أفريقياالأخبار

 هل انهار مشروع آبي أحمد؟

 هل انهار مشروع آبي أحمد؟

قبل خمسة أعوام من صعود أصغر رئيس وزراء في أفريقيا، آبي أحمد، كانت إثيوبيا بلدا يكافح للخروج من الفقر المدقع، لكنه يبحث في الوقت نفسه عن مسارات للريادة القارية بعدما استطاع أن يصبح واحدا من أسرع الاقتصادات نموا في العالم. ولكن رغم نهضتها الاقتصادية في العقد الماضي، ظلت أديس أبابا غارقة في عقود من الاستبداد السياسي، وخاضعة لسيطرة

قومية واحدة على السلطة. لكنَّ رجلا واحدا لم يبلغ الخمسين من عمره، وعمل سابقا في جهاز الاستخبارات، وشارك في الحرب الإريترية-الإثيوبية؛ استطاع أن يكسر هيمنة عِرقية “التيغراي” عبر مسيرة طويلة من الصعود في السلم السياسي للسلطة بدأت من البرلمان، إلى جانب حصوله على درجات علمية في مجالي “هندسة الحاسب” وإدارة الأعمال. وقد لمع نجم آبي أحمد بوصفه سياسيا قادما من خلفية عسكرية، ومنحدرا من عِرقية الأورومو، وهي إحدى أكبر عِرقيات إثيوبيا.

 

بوصول آبي أحمد إلى السلطة محمولا على الأكتاف في مارس/آذار عام 2018، تعهد الرجل بجعل بلاده دولة ديمقراطية كبرى، وأطلق خطة تنمية مدتها عشر سنوات، استندت إلى القوة الناعمة لتحقيق السلام مع دول الجوار، والتغلب على الاضطرابات السياسية الداخلية لتحقيق تقدم اقتصادي، على أن تكون الديمقراطية هي أساس التنمية. ورغم فوز آبي أحمد

وحزبه بنتيجة ساحقة في انتخابات عام 2021، مهدت له ولحزبه الطريق نحو ولاية ثانية مدتها خمس سنوات، فإن ذلك ليس مؤشرا على إنجازات الرجل، ولا على الوعود التي أطلقها في أيامه الأولى؛ فحتى اليوم، لم تنتهِ الحروب الأهلية الممتدة منذ ثلاثة عقود، ولم تخرج البلاد من الفقر المدقع، والأسوأ أن مؤشرات التنمية هوت إلى أدنى مستوياتها مقارنة بالوضع الذي كانت عليه لحظة وصوله للسلطة.

 

ما قبل آبي أحمد

Colonel Mengistu Haile Mariam, Chairman of the Ethiopian Provisional Military Council, talking during a press conference, February 22nd 1978. (Photo by Keystone/Hulton Archive/Getty Images)
الجنرال “منغستو هيلا مريام”. (غيتي)

قبل العام الذي هزم فيه الشابُ الحرسَ القديم، وبينما وقفت إثيوبيا بانتظار رئيس جديد يخلف رئيس الوزراء المستقيل “هيلي مريام ديسالين”، حققت إثيوبيا طفرة بكونها خامس أسرع الاقتصادات نموا في العالم عام 2017. ولم تكن تلك الطفرة مواتية للظروف في بلد يقع في منطقة القرن الأفريقي المضطربة، ويطول الفقر 70% من سكانها، وخضعت على مر تاريخها لحكم استبدادي تعود جذوره لقرون طويلة من الحكم الإمبراطوري حتى الانقلاب على آخر أباطرة البلاد، هيلا سيلاسي، عام 1974. وقد وصل الجنرال “منغستو هيلا مريام”، إلى السلطة حينئذ، وخضعت إثيوبيا في عهده لحكم عسكري دموي، واشتعلت حرب أهلية دامت 17 عاما استهدفت فيها السلطة المعارضين السياسيين في حملات تطهير عِرقي عُرفت باسم “الإرهاب الأحمر“، كما ضربت البلاد مجاعة أودت بحياة مليون إنسان.

 

ونتيجة لذلك، اشتعلت انتفاضة عارمة عام 1991، فسقط حكم منغستو بعد تمرد مُسلح، كما استقلت إريتريا عن إثيوبيا في العام نفسه. ثم بقيت البلاد في بحر متلاطم من أزمات اقتصادية متتابعة، حتى وصول رئيس الوزراء “ميليس زيناوي” إلى الحكم عام 1995، وبدأت أديس أبابا عهدا جديدا من الصعود عبر برنامج اقتصادي بدأ بإنهاء الاعتماد على المساعدات الغذائية، وتطوير الزراعة التي يعمل بها 85% من السكان. وقد أتاح زيناوي 9.9 ملايين فدان من الأراضي الخصبة وغير المُستغلة

للشركات الزراعية بأسعار مُخفضة، كما أنشأ شبكة خطوط سكك حديدية ضخمة وصلت إلى الموانئ المجاورة، ونجح في جعل بلاده صاحبة أكبر شركة طيران في أفريقيا، فضلا عن تأسيس شركة عملاقة للاتصالات. بفضل سياسات زيناوي حققت إثيوبيا أعلى معدلات للنمو الاقتصادي على مدار عقد كامل بمعدل 10%، سنويا، وارتفع حجم الاحتياطي الأجنبي لديها إلى نحو الضِّعْف من 850 مليون دولار إلى 1.55 مليار.

 

لقد أراد “زيناوي” أن ينظر إليه التاريخ على أنه الشخص الذي انتشل إثيوبيا من الفقر، فبدأ مشروع سد النهضة العظيم بتكلفة 4.2 مليارات دولار، مدفوعا بالرغبة في تدشين مشروع تنموي ضخم وإحداث نقلة في الطاقة في بلد لم يزل الظلام يُخيِّم على 70% من بيوته آنذاك. وقد استمرت نجاحات “زيناوي” حتى وفاته وتولي خلفه ديسالين الذي صعد للحكم عام 2012،

وكان صعوده امتدادا لهيمنة قومية “التيغراي” على السلطة، رغم أنه نفسه لم يكن منتميا إلى تيغراي. وقد حافظ ديسالين على وتيرة التنمية في عهده، حيث انخفضت نسبة الأشخاص الذين يعيشون في فقر من أكثر من 45% في عام 1995 إلى 23% في عام 2015، غير أن انتشار الفساد والرشوة هدد الإصلاح الاقتصادي، فانخفض النمو بسبب انخفاض الإنفاق العام الحكومي، وانهار احتياطي النقد الأجنبي، وازدادت الديون، ودخلت البلاد في اضطرابات سياسية أدت إلى اندلاع احتجاجات ضد النظام.

 

أجبر التهديد الذي واجهته ثاني أكبر دولة أفريقية من حيث عدد السكان رئيس الوزراء ديسالين على تقديم استقالته من الائتلاف الحاكم بعد خمس سنوات في السلطة، فصَعَد بدلا منه عام 2018 آبي أحمد، الذي مَثَّل صعوده نهاية لهيمنة “التيغراي” وبدء ظهور قوميته “الأورومو“، أكبر جماعة عِرقية في البلاد، التي طالما اشتكت من التهميش الاقتصادي والثقافي والسياسي. ولم يكن ذلك التحول الوحيد الذي طرأ على السلطة، إذ إن الشاب الأربعيني تعهد بتغيير وجه البلاد، واستكمال مسيرة زيناوي في الاقتصاد، إلى جانب تحقيق إنجاز في الحقوق والحريات، فانعقدت عليه آمال وأحلام غير مسبوقة.

 

آبي أحمد وخطة إصلاح الاقتصاد

ADDIS ABABA, ETHIOPIA - OCTOBER 04: Prime Minister Abiy Ahmed salutes members of the Ethiopian Military as they march during an inaugural celebration after Amhed was sworn in for a second five year term as Prime Minister of Ethiopia on October 04, 2021 in Addis Ababa, Ethiopia. Mr Abiy's Prosperity Party was able to claim a majority after June's initial round of voting, although the country's election board postponed the vote in several dozen constituencies citing security and logistical concerns. Polls for dozens of those seats were held at the end of September, but there is no timeline for voting in several dozen remaining constituencies. (Photo by Jemal Countess/Getty Images)
حقق آبي نجاحا ملحوظا في سنوات حكمه الأولى لإثيوبيا بفضل الإصلاحات السياسية والاستقرار الاجتماعي. (غيتي)

تمتَّع آبي أحمد في أيامه الأولى بحضور سياسي كبير منحه ثقلا إقليميا استغله جيدا، حيث بدأ عهده بإطلاق سراح السجناء السياسيين، وتوسيع هامش الحريات، والسماح للمعارضين بالعودة من المنفى، وإنجاز مصالحة وطنية بين جميع الطوائف، والتخفيف من القبضة الأمنية التي حكمت البلاد. وقد أتاح المئات من المواقع الإلكترونية الخاضعة للرقابة سابقا، كما عزل المنتمين لقومية “التيغراي” دون ضجيج من المناصب العُليا في الجيش وأجهزة المخابرات، واعتقل كبار المسؤولين منهم في المناصب السياسية تحت اسم محاربة الفساد، واستبدل بهم أبناء عِرقية الأورومو. كما دفع آبي ببلاده كي تصبح وسيطا لحل مشكلات عدد من دول الجوار، فأبرم اتفاقية سلام تاريخية مع إريتريا أنهى بها أحد أطول الصراعات في أفريقيا، ومن ثمَّ حصل على جائزة نوبل للسلام عام 2019 عن جهوده في إنهاء الاستبداد السياسي والطائفية.

 

حقق آبي نجاحا ملحوظا في سنوات حكمه الأولى لإثيوبيا بفضل الإصلاحات السياسية والاستقرار الاجتماعي، إذ بدأ خطة طموحة لمعالجة أكبر نقاط الضعف في اقتصاد بلاده، والمتمثلة في كونها دولة حبيسة لا تمتلك أي إطلالة على البحار منذ انفصال إريتريا عنها عام 1993. وفي العام الأول من توليه منصبه، شرع رئيس الوزراء الشاب الحاصل على دكتوراه في إدارة الأعمال في أول زيارة خارجية استهدفت جيبوتي في الاستحواذ على حصة في مينائها بعد فسخ عقد الامتياز مع موانئ دبي العالمية. وفي مقابل الاتفاق الجديد، امتلكت جيبوتي أسهما في شركات حكومية إثيوبية، منها شركة الطاقة الكهربائية والخطوط الجوية الإثيوبية وشركة الاتصالات الإثيوبية، وذلك ضمن خطة إثيوبية ركَّزت على امتلاك النفوذ في إدارة الموانئ الخمس الرئيسية في القرن الأفريقي.

 

لم يكد يمضي شهر على تلك الصفقة الرابحة حتى طار آبي أحمد إلى السودان، ووقع اتفاقية مع نظام البشير قبل عزله، قضت بحصول بلاده على حصة في أكبر ميناء بحري سوداني (بورتسودان). وفي الفترة ذاتها، تمكنت إثيوبيا من الاستحواذ على حصة قدرها 19% من ميناء “بربرة” في صوماليلاند غير المعترف بها دوليا، ثم شرعت في توقيع اتفاقية مصالحة مع إريتريا، تضمَّنت بنودها اتفاقا لتطوير طريق بين البلدين يُسهِّل عملية مرور البضائع إلى ميناء “عصب” الإريتري. وخلال أشهر، نجحت أديس أبابا في تنفيذ إستراتيجية لوجيستية بالسيطرة على أجزاء من أربعة موانئ رئيسية شرق أفريقيا، كما قللت اعتمادها بنسبة كبيرة على ميناء “جيبوتي” الذي كان يمر منه 95% من وارداتها وصادراتها.

 

كانت تلك الخطوات التي اتخذها آبي أحمد لتحرير دولته الحبيسة خارجيا من رحمة الدول المجاورة، وإحداث اختراقات دبلوماسية في منطقة القرن الأفريقي، مُكملة لخطة داخلية هدفت إلى تحرير الاقتصاد الذي تسيطر عليه الدولة، وخصخصة العديد من الصناعات المملوكة لها تدريجيا، وعلى رأسها شركات الاتصالات والطيران والبنوك، وذلك بهدف جذب الاستثمار الأجنبي المباشر لحل أزمة نقص انخفاض الاحتياطي الأجنبي، إلى جانب خطة التوسع في مشاريع البنية التحتية، وخاصة

في مجال الطاقة لتصديرها لدول الجوار. وتكمن مشكلة إثيوبيا البالغ عدد سكانها 120 مليون شخص في اعتماد اقتصادها على الزراعة التي تمثل 40% من الناتج المحلي الإجمالي، و80% من الصادرات، وما يقدر بنحو 75% من القوى العاملة في البلاد، ما دفع الحكومة لإطلاق خطة تنمية مدتها 10 سنوات من المفترض أن تنتهي عام 2029، على أمل أن تتحول البلاد إلى التصنيع، لتقليل الفجوة الضخمة بين الاستيراد والتصدير، التي يُعزى إليها استنزاف الاحتياطي الأجنبي للبلاد.

 

حرب تيغراي.. نهاية المشروع

Members of Ethiopian Federal Police patrol during a pro-government rally to denounce what the organisers say is the Tigray People’s Liberation Front (TPLF) and the Western countries' interference in internal affairs of the country, at Meskel Square in Addis Ababa, Ethiopia, November 7, 2021. REUTERS/Tiksa Negeri
قصة النجاح التي هندستها حكومة آبي أحمد سُرعان ما تلاشت عقب إعلان الحرب التي استمرت طيلة عامين، إذ وجدت أديس أبابا نفسها على حافة السقوط إبَّان تقدُّم مقاتلي التيغراي صوبها، قبل توقيع اتفاق السلام العام الماضي. (رويترز)

استطاع آبي أحمد في سنوات معدودات إحداث تغيُّر نوعي في السلطة فيما يخص طريقته الفريدة في الحكم، وتصفير المشكلات مع دول الجوار، وتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي القائم على الخصخصة، الذي حصل على دعم مباشر من صندوق النقد الدولي بقيمة ثلاثة مليارات دولار عام 2019. وفي العام نفسه، بدأت خطة الإصلاح إلى جانب استثمارات البنية التحتية

الكبيرة في البلاد تجني ثمارها، وارتفع معدل النمو إلى 8.5%، كما ارتفع إجمالي الناتج المحلي إلى 95.9 مليار دولار. وقد أدى النمو المرتفع إلى انخفاض نسبي في معدلات الفقر وتحسين مستويات المعيشة، كما ارتفع نصيب الفرد من الدخل القومي عام 2020 إلى 918 دولارا، واقترب من حاجز الألف الذي تطمح الحكومة لتجاوزه، بعدما كان 755 دولارا عام 2017.

 

قبل أن يُعلن آبي الحرب على إقليم تيغراي في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2020، كان الرجل بطلا قوميا بلا منازع في الداخل والخارج، حيث ارتفع الاقتصاد في عهده إلى المرتبة الأولى في شرق أفريقيا، والثالثة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وفقا للبنك الدولي. لكن قصة النجاح التي هندستها الحكومة سُرعان ما تلاشت عقب إعلان الحرب التي استمرت طيلة عامين، إذ وجدت أديس أبابا نفسها على حافة السقوط إبَّان تقدُّم مقاتلي التيغراي صوبها، قبل توقيع اتفاق السلام العام الماضي. وقد تدخلت إريتريا بقوة في الحرب بقوات ثقيلة لصالح الحكومة الفيدرالية في أديس أبابا، ما أجبر المقاتلين التيغراي الذين حققوا مكاسب ميدانية كبيرة على اللجوء إلى جنوب أفريقيا مدفوعين بالرغبة في التفاوض بعد أن خابت آمالهم، حيث وافقوا على تقديم تنازلات مؤلمة بما فيها تسليم أسلحتهم.

 

تعود دوافع الحرب إلى خلافات جذرية بين الإقليم والحكومة، منها اعتماد البرلمان الإثيوبي في إبريل/نيسان 2020 خطة للإبقاء على آبي أحمد في الحُكم عبر تأجيل الانتخابات تحت ذريعة جائحة كورونا. وقد احتجَّت رئيسة البرلمان التيغرانية واستقالت من منصبها، فيما اعتبر التيغرانيون الخطوة غير دستورية وذريعة لتشكيل دكتاتورية جديدة. وفي المقابل نظَّم الإقليم انتخاباته

المنفردة، التي رفضت الحكومة المركزية الاعتراف بها واعتبرتها غير قانونية، ومن ثمَّ ردَّت حكومة الإقليم بأنها لا تعترف أيضا بالحكومة المركزية بالنظر إلى أن ولاية آبي أحمد انتهت. وسرعان ما شهد الإقليم الساخط والمسلَّح بكثافة تعبئة واسعة ضد الجيش الإثيوبي، قبل أن يتواجه الطرفان في حرب ضروس طالت الأقاليم المجاورة، ورجحت فيها كفة آبي أحمد في النهاية، ولكن بعد خسائر كبيرة أعادت إثيوبيا سنوات إلى الوراء.

 

فإلى جانب المطارات والطرق، والبنية التحتية التي دُمرت بالكامل داخل إقليم تيغراي الواقع شمال البلاد، بدت معجزة إثيوبيا الاقتصادية في مهب الريح بعدما انخفض النمو إلى 5.6% عام 2021، وهو أقل معدل تصل له البلاد خلال عقدين، بحسب إحصاءات البنك الدولي، كما زاد من وطأة الاقتصاد فاتورة الحرب التي وصلت إلى 950 مليون دولار، بحسب مؤسسة “تريدنج إيكونوميكس“، دون احتساب تكلفة الخسائر المادية.

 

تزامنا مع ذلك، تلقى الاقتصاد ضربة أخرى عندما سحب المانحون الأجانب مليارات الدولارات من الدعم المالي، فارتفع معدل التضخم السنوي من 18% قبل الحرب إلى 35% وقت توقيع اتفاق السلام. ونتيجة لذلك ارتفعت أسعار المواد الغذائية إلى أعلى مستوى لها في 10 سنوات. وبخلاف انهيار العملة المحلية مقابل الدولار الأميركي، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على البلاد كي تدفعها لإنهاء الحرب الأهلية، كما علق الاتحاد الأوروبي مساعدات تُقدر بنحو 88 مليون يورو، وهي كلها معطيات، أجبرت الحكومة على خفض الإنفاق العام الحكومي، لحل مشكلات أخرى متفاقمة مثل العجز المتزايد في الحساب الجاري وارتفاع الديون.

 

كشف حساب الإصلاحات

Ethiopia starts electricity production at Blue Nile mega-dam- - BENISHANGUL-GUMUZ, ETHIOPIA - FEBRUARY 19: A view of Grand Ethiopian Renaissance Dam, a massive hydropower plant on the River Nile that neighbors Sudan and Egypt, as the dam started to produce electricity generation in Benishangul-Gumuz, Ethiopia on February 19, 2022. Ethiopia built the dam on the Nile River in Guba, Benishangul Gumuz Region. The construction of the Grand Ethiopian Renaissance Dam has caused a row between Ethiopia and Egypt and Sudan.
نجح آبي أحمد بعد خمس سنوات في الحكم في الوصول بمشروع سد النهضة إلى نقطة اللا عودة، لكن مشروعه في إنتاج الكهرباء يواجه أزمة تهدد حُلم الدولة بأكملها. (الأناضول)

لم تكن حرب تيغراي وحدها هي التي قوّضت مسيرة التنمية وإصلاحات الاقتصاد في إثيوبيا، إذ إن البلاد التي تعاني من عدة مشكلات هيكلية تعرضت مثل غيرها من بلدان العالم لصدمات فيروس كورونا الذي ظهر أواخر عام 2019، ثم الحرب الأوكرانية. وبحسب تقرير البنك الدولي، ضعف الاقتصاد الإثيوبي بعد عام واحد فقط من خطة الإصلاح، وشهدت أديس أبابا انهيارا في معدل النمو ليصل إلى 6.1% عام 2020، بعدما كان %8.5 عام 2019، وانخفضت التحويلات بنسبة 10%، ما فاقم أزمة نقص العملة، كما تضرر الاستثمار الأجنبي المباشر بشدة بعدما انخفضت التدفقات بنسبة 20%، ما ساهم في هبوط مستويات الاحتياطي الذي بلغ وقتها ثلاثة مليارات دولار عام 2020.

 

نجح آبي أحمد بعد خمس سنوات في الحكم في الوصول بمشروع سد النهضة إلى نقطة اللا عودة، لكن مشروعه في إنتاج الكهرباء يواجه أزمة تهدد حُلم الدولة بأكملها. فبينما انتهت أديس أبابا من بناء خطوط ربط كهربائية بطول 412 كم على أراضيها وصولا للحدود الكينية، فإن كينيا لم تفعل الشيء نفسه بسبب نزاعات داخلية، ما يعني أن إثيوبيا ستخسر ثمانية ملايين دولار شهريا بسبب تأخر تصدير الكهرباء الذي طمحت إليه. وتبدو المفارقة هنا في نجاح إثيوبيا في الوصول إلى الاكتفاء الذاتي من القمح بعدما هددت الحرب الروسية الأوكرانية إمدادات سلاسل التوريد العالمية، لكن الاقتصاد الإثيوبي رغم ذلك يواجه أزمة جفاف في المناطق الجنوبية. هذا وتُقدر الأمم المتحدة أن الجفاف قتل أكثر من مليون ونصف رأس من الماشية في القرن الأفريقي.

 

ومع ذلك كله، تظل الأزمة الأخطر التي تهدد اقتصاد إثيوبيا، ومستقبل آبي أحمد نفسه، هي تراكم الديون الخارجية، مع استمرار عجز الميزان التجاري بين الصادرات والواردات، وهو ما يعرض قدرة البلاد على السداد للخطر. ويبلغ حجم الديون للسنة المالية الحالية 2022/2023 نحو 28 مليار دولار أميركي، ما يُمثِّل نحو ربع الناتج المحلي للبلاد، وتواجه الحكومة الحالية أزمة متمثلة في ارتفاع تكلفة الفائدة على الديون المستحقة للعام الحالي إلى 1.6 مليار دولار أميركي، في وقت انخفضت فيه احتياطيات العملات الأجنبية إلى 1.5 مليار دولار أميركي، وهو ما يكفي لتغطية فواتير الاستيراد لمدة شهر واحد على الأكثر، وفقا لأحدث توقعات وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني، التي خفَّضت تصنيف إثيوبيا إلى “CCC-“.

 

بعد خمس سنوات في الحكم، تخللها عامان من الحرب في إقليم تيغراي، وتباطؤ الاقتصاد، وانخفاض قيمة العملة، وتجاوز التضخم السنوي 33%، وانخفاض نسبة النمو من 9.5% قبل الحرب إلى أقل من المستوى الذي كانت عليه البلاد قبل وصوله للحكم، تغيَّر وجه البلاد إلى أسوأ مما كانت عليه قبل صعود آبي أحمد، ولم يعُد الرجل “عراب إثيوبيا وصانع نهضتها الحديثة”

كما سعى، وانزوت جائزة نوبل للسلام التي حصل عليها في أرفف مكتبه على الأرجح، بينما علا صوت المعارك في خضم الحرب الأهلية التي ابتلعت البلاد طيلة عامين. اليوم يقف مشروع آبي السياسي على مفترق طرق، فيما يبدو أن نجاح الرجل في حل مشكلات بلاده مع دول الجوار، والتوسُّط لحل أزمات داخلية لبلدان مجاورة، يقابله من جهة أخرى فشل كبير -إلى الآن- في الاضطلاع بمهمته الأساسية، وهو أن يعيد صياغة العقد الاجتماعي في إثيوبيا ويمنحها نموذجا تنمويا حقيقيا.

المصدر : الجزيرة

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى