محمد طلب يكتب : (القوالات) في الأغنية السودانية(7)
محمد طلب يكتب : (القوالات) في الأغنية السودانية(7)
بعد المقال السابق و السادس في الترتيب من هذه السلسلة الذي كنت قد إختتمت به مجموع هذه السلسة واخطرت القارئ الكريم بذلك لكن ورد الي بريدي عدد مقدر من رسائل الاصدقاء عبر الوسائط تحث علي
الاسترسال في الموضوع الذي يكاد يكون الطرق عليه لماماً …. وقد كان القصد من المقالات ان افتح باباً يلج إليه أهل الاختصاص في الاغنيات والموسيقي والالحان والعلوم الإنسانية المرتبطة به و علم النفس علي وجه الخصوص. و كنت قد أشرت لذلك في أول مقال و ان الأغنية يمكن أن تكون مدخلاً لتحليل الشخصية
السودانية من خلال العواطف والقيم التي تطرقها هذه الأغنيات و مواضيعها المرتبطة بحياة الناس. لإعتقادي أن الأغنية سجل تاريخ لحركة المجتمع في البئية المعينة و التعامل مع الاحياء والأشياء داخلها
وتناولت موضوع (القوالات) علي أنه ظاهرة احتشدت بها الأغنيات عموماً والغرامية علي وجه الخصوص…
كما أري أنه من الضروري التمييز بين بعض المفردات مثل مفردتي( القول) و(الكلام) فالقول هو مجرد أداة من أدوات إيصال (الكلام) و الفكرة فمثلاً عندما نسمع المغني يردد
*عندي (كلمة) احب (اقولها) عن مصيري وعن مصيرها*
فهو قطعاً لايعني (مفردة) واحدة بل فكرة وقضية كاملة مراد إيصالها عن طريق القول (اقولها) لاحظ عزيزي القارئ مادة (ك.ل.م) ونواتجها
وهذا يعني أن هناك ادوات آخري لإيصال (الكلام).لغة الإشارة مثلاً هي( كلام) أدواته هي الإشارة و نجد ذلك في الاغاني مثلاً :-
*سلم بعيونك لو عز الكلام*
والكلام هنا لا أظنه مجرد نطق كلمات التحية و قولها بل هو أوسع من( مجرد القول) كذلك هناك مقطع اغنية يقول:-
*سالمينا لو بالعين أو بالاشارة*
يعني( كلام )عبر وسيط اخر غير (القول) باللسان …ايضاً نتغني ب:-
*و العيون فيها كلام*
و ايضاً من ضمن البرتوكولات الرئاسية والسيادية في الدول
( السلام الجمهوري ) وهو أداء موسيقي للنشيد الوطني وهو أداة (كلام) ايضاً
نريد ان نخلص الي ان (الكلام) غير (القول) … و دون الخوض في متاهات فكرية أعمق فالمسيح عليه السلام هو (كلمة الله) كما جاء بالقران:-
(إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ *بِكَلِمَةٍ* مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ)
ولا نريد الخوض في ما جاء بالتفاسير… و عن سيدنا يحيي ضمن الآية :- أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا *بِكَلِمَةٍ* مِنَ اللَّهِ)
عموماً اي كلام أو فكرة تمر بمراحل حتي وصولها لآخر محطاتها وهو (المتلقي) و تحتاج لوسائط أو أدوات للوصول و(القول) هو أحد تلك الأدوات والمتلقي أيضاً له ادوات (مُستقبلة) للكلام قولاً منطوقاً او غيره و اخر محطات أي فكرة أو كلام هو المتلقي جماعة أو أفراد
تعالوا الي:-
*شالوا الكلام زادوهو حبة جابوه ليك*
(زادوهو حبة) هذه لا تعني اطلاقا إضافة مفردات جديدة للأصل ولكن قد يتم نقل ذات المفردات مع تغيير في أدوات قول الكلام مثل تغيير نبرة الصوت في جملة معينة فيُحملها غير المراد وإضافة غمزة عين أو إشارة
باليد أو حركة الشفاه أيضاً تعمل علي إضافة أو إيضاح أو تغبيش غير موجود او مراد أصلاً و قد يخلق ناقل القول كلاماً جديداً عبر ( قول ذات المفردات) أيضا زيادة مفردات أو تغييرها وارد و هذا يتوقف علي مهارات( خبير القوالات الاسترتيجي)
أظن أننا الآن استوعبنا أن (الكلام) يختلف عن (القول) كما أن القول انواع فهناك البوح والإفادة او التصريح و غيرها وكل مفردة لها دلالاتها وحدودها و اغراضها فمثلاً الأغنية تقول :ـ
*ما بقدر (أبوح) أنا ما داير (أصرح)*
*يمكن قول يروح يمكن قول يجرح*
*يمكن شئ يفوح والناس ما بتريح*
و قد شملت البوح والتصريح وكما أسلفنا كل مفردة لها حدودها ودلالاتها فما يمنعه البوح هنا هو عدم القدرة (مابقدر) لسبب ما والتصريح و دائرته الاوسع يمنعه عنها عدم الرغبة ( ما داير)
وكثيرا ما اجد نفسي افهم هذا القول علي أنه (كلام تهديد) وربما للحن دور في ذلك وهذا ما سوف نتناوله في المقال القادم إن شاء الله …
سلام
محمد طلب