل في صون النسيج الاجتماعي

د. الشاذلي عبداللطيف يكتب: .. ترانيم الظلم..دور المشرفين بمنصّات التواصل في صون النسيج الاجتماعي
في زمن الأزمات الكبرى، لا تُقاس خطورة اللحظة بعدد الضحايا وحده، بل بمدى تماسك المجتمع وهو يواجهها. فالحروب لا تنتهي بتوقف السلاح فقط، بل حين تتوقف اللغة عن إعادة إنتاج الانقسام. وهنا، يبرز دور المشرفين على منصّات التواصل الاجتماعي بوصفه دوراً يتجاوز التنظيم إلى المسؤولية الوطنية والأخلاقية.
المشرف اليوم لا يدير محتوى فحسب، بل يتعامل مع وعيٍ جمعيٍ متوتر، وذاكرة مثقلة بالجراح، ومجتمعٍ سريع التأثر بالشائعة وسريع الاشتعال بالكلمة. في هذا السياق، تصبح المنصّات الرقمية امتداداً للمجتمع الحقيقي، وما يحدث فيها ينعكس مباشرة على العلاقات، والثقة، والانتماء.
صون النسيج الاجتماعي لا يعني إلغاء الخلاف، ولا فرض رأيٍ واحد، بل يعني منع الخلاف من التحوّل إلى قطيعة. فالمجتمعات الحيّة تختلف، لكنها لا تتفكك. والمشرف الواعي هو من يفهم أن مهمته ليست الانتصار لرأي، بل الحفاظ على الجسر الذي يسمح للآراء أن تتقابل دون أن تتصادم.
في أجواء ما بعد الحرب، يكون الناس أكثر توجّساً، وأكثر حساسية للكلمات، وأكثر ميلاً لتفسير الاختلاف بوصفه تهديداً. لذلك، فإن ترك النقاشات بلا توجيه، أو السماح بخطاب التخوين والإقصاء، لا يُعد حياداً، بل إسهاماً غير مباشر في تعميق الانقسام. فالصمت الإداري، في هذه اللحظات، قد يُقرأ كعجز أو تواطؤ، كما أن التدخل المتأخر قد لا يُصلح ما أفسدته الفوضى.
دور المشرفين هنا هو إعادة النقاش إلى إنسانيته:
أن تُناقش الأفكار دون المساس بالكرامة،
وأن يُضبط الخطاب دون خنق الرأي،
وأن يُمنع التحريض دون مصادرة الاختلاف.
التصالح الرقمي ليس وعظاً، بل ممارسة يومية. يبدأ حين يُحذف ما يُحرّض لا ما يُخالف، وحين تُوقف الإهانة لا الفكرة، وحين يُفتح باب الرجوع بدلاً من إغلاقه بأحكام نهائية. فكم من خلافٍ كان يمكن أن يبقى في حدوده الطبيعية، لولا كلمة جارحة أو اتهام متعجل.
إن أخطر ما يواجه الأوطان بعد الحروب هو استمرار المعركة بلغةٍ أخرى: لغة التصنيف، وسوء الظن، وتبادل الاتهام. وحين تتحوّل الوطنية إلى أداة إقصاء، تفقد معناها، وتتحوّل من قيمة جامعة إلى سببٍ جديد للفرقة.
المشرفون، في هذا المشهد، هم خط الدفاع الأول عن المجتمع. لا ضد الناس، بل ضد الانزلاق. وهم من يملكون القدرة على تحويل المنصّات من ساحات صراع إلى مساحات ترميم، ومن ميادين استقطاب إلى جسور تواصل.
في النهاية، ليست منصّات التواصل مجرد أدوات تقنية، بل مرايا لوعينا الجمعي.
والمشرفون هم من يحدّدون ما الذي نراه في هذه المرايا:
وجوهاً متقاربة، رغم الاختلاف…
أم شظايا متباعدة، لا يجمعها سوى الضجيج.
وصون النسيج الاجتماعي، في هذا الزمن، ليس خياراً أخلاقياً فحسب،
بل شرطٌ أساسي لبقاء الوطن واحداً بعد أن نجا من التمزق.





