مني ابوزيد تكتب : في السلطة الرابعة..!
مني ابوزيد تكتب : في السلطة الرابعة..!
“حس الأخبار هو حقًا الإحساس بما هو مهم وحيوي وما له لون وحياة وما يهتم به الناس، هذه هي الصحافة”.. بيرتون راسكو..!
كلما لاح ضوء الصحافة الحرة ذُكرتْ مقالات “إميل زولا” الذي عرض مستقبله المهني للخطر عندما كتب مقاله الشهير “إني
اتّهم” والذي تضمن رسالة إلى رئيس الجمهورية قامت بنشره أهم الصحف الباريسية في صفحتها الأولى، على الرغم من كونه يتّهم أعلى قيادات الجيش الفرنسي بمعاداة السامية وتكبيل العدالة بحكمها على ضابط يهودي بالسجن المؤبد ظلماً بعد أن تمّ اتّهامه زوراً بالتجسس. وقد غيّر ذلك المقال “مجرى المحاكمة جذرياً وإلى الأبد، فانقسم الشعب الفرنسي بأكمله
بين مؤيد ومعارض، وتمّ اتّهام زولا” بالتشهير، وقدم لمحاكمة جنائية وحُكم عليه بالسجن، ففر من البلاد وعاد إليها بعد سقوط الحكومة التي أدانته. وكان من آثار مقاله ذاك أن عرضت الحكومة الجديدة على الضابط اليهودي المظلوم عفواً مقابل اعترافه
بالذنب أو أن تُعاد مُحاكمته، فقبل العفو رغم براءته خوفاً من الإدانة ظلماً من جديد. لكن الصحافة الحرة أكملت رسالتها وتمت تبرئة الرجل بعد سنوات من إطلاق سراحه، وبقي ذلك المقال في أرشيف الصحافة العالمية شاهداً على الدور المفقود للسلطة الرابعة..!
المُتابع للشأن السياسي في الجزائر يعرف جملة “يتنحاو قاع” التي تحوّلت إلى أيقونة لفظية لمظاهرات الشعب الجزائري. ولغير المُتابعين فتلك الجملة باللهجة الجزائرية تعني “ليتنحوا جميعاً” بالعربية الفصحى. مسرح الحكاية كان بثاً مباشراً لتقرير مراسلة قناة “سكاي نيوز عربية” التي وقفت تخاطب الكاميرا – قبل سنوات – قائلةً “كما تشاهدون، الشعب الجزائري يحتفل
بقرارات الرئيس الأخيرة”، قبل أن يعترض أحد المتظاهرين الشباب حديثها إلى الكاميرا، وهو يصيح قائلاً “يتنحاو قاع”. وهكذا، رفعت تلك الجملة منسوب الأمانة الإعلامية في تناول ردة الفعل الشعبية على موقف صدر عن رئيس الدولة، بدءاً بتلك المراسلة التي غيّرت مجرى حديثها من الاحتفاء بالاحتفال إلى التسليم بوجود احتجاج، وانتهاءً بما تلا ذلك من تصعيد شعبي وتصاعد إعلامي..!
أما “فتى البيضة” – كما لقبه نشطاء وزوار مواقع التواصل الاجتماعي – فهو مراهق أسترالي تحوّل إلى أيقونة احتجاج عالمية، بعد أن قام بكسر بيضة على رأس سيناتور ينتمي إلى حزب اليمين المتطرف في بلاده، بعد أن سمعه يصف الإسلام بدين العنف، معلقاً على الهجوم الإرهابي الذي استهدف مسجدين بنيوزيلندا قبل سنوات. وكردة فعل على موقفه ذاك، قفز عدد
المتابعين لحساب “فتى البيضة” على موقع تويتر إلى مئات الآلاف في غضون ساعات، وتم إغراقه بمنشورات التأييد والإشادة. وعن هذا غرّد الفتى على صفحته قائلاً “شعرت بالفخر في تلك اللحظة لكوني إنساناً، وكل الذين يعتبرون
المسلمين إرهابيين عقولهم فارغة مثل ذلك السيناتور”. وقد أثارت تداعيات تلك الحادثة على موقع “تويتر” حملة انتقادات واسعة لإدارته بسبب قيامها بتعليق حساب الفتى، في الوقت الذي لم تُغلق فيه حسابات ألقت باللوم على الضحايا المسلمين. وعندها تساءل مُغرِّدون “ما هي قيم تويتر”..؟!
حكاية “إميل زولا” تؤكد عظمة دور الصحافة – كسلطة رابعة – في تغيير مجرى الأحداث لصالح العدالة. أما حادثتا “يتنحاو قاع” و”فتى البيضة” فكلاهما تؤكدان أن جماهير هذا العصر قد عبرت – في تفاعلها مع وسائل الإعلام ومنابر التواصل الاجتماعي –
مفهوم “المواطن الصحفي” الذي يساهم في صناعة الخبر إلى استثمار عدسات القنوات التلفزيوينة و”مانشيتات” الصحف ومنصات التواصل الاجتماعي في صناعة الحدث الإعلامي نفسه..!
munaabuzaid2@gmail.com
المصدر : الصيحة