مقالات

يس إبراهيم الترابي يكتب: من هو المعلم الذي تعاد له العصا!؟

يس إبراهيم الترابي يكتب: من هو المعلم الذي تعاد له العصا!؟

 

عثرت مرة على رسالة في إحدى القروبات تحمل عنوان (أعيدوا العصا للمعلم) ، وقد كتب هذا العنوان داخل صورة لشخص يحمل عصا وكتاب ويلبس هنداما أنيقا، فخالجني شعور عن هذا الأمر وجالت بخاطري العديد من

المشكلات التي نتجت عن نوعية الضرب التي تدل على سلوك أو ظروف الضارب ، فقد حدثت إعاقات وتشوهات وغير ذلك من الغضب الأسري والمجتمعي والأثر النفسي السيئ الذي دخل فيه هؤلاء الطلاب الذين تعرضوا لبعض أنواع العاهات جراء هذه العصا التي يحملها من لا يجيد استخدامها التربوي الأمثل.

وقد حض رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم الآباء على تعويد أطفالهم وصبيانهم على الصلاة ، فقال(مروهم عليها لسبع واضربوهم عليها لعشر) ، فما هو الضرب المطلوب هنا، هل هو الضرب الذي يوجع طوال اليوم وقد يتعدى ذلك أيام ، أم الضرب الذي يكون ألمه مؤقتا

ويؤدي غرضه!؟. وقوله تعالى(واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن وأهجروهن في المضاجع واضربوهن) فذُكرت البدائل التربوية قبل الضرب الذي جاء في المرتبة الأخيرة على أن يكون ضرب غير مبرح حسب ما رمى إليه العلماء.

والآن ينبغي للناس أن يتحدثوا عن المعلم الذي ينبغي أن تعاد له هذه العصا ، فالضرب قد يكون مطلوبا في بعض الأحوال، ولكن المشكلة تكمن فيمن يضرب وهو المعلم ، هل هو مؤهل قيميا وتربوي وسلوكياً للضرب بحيث يؤدي

الضرب هدفه التربوي أم مجرد عقاب وانتقام يؤذي التعلميذ وينفره من التعليم ، وأهم شئ في ضرب المعلم أن ينزل الشعور لدى الطالب بأن ضربه له في صالحه وليس أن يأتيه مثل الثور االهائج في مستودع الخزف،

فيقهره قبل ضربه بصوت مرتفع وحانق يكاد يخلع قلبه من صدره قبل أن ينزل عليه (عصاه ) دون رأفة.
هنالك مؤثرات في حياة المعلم اقتصادية متعلقة بالمرتبات ومعيشية يسعى لإيجادها لأسرته واجتماعية

بعدم وضعه في المكانة اللائقة به ، وغيرها من المؤثرات التي تجعل المعلم في حالة حزن دائم ونفسيات متدنية و(زهج) متواصل، فينعكس كل ذلك في تعامله مع زملائه وطلابه وأولاة أمورهم ، وأمثلة ذلك عديدة في التعامل مع أولياء الأمور، وتحضرني طرفة أن هنالك معلم تربية.

إسلامية دخل في إشكالية مع طالب وذهب هذا الطالب وأحضر والده الذي جاء يرعد ويتوعد وحينما دلف إلى المدرسة قابله أحد المعلمين فسأله عن تخصصه فرد عليه بأنه معلم الأحياء فذكر له ولي أمر الطالب بأنه يريد معلم (الأموات) في إشارة لها تورية بالنسبة لذاك المعلم.

إن الأمثلة عديدة لمعلمين ومعلمات كان ضربهم أخطر من الوجع المطلوب، فأعاقوا بعض طلابهم في مناطق حساسة كالعين والوجه وقد نهى رسولنا الكريم عن الضرب في الوجه ونحن نعد الكف باليد وسيلة من

وسائل الردع، وقد وصل الأمر في بعض حالاته إلى كسر الأيادي وخلع الأصابع والإيذاء العنيف، فقد صارت مهنة التعليم مهنة من لا مهنة له ، فيلتحق بها مجبورا ويقارن بين نفسه وزملائه فتحصل له (التنشنة) والرهق النفسي ، فيعامل الطلاب في عقابه إزاء ذلك.

لقد أقيمت العديد من الدورات التدريبية لتدريب المعلمين والمعلمات على البدائل التربوية التي تقيهم شر العقاب البدني، ولكن للأسف الشديد لم يستفيدوا منها ولم يطبقوها في المدارس، وظل(السوط) سمة حرصهم على

احترامهم والتنفيس عما يحملونه من هموم متلتلة يكون ضحيتها الطالب المسكين، فيجب ألا تعاد العصا حتى يكون المعلم قادرا على استعمالها بصورة غير جارحة بدنيا ونفسيا، فتراعي في المعلم الكثير من الصفات والمؤهلات حتى نعيد له العصا.

لقد فجعت محكمة الطفل والأسرة بالعديد من الشكاوي الأسرية ضد المعلمين والمعلمات الذين تضرر الطلاب من ضربهم مما سبب لهم أضرارا جسيمة ، بعضهم كره التعليم وبعضهم تركه وبعضهم أجبرته الإعاقة المكوث بالبيت، وقد أفردت الصحف مساحات كبرى لأخبار هذه

الممارسات من المعلمين والمعلمات وقام البعض بكتابة تحليل لها في أعمدتهم الصحفية وكالوا الهجوم على المعلمين الذين أضاعوا على الطلاب فرص التعليم بهذا الضرب المعيق لمسيرتهم.

نطالب بعدم إعادة العصا للمعلم حتى يكون مؤهلا من جوانب عدة لمباشرة الضرب بها وعلى رأس ذلك أن يكون حسن السلوك ويحسن جوانب التعامل التربوية الأخرى ، وكذلك يجب إزالة هواجسه وهمومه بإعطائه حقوقه

كاملة والإيفاء بمرتباته ووضعه في المكانة الاجتماعية اللائقة بهم وأن يحترم ويجل ، فقد كان الطلاب قديما يتحاشون الطريق الذي يمر به المعلم احتراما له وليس خوفا من ضرب عصاته.

ختاما على المهتمين والمختصين والمتابعين إثارة موضوع كيف يتم العقاب البدني وما هي الصفات المطلوبة فيمن يقوم بذلك ، وأن يهتم الباحثون في إثراء المعرفة بالجوانب التي ينبغي أن يتحلى بها المعلم وهو مُقدِمْ على ضرب الطالب، لأن هذا الأمر قد طفح كيله

وأزكم الأنوف وتسبب في بعض ضعضعة سمعة المعلم التي لا ينبغي المساس بها ولكنه أجحف في حق نفسه حينما يضرب بعنف فيعيق فينال السخط وعدم الاحترام

والتقدير، فهذا الأمر يحتاج منا إلى أعادة نظر قبل أن تشيلنا العاشمية بأن (تعود العصا للمعلم) ، وأن نطالب بأن يكون هذا المعلم مؤهلا لعودة العصا له، دون ذلك كأننا نحرث في البحر.

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى