محمد عثمان الشيخ عبد الباسط النبوي يكتب: بهذا أو الدمار يا فخامة رئيس الوزراء

محمد عثمان الشيخ عبد الباسط النبوي يكتب : بهذا أو الدمار يا فخامة رئيس الوزراء
الأخ الدكتور كامل إدريس المحترم
لعلها عقود قد انصرمت وكأنها ومضة برق منذ آخر لقاءاتنا بكم داخل السودان وخارجه، ولما نزل نذكر طيب معشركم، ودماثة خلقكم، وجمّ تواضعكم.
وقد سرّنا استهلال مقدمكم إلى البلاد بسجدة شكر لله تعالى، تعبيرًا عن خضوعكم له، وتوكلكم عليه، وتمسككم بأصالة شعبكم وميراث أمتكم. وهذا ما نأمله في قائد نهضتنا: أن يكون على صلة بالله، مؤتمَنًا على مستقبل البلاد والعباد.
أخي الرئيس،
أكتب إليكم هذه الكلمات محمَّلةً بالأمل والرجاء، ومفعمةً بالثقة في حكمتكم وقدرتكم على العبور ببلادنا نحو مستقبلٍ أكثر إشراقًا وعدلًا وازدهارًا. فقد حمّلكم الشعب أمانةً ثقيلة، وأودع فيكم رجاءً كبيرًا بأن تكونوا قائدًا يُنزل الحُلم إلى أرض الواقع، ويستنهض ما خفي من طاقات هذه الأمة العظيمة.
أوصيكم – مع كامل الاحترام والتقدير – ويجوز أن يوصي المتعالم العالم، والمرجوح الراجح، من باب التذكير لا التعليم، وإلا فأنتم أعلم وأدرى – بأن تضعوا في مقدمة أولوياتكم خطب ودّ جميع الكيانات الدولية والإقليمية، بالحذاقة السياسية والدبلوماسية التي عرفناكم بها، وبروح الانفتاح والتعاون التي لا تعني التبعية، بل تعني بناء مصالح مشتركة تعود بالنفع على شعب السودان، دون تفريط في سيادته ولا موارده.
غير أن هذا الانفتاح لا يستقيم إلا إذا أُسِّس على قاعدةٍ صلبةٍ من الاعتماد على الذات. وأخص هنا موارد البلاد ومقدّراتها الداخلية، وما أضخمها وأغزرها. وكم عهدتُ نفسي أردد عبارةً لم ولن أملّها، تعبيرًا عن سعة هذه الموارد وتنوعها: “كل ما خطر ببالك ففي السودان منه ذلك”، مقترنًا بتفجير طاقات شعبنا وقدراته وعزيمته، عبر من يضطلع بذلك تنزيلًا وتوجيهًا وتنظيمًا.
ولن يتأتى هذا إلا من خلال استصحاب رؤيةٍ منهجيةٍ نهضويةٍ شاملةٍ ومتكاملةٍ، لا يتسع المقام هنا لبسطها، وقد فصّلناها في كتابنا الموسوم بـ “فقط بهذا ينهض السودان”.
غير أننا نشير هنا إلى أهم ركنين أساسيين عظيمين فيها، غفلت عنهما – جهلًا أو تجاهلًا متعمدًا – كل الحكومات المتعاقبة بعد الاستقلال، بل بعد “الاستغلال”، تفاديًا لما فيه من ضبطٍ يقيِّد هوى المسؤولين ومصالحهم الخاصة، تسلطية كانت أو مالية، ويجعل النفع خالصًا للشعب والأمة.
الركن الأول:
بناء هياكل الدولة ومؤسساتها وربطها جميعًا بمنظومة موحدة (System) تُدار وفق أحدث المعايير الدولية، وتشمل الحوسبة الشاملة، والحكومة الإلكترونية، والحوسبة السحابية، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، لتكون هذه المنظومة ركيزة بناء الدولة الحديثة، وشرطًا جوهريًا في نهضتها واستقرارها.
إن هذه المنصة المؤسسية المتكاملة، حين تكتمل وتُفعّل، تجعل الدولة قابلة للانطلاق بفعالية وعدالة، وتكسر بؤر التكتلات السالبة، وتحطم دوائر الاحتكار، وتكرّس لنيل المناصب والمسؤوليات على أساس الكفاءة والخبرة والعلم فقط.
أما إن بقيت الدولة خارج هذه المنظومة، فستظل عاطلة – مهما بدت متماسكة ظاهريًا – وغارقة في الفساد، لأن غياب النظام المحوسب والموحَّد هو التربة الخصبة التي ينمو فيها الفساد ويستشري، بينما وجود النظام يضيق عليه الخناق، وقد يحدّه بنسبة تقترب من المائة بالمائة.
الركن الثاني:
التحرير المطلق الشامل للاقتصاد، انطلاقًا من الإيمان بحرية السوق، وضمان حرية التداول في العملات، وشفافية استيراد الوقود والغذاء، وإرساء نظام نزيه في إدارة العطاءات، مع فتح الأبواب لكل أشكال الحراك الاقتصادي المشروع، بما يشجع الاستثمار، ويطلق قدرات القطاع الخاص، ويحقق الازدهار الحقيقي.
وهو ما يقود إلى الازدهار الحقيقي، عبر ركيزتين متلازمتين: الاستقرار والاستثمار، وهما كجناحي طائر، لا يحلق دون توازنهما، ولا ينهض أحدهما دون أن يعضد الآخر ويؤازره.
ونسأل هنا بكل عفوية وصدق:
أي استثمار تطمح إليه دولة أو تؤمل فيه، دون أن يرى المستثمر حريةً حقيقيةً في حركة الأموال دخولًا وخروجًا، بلا عوائق أو تعقيدات، مقرونةً بمنظومة مؤسسية فعّالة، وإصلاحٍ للمنظومات العدلية، ويُسرٍ في نفاذ القانون؟
سيادة رئيس الوزراء،
إنها فرصة تاريخية، فإما أن نبني دولة قوية تنتمي لعصرها، مرتكزةً على أصولها، أو أن نظل ندور في دوائر العجز والفساد.
ولديكم من الرؤية والخبرة ما يجعلنا نؤمن بأن المستقبل قد بدأ – بإذن الله – على أيديكم.
نسأل الله أن يكتب على يديكم فتحًا مباركًا للبلاد والعباد، وأن يهيئ لكم البطانة الصالحة، ويجعل هذه المرحلة نقطة انطلاقٍ حقيقية نحو سودان العدالة، والكرامة، والنماء.
ولكم منا خالص التقدير والاحترام .
محمد عثمان الشيخ عبد الباسط النبوي