مراكز التجميل في العراق.. “تجارة قاتلة” تهدد الباحثات عن الجمال
بغداد- “شعري يتساقط من فروة رأسي بسبب الطبيب عديم الخبرة، لا يمكنني وصف شعوري المُر، مع أنني أردت إجراء عملية تجميلية لعينيّ ولم ينبهني لأي كارثة جانبية؛ بل على العكس، أخبرني أن الأمر سهل للغاية ولا يستدعي قلقا أو تساؤلا”.
بهذه العبارات وصفت الشابة سوزان السليماني، وهي إعلامية ومدونة، حالتها النفسية بسبب شعرها الذي اختفى من جهة الصدغين لدرجة ظهور الجلد، مع تقرحات وندوب ودماء، بمجرد أن تختفي واحدة تظهر مكانها أخرى.
end of list
حكاية سوزان مع التجميل
كانت سوزان أجرت عملية جراحية تجميلية تُسمى “عين القطة” لتغيير شكل العينين، وقالت للجزيرة نت إنها اتجهت إلى أكثر الأطباء مهارة -حسبما وُصف لها- وأخبرها أن العملية ستأخذ منها عدة دقائق، حيث سيقوم بسحب أحد الأعصاب الرابطة بين العين والدماغ لتعديل مظهر العين. وتتابع “هكذا بكل بساطة وثقت به بناء أيضا على تقييمات العديد من المشهورات اللاتي أجرين العملية ذاتها”.
وتضيف “بعد إجراء العملية، التقط الدكتور صورة مباشرة لعيني بالشكل الجديد ونشرها للمتابعين. لكن جفني ترهل والعملية فشلت بعد أسبوع واحد؛ فاقترح شق رأسي مرة ثانية. وبعد شهر، صرت ألاحظ سقوطا كثيفا في مناطق محددة من شعري، خاصة تلك التي تم خلالها عملية سحب العين”.
سوزان ليست الضحية الأولى لعمليات التجميل في العراق، وهي ربما الأقل ضررا؛ ذلك أن عددا ليس بالهين من النساء كن قد فقدن حياتهن بالفعل داخل غرف العمليات الخاصة بالتجميل، التي يجريها في العادة أشخاص لا يمتون لمهنة الطب وتخصصاتها بصلة.
وتسببت كثرة وجود مراكز التجميل في العراق في حدوث حالات وفيات عديدة، وآخر ضحاياها كانت سيدة توفيت في أثناء خضوعها لعملية “نحت الخصر”، مما سبب لها مضاعفات صحية جمة أودت بحياتها داخل صالات أحد المراكز غير المرخصة في العاصمة بغداد، حيث ازدادت مراكز التجميل في العراق خلال السنوات الخمس الأخيرة، بسبب إقبال النساء والرجال عليها.
وتبين سوزان -للجزيرة نت- أنها حاولت التواصل مع الطبيب الذي تنصل من فشله، وأخبرها أنه سيعوضها بحقن “البوتكس والفيلر” وحرض المشاهير عليها لتكذيبها بعد أن قررت مواجهته، وتضيف “بعد 4 أشهر، لا يزال شعري يتساقط، وأحاول علاجه لدرجة أني أحمل معي كثيرا من الأدوية، أما جلد رأسي، فتضرر وأخشى فحصه حتى لا أصاب بالصدمة”.
رقابة غائبة وتحايل ملموس
“مئات من مراكز التجميل التخريبية غير المرخصة منتشرة في بغداد والمحافظات الأخرى، رغم محاولات النقابة الحثيثة للحد منها وإيقافها، لكن دون فائدة”، بهذا الكلام الصادم بدأ نقيب الأطباء جاسم العزاوي حديثه للجزيرة نت، وتابع “الكوادر العاملة في النقابة والمختصة بمراقبة عمل الأطباء داخل هذه المراكز عددها غير كاف لتفتيش المئات من المواقع، وبعض المراكز تبدو ظاهريا مراكز للعناية بالجمال فقط، لضمان عدم اقتراب أعضاء التفتيش من النقابة أو وزارة الصحة، إلا أنها من خلف الستار يقوم المشرفون عليها بعمليات جراحية تجميلية كبرى وخطرة، بأياد لم تمارس مهنة الطب يوما، إنه نوع من التحايل الذي لا يسمح لنا حتى بمعرفة إحصائية دقيقة بعدد المراكز غير القانونية”.
ويوضح العزاوي -للجزيرة نت- أن عدد المراكز غير المرخصة يتجاوز 400 مركز، ولا يمكن السيطرة عليها كلها، وهي في ازدياد مستمر نتيجة انعدام الرقابة. وأشار إلى أن المراكز التي تستوفي شروط إجراء العمليات التجميلية الخطرة لا تتعدى نسبتها 15% من جميع مراكز التجميل الموجودة في البلاد.
ولا تمنح وزارة الصحة ترخيصا لهذه المراكز، إلا بعد أن تكون قد استوفت شروط ومتطلبات الصحة العامة والخاصة. أما في ما يتعلق بالموافقة على عمل الأطباء، فإن الطبيب المختص بالجلدية أو الجراحية فقط من يستطيع ممارسة الاختصاص داخل هذه المراكز، مع تمتعه بخبرة لا تقل عن 15 عاما، وفق القانون العراقي.
شبهات ومبالغ خيالية
من جهته، يعتقد الجراح عمر داغر أن “كثيرا من العاملين في هذه المراكز لا يملكون مؤهلات وشهادات الطب أو الخبرة، ومن ضمنهم بعض الأطباء الذين استسهلوا الأمر، مثل أطباء الأسنان والصيادلة وحتى خريجي التحليلات المرضية، وهذه مهمة خطيرة ومجازفة كبيرة، خاصة التدخلات التجميلية التي تتطلب مخدرا وغرفة عمليات وكادرا طبيا متكاملا، على الرغم من أن العمليات تحتاج إلى أشخاص يمتلكون من الخبرة ما يكفي لتشخيص المضاعفات مسبقا والعمل على تجنبها”.
ويضيف داغر للجزيرة نت أن “واحدة من أكثر الأمور واردة الحدوث بعد ساعات من العمليات المعنية بالشفط والنحت هي الخثرة الدموية (وهي عبارة عن كتل من الدم هلامية القوام قد تسبب الجلطة)، والطبيب المختص وحده من يستطيع السيطرة على هذه الخثرة في أوقات محددة ودقيقة جدا لا يعرفها سوى المحترف بمهنته، ذلك لأن الخثرة تؤثر على الأوعية الدموية، وقد تصل إلى الرئة فتقتل المريض، ومشكلة هذه العمليات ليست إجراءها، بل معالجة مضاعفاتها”.
ويوضح داغر أن استخدام الإجراءات الطبية في العراق “غير صحيح وغير مراقب ومن المفارقات أن مواقع التواصل الاجتماعي تضج بالإعلانات الخاصة بمراكز التجميل وصور العمليات الخطرة مع أسماء لأشخاص لم يدرسوا الطب في حياتهم، أو تلقوا بعض الدورات التدريبية التي لا تتعدى شهرين، في حين يحدث هذا أمام أنظار المواطنين الذين يطمحون للجمال، والدولة التي لا تعطي للأمر أي أهمية”.
وأشار إلى أن “الأشخاص يتأثرون بما يتم تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي من صور تستعرض حالات للمرضى قبل العمليات وبعدها” مبينا أن هذه المراكز “تقوم بتعديل الصور ببرامج الفوتوشوب، لتستدرج العملاء بأسعار رمزية تكاد لا تكفي لسد ميزانية الكادر الطبي المشرف في المراكز الموثوقة، وهذا طبيعي؛ فهم يعتمدون أدوات وأجهزة طبية رديئة المنشأ مع كوادر غير مؤهلة وغايتهم الوحيدة هي كسب مال سريع وسهل”.
وأضاف داغر أن “هذه المراكز المشبوهة تعرض أسعارا ربما لا تصل لنصف أو ثلث المبالغ الحقيقية للعمليات الكبرى، وبالتالي فإن الضرر يصبح على الطبيب المختص كذلك، الذي تُسرق جهوده وكفاءته”.
أنواع من الاحتيال
من جانبها، قالت الدكتورة شيماء الكمالي إن “بعض الأطباء يؤجرون أسماءهم وشهاداتهم ويمنحون الترخيص والثقة الطبية لأشخاص يقاسمونهم مراكز التجميل ربما لا يملكون حتى شهادة البكالوريوس، وبعض المراكز غير المرخصة، التي غالبا ما تحدث فيها الكوارث الطبية، تكون تابعة لجهات متنفذة سياسيا توفر الحماية والأمان لمواقع التجميل، وبالتالي فإن أي أمر يصدر من قبل نقابة الأطباء أو وزارة الصحة لإلغاء هذه المراكز لا يتم تنفيذه عن طريق وزارة الداخلية المعنية، ولا يتم اتخاذ أي إجراءات قانونية بسبب النفوذ والتدخل والوصاية”.
وتضيف الكمالي -في حديثها للجزيرة نت- أن “بعض الأطباء المختصين يتحملون جزءا من مسؤولية هدر الأرواح داخل مراكز غير قانونية، وتبدأ عملية التحايل على القانون بأن يمنح الطبيب المختص اسمه لترخيص المركز التجميلي، وهذا أول شروط افتتاحه من قبل وزارة الصحة ونقابة الأطباء، وعند حدوث أي خطأ توجه النقابة حسابها نحو الطبيب، وفقا للقانون العراقي، وقد يكون هذا الطبيب لا يعرف شيئا عن هذا المركز، ولم يجر داخله أي عملية ولم يزره ولا يعلم من يجري العمليات”.
كل عمليات التجميل خطرة
وترى الكمالي أن جميع العمليات التجميلية بمختلف أصنافها خطرة، حتى تلك الإبرة الصغيرة التي يستهين بها كثيرون فيقدمون وجناتهم وشفاههم لحقن قد تكون مميتة إذا ما تم استخدامها بطرق غير صحيحة.
وتحدثت الكمالي عن استدراج المتابعين والمهتمين بدخول مجال الطب التجميلي لنيل شهادات بدورات تعليمية وهمية وغير معتمدة من قبل وزارة الصحة أو التعليم العالي، حيث تكون أبواب الاشتراك فيها مفتوحة للجميع دون استثناء، وقالت إن المشتركين يتم خداعهم بشهادات مزورة باسم “البورد الأميركي” أو شهادة من “جامعة أكسفورد” أو “كامبردج”، وبالتأكيد فإن هذه الأسماء ليست حقيقية وليست لدى هذه الجامعات أي علاقة بالأمر.
وتبين الكمالي كذلك “أن الكثير من مراكز التجميل تتعمد بث معلومات مغلوطة، لإيهام الناس بأفكار مغايرة للحقيقة، ومنها أن مادة الفيلر الخاصة بتعبئة الشفاه والوجه مستوردة من علامة طبية تجارية مرموقة وأنها تظل صامدة في الأماكن التي تم حقنها، لكن في الحقيقة أن تلك المواد لا يمكن أن تبقى في وجه الإنسان لسوى أشهر قليلة”.
تجارة التجميل
أما عضو نقابة أطباء بغداد الدكتور سيف الفرطوسي، فيتحدث عن “معاناة الأطباء ممن اجتهدوا بضمير ولكن لا نصيب لهم بعدما بذلوا سنوات عمرهم بالدراسة؛ فكان جزاؤهم تشويه المهنة وقطع أرزاقهم بسبب تجارة التجميل”.
وقال الفرطوسي إن عشرات المراكز تم غلقها خلال العام الحالي فقط، إذ تتوزع فرق مشرفة من نقابة الأطباء على المراكز التجميلية والصحية لمراقبة عمل الأطباء، ويختص بحثهم داخل هذه الأماكن على وجود أطباء ومعرفة اختصاصهم ومراقبة الأجهزة المستخدمة وإن كانت حاصلة على الترخيص اللازم.
وأشار إلى أن “بعض المراكز لا يوجد بها أطباء، وهنا ينتهي دور النقابة في التصويب؛ إذ يتم تحويل القضية للجان المختصة بالجريمة المنظمة”.
ويوضح الفرطوسي أن العاملين في المراكز غير المرخصة يتعاملون مع المريض بشكل جشع، إذ يستقبلون جميع الحالات لإجراء جميع العمليات دون تحاليل أو فحص وتشخيص، لمعرفة إذا ما كان المريض مهيئا لهذه العملية أم لا.
أغرب الوصفات
تستقبل اختصاصية الجلدية الدكتورة رحيق الجلبي العديد من أصحاب التجارب السيئة، مثل سحب لون الجلد لمصابي الكلف والتسبب بتشوه دائم لجلودهم، أو الحقن بمواد التبييض الوريدية بحجة تغيير لون البشرة، أو حقنها داخل الجلد وهي بالأساس غير مرخصة لهذا الاستعمال.
وتؤكد الجلبي -للجزيرة نت- أن أغلب مراجعيها قادمون من مراكز تجميل غير مرخصة، وتحت إشراف أشخاص غير متخصصين، كأن يكونوا من خريجي الصيدلة، أو طب الأسنان، وحتى خريجي التربية، وتضيف “حقن المواد في غير مكانها يسبب تفاعلا جلديا دائما وهو النوع الحُبيبي؛ إذ يقوم بعضهم بحقن مادة الوشم للنضارة وتفتيح للجلد، فتسبب بقعا دائمة، وإدخال كميات غير متساوية مما يسبب الترهلات”.
وتشير الجلبي إلى أن “التكتم السياسي وحتى الإعلامي حول مراكز التجميل، سببه عدم الاكتراث بمصائر المواطنين الذين يملكون ميزانيات محدودة وغير قادرين على صرف مبالغ ضخمة للتجميل، ليقعوا ضحايا المراكز غير القانونية”.