الأخبارالرياضة العالميةالرياضية

مُعضلة ميسي.. لماذا يقل أداء اللاعبين المحترفين في المباريات المهمة؟

مُعضلة ميسي.. لماذا يقل أداء اللاعبين المحترفين في المباريات المهمة؟

مقدمة الترجمة

أصبح ليونيل ميسي، أفضل لاعب في العالم في العقد الأخير بحسب رأي الكثيرين، ثاني لاعب يضيع ركلتَيْ جزاء في تاريخ كأس العالم، بعد الغاني أسامواه جيان، الأولى كانت في كأس العالم 2018، والثانية حينما أهدر ركلة في مباراة بولندا بدور المجموعات في البطولة الحالية المقامة في قطر. بالطبع لم يضر ذلك كثيرا بالأرجنتين، فقد صعدت إلى دور الـ16، بل وانتصرت على أستراليا وسوف تلاقي هولندا في الدور ربع النهائي، لكن ما حدث يطرح سؤالا مهما: لِمَ يبدو اللاعبون المتفوقون أكثر اهتزازا في المباريات المهمة؟ وبشكل خاص، لِمَ يضيعون ضربات الجزاء في تلك المباريات؟ راج بيرساود وبيتر براجن، طبيبان نفسيان ومتخصصان في علم النفس العلاجي، يشرحان لنا هذه الظاهرة.

نص الترجمة

كثيرا ما نجد لاعبي كرة القدم من فئة النخبة يصولون ويجولون في المباريات العادية، يفيضون بحيوية مُتدفقة، ويمتلئون بثقة غير محدودة، لكن ما تلبث الأيام أن تأتي بالمفاجآت الصادمة في البطولات المهمة، فينخفض أداء هؤلاء اللاعبين الأكفاء وربما يتسببون في هزيمة فِرَقهم.

لطالما أصابت ظاهرة تغيُّر مستوى اللاعبين المُحترفين في المباريات المهمة الخبراء بالحيرة والالتباس، وربما تساءلت أنت شخصيا عن السبب الذي قد يجعل لاعبا مُحترفا يضيّع ركلة جزاء بهذه السهولة. ولهذه الظاهرة أسباب تشير إليها الأبحاث النفسية التي توضح أنه في المباريات المُهمة التي تنطوي على قدر عالٍ من التهديد والخطورة، تزداد الضغوطات على كاهل اللاعبين وتنخفض مستويات الثقة، وهو ما يجعلهم يقدمون أداء أقل من المنتظر، خاصة عند تسديد ركلات الجزاء.

 

في دراسة بعنوان “عندما يتخبط النجوم: الحالة العامة والاختناق تحت الضغط في ضربات الجزاء الترجيحية”، حلل الباحث النرويجي جير جورديت، وهو أستاذ في المدرسة النرويجية لعلوم الرياضة، جميع ركلات الترجيح في ثلاث بطولات كبرى لكرة القدم هي كأس العالم، وكأس الأمم الأوروبية، ودوري أبطال أوروبا، وتضمنت تحليلاته نحو 366 ركلة. أكَّدت الدراسة أن اللاعبين الذين فازوا مؤخرا بجوائز عالمية مرموقة كجائزة “أفضل لاعب كرة قدم في العالم لهذا العام” كان أداؤهم في ركلات الترجيح أسوأ من نظرائهم.

أعباء نفسية

يرى جورديت أن كل توبيخ أو انتقاد يكون مؤلما فقط بقدر ما يضرب على أوتارنا الحرجة، ويحدث ذلك بالأخص مع أولئك الذين يعقد عليهم الجمهور آمالا عالية في المباريات المُهمة، حيث يصبح إحراز الهدف هو الوسيلة التي يُعوَّل عليها لقياس إنجاز لاعب ما، فيثقل ذلك من كاهل اللاعب بمزيد من الضغوطات، وتتحول هذه المهمة إلى أحد دواعي القلق الجاثمة على صدره.

يرجع ذلك إلى أن اللاعبين الموهوبين -شأنهم شأن البشر العاديين- يحتاجون إلى أن ينظر إليهم الناس بعين الرضا ويغدقون عليهم أمارات الاحترام، لذا فإنهم يشعرون بالتهديد حينما تهتز صورتهم الإيجابية. فكلما كان احترامك لذاتك وتقديرك لها يتعزز من خلال النجاح، تعرضت لمزيد من الضغط لمواصلة الأداء على مستوى عالٍ.

عانى من هذه الظاهرة كثير من اللاعبين، على رأسهم نجمة التنس البريطانية الشابة إيما رادوكانو، التي أحدثت ضجة كبيرة عند انسحابها من مباراتها في دور الـ16 لبطولة ويمبلدون عام 2021 أمام اللاعبة الأسترالية آيلا تومليانوفيتش. في هذه اللحظات، بدا أن اللاعبة انسحقت تحت وطأة القلق بعد أن عانت من صعوبة في التنفس وشعرت بالدوار. يفترض جورديت أن اللاعبين الذين يملكون توقعات عامة عالية للأداء يشعرون بالمزيد من الضغط في المنعطفات عالية المخاطر، مثل ركلات الترجيح. وبعبارة أوضح، فإن الخوف من إضاعة ركلة الجزاء يجعلهم يغيرون الطريقة التي يلعبون بها عادة ويزيد من فرصة الفشل.

نجمة التنس البريطانية “إيما رادوكانو”. (AFP)

حاولت دراسة حديثة تستخدم المسح الضوئي للدماغ، أُجريت في كلية الهندسة الكهربائية والرياضيات وعلوم الحاسوب بجامعة توينتي بهولندا، استكشاف ما يحدث في أدمغة اللاعبين لحظة تسديد ركلات الجزاء، بهدف فهم الأسباب التي تقف وراء قيام اللاعبين الموهوبين بتسديد ركلاتهم بشكل سيئ. تضمن البحث تركيب سماعة رأس مزودة بماسح ضوئي للدماغ (يستخدم التحليل الطيفي للأشعة تحت الحمراء) لعدد من لاعبي كرة القدم المبتدئين والمحترفين عند تسديدهم لضربات جزاء في ظروف مختلفة، منها أوقات متخمة بضغوطات شديدة، وأخرى عادية لا تحمل الكثير من الضغوطات.

أشار مؤلفو الدراسة، ماكس سلاتر وناتابونج ثاماسان ومانيس بول، إلى أن نتائج هذه الدراسة يمكن أن يكون لها آثار على نطاق أوسع من المجال الرياضي، وصولا إلى مجالات مثل الطب والجراحة تتطلب سرعة بديهة وأداء حركيا سريعا تحت ضغوطات نفسية شديدة. توصل المؤلفون إلى نظريتين مُحددتين تفسران سبب شعور اللاعبين بالاختناق أثناء تنفيذ الركلات، وهما التركيز الزائد على الذات، وسهولة الإلهاء والاستسلام إلى عوامل التشتيت. تُشير نظرية “التركيز على الذات” إلى أن الضغوطات الشديدة التي تقع على عاتق اللاعب تزيد من وعيه بذاته بشكل سلبي، فيجد نفسه تلقائيا يُراقب خطواته دائما بحذر ويحاول التحكم في مهاراته قدر الإمكان، فيحرمه ذلك من الاسترسال بتلقائية في اللعب، فتخرج النتائج على غير ما يريد.

قد يقوم لاعب التنس المحترف أو الخبير بالاسترسال في اللعب دون عناء يُذكَر وهو في حالة تامة من انسجام لا يعكِّر صفوه شيء، ولكن في لحظة خاطفة قد تتسلل إليه مشاعر بضرورة التفكير مليا في خطواته قبل رمي الكرة، وفكرة أن يرنو اللاعب إلى التسلسل المادي للأحداث بكل هذا التركيز يقوِّض من عنصر الانسيابية في أدائه، فيتخلل لعبَه القصورُ نتيجة لارتفاع مستوى الوعي الذاتي إلى هذا الحد، وفقدان السلاسة التي يوفرها اللا وعي. بعبارة أوضح، يجبر الضغط المُفرط اللاعب على أن يصب جام تركيزه واهتمامه على تنفيذ مهارات معينة باستماتة، رغم أنه لو أطلق لنفسه العنان دون عناء لأداها على نحو أفضل.

ما يحدث داخل الدماغ

يمكن أن يكون النشاط المرتفع في قشرة الفص الجبهي ناجما عن مخاوف اللاعبين بشأن التبعات المترتبة على تسجيلهم لركلة الجزاء أو ضياعها. (غيتي)

نأتي الآن إلى التفسير الثاني وهو “الإلهاء” أو “الاستسلام إلى عوامل التشتيت”. تشير هذه النظرية إلى أن القلق المفرط يُحوِّل تركيز اللاعب المتعلِّق بالمهمة الأساسية، كتسديد ركلة الجزاء، إلى التركيز على المشتتات أو الإلهاءات التي لا علاقة لها بالمُهمة، كأن تهيمن عليه بعض الهواجس على غرار: “ماذا لو أخطأت في إحراز الهدف وكان ذلك السبب الرئيسي في خسارة البطولة؟”. تُظهِر نتائج هذه الدراسة التي نُشرت في مجلة “فرونتيرز إن كمبيوتر ساينس” (Frontiers in Computer Science)، أن القشرة الحركية في الدماغ، وهي المنطقة المُتعلِّقة بالنشاطات الجسدية، كانت أكثر نشاطا في الظروف الطبيعية التي لا يعاني فيها اللاعبون الكثير من هواجس القلق حول أدائهم.

في المقابل، فإن اللاعبين الذين عانوا مستويات مرتفعة من القلق شهدت أدمغتهم نشاطا في قشرة الفص الجبهي (PFC) في الدماغ (وهي منطقة مسؤولة عن مساعدتنا في تحديد الأهداف وتحقيقها). يمكن أن يكون النشاط المرتفع في قشرة الفص الجبهي ناجما عن مخاوف اللاعبين بشأن التبعات المترتبة على تسجيلهم لركلة الجزاء أو ضياعها. أظهرت الأبحاث أن ثمة علاقة عكسية تنشأ بين نشاط قشرة الفص الجبهي والقشرة الحركية في حالات القلق، فكلما زاد نشاط الأولى انخفض نشاط الثانية. وقد يكون الدور الذي تلعبه قشرة الفص الجبهي في السماح للاعب بالانخراط طويلا في تبعات ما سيحدث قبل تسديد ركلة الجزاء هو المصدر الرئيسي للإلهاء والتشتت.

أثبتت الدراسة أيضا أن الرياضيين المحترفين حينما يجتاحهم القلق يزداد نشاط الفص الصدغي الأيسر في أدمغتهم، والفص الصدغي الأيسر مسؤول بصورة رئيسية عن فهم الكلام وحفظه وتشكيله، لذلك يُظهر هذا الجزء نشاطا عندما نلقّن أنفسنا تعليمات معينة. وهذا يعني أن نشاط الفص الصدغي الأيسر يُعَدُّ مؤشرا على معاناة اللاعبين من التفكير الزائد الذي يقوِّض مهاراتهم التلقائية واسترسالهم في اللعب. لذا، تظل النصيحة الرئيسية للاعبين في كلتا الحالتين، سواء التركيز على الذات أو التشتت والإلهاء، هي أن يثق اللاعبون أكثر في مهاراتهم التلقائية ويقمعوا عمليات تلقين ذواتهم بالتعليمات والتفكير المُفرط في الخطوات.

ما السبيل لتهدئة الوساوس؟

(غيتي إيميجز)

لا يمكننا إنكار حقيقة أن تلقين ذواتنا بالتعليمات والتفكير المتعمق في حركاتنا هي آليات ضرورية في المراحل المُبكرة من تعلُّم المهارات الحركية، غير أن تبني هذه الآليات يصلح فقط في مراحل معيّنة، وبمجرد أن يتخطى اللاعب هذه المراحل ويتشرب بخبرات كافية، عليه أن يتخلى عن هذه الطريقة ويُطلق العنان لمهاراته التلقائية. تصبح هذه الإستراتيجية سر النجاح في حالة واحدة فقط، وهي عندما يتبنَّاها لاعبون يفتقرون إلى الخبرة. لذا فالأمر كله يتوقف على ما إذا كنت لاعبا متمرسا محترفا أم أنك مبتدئ تفتقر إلى الخبرة. يبدو إذن أن رؤية اللاعب لذاته وتقديره الحقيقي لمستوى مهاراته يلعبان دورا في بلوغ الهدف المنشود.

في دراسة أخرى أجراها جورديت بعنوان “لماذا يفشل لاعبو كرة القدم الإنجليز في تسديد ركلات الجزاء؟” نُشرت في مجلة “ذا جورنال أوف سبورتس ساينس” (the Journal of Sports Sciences)، توصل جورديت إلى أحد الأسرار النفسية التي تلعب دورا رئيسيا في نجاح اللاعبين الإيطاليين في كرة القدم (تحديدا ركلات الجزاء)، وهي مواجهة اللاعب لحارس المرمى. هذه الفرصة للتواصل البصري المُطوَّل بين الخصمين تجعل من ركلات الترجيح مواجهة نفسية فريدة لا توجد عادة أثناء الطبيعة المرنة للعب العادي.

من بين الفِرَق الأوروبية الثمانية الأكبر، يتمتع لاعبو كرة القدم الإيطاليون بثاني أعلى معدل في عدم تجنب مواجهة حارس المرمى (عبر إدارة ظهورهم)، و”التحديق المباشر” في وجه الحارس. الحقيقة التي قد لا نفطن إليها عادة هي أن حراس المرمى أثناء ضربات الجزاء يقيّمون اللاعبين الذين ينظرون بعيدا عنهم ويتهربون من التواصل البصري بأنهم أقل ثقة في أنفسهم، وأقل احتمالية لتسجيل الهدف. أظهر هذا التحليل أن من بين جميع الدول الأوروبية، سجَّل اللاعبون الإنجليز أعلى معدل في النظر بعيدا عن حارس المرمى وتجنب الاتصال بالعين أثناء ركلة جزاء. في نهاية المطاف، من الطبيعي أن الشعور بالقلق يُضعف الأداء، ولكن عندما تُظهر ذعرك إلى خصمك، فإنك تزيد من ثقته في قدرته على هزيمتك، فيستمد من خوفك وسيلة لتهدئة نفسه.

ربما يكون الفارق بين الفوز والهزيمة أو بين النجاح والإخفاق هو قدرة أحدهم على السيطرة على ما يدور في رأسه في نهاية المطاف.

________________________________

ترجمة: سيمة زاهر

هذا التقرير مترجم عن Psychology Today ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.

المصدر : الجزيرة

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى