مقالات

محمد احمد مبروك يكتب: قبلة من جيرازيلدا الطيب لرهام

سطور ملونة

قبلة من جيرازيلدا الطيب لرهام

كان لى معها لقاءات وقصص بديعة .. إبنة الذوات البريطانية جيرازيلدا ، حرم رجل العلم والمعرفة البروفيسور عبد الله الطيب .
هي نموذج الزوجة التي مابدلت رسالة الزوجية العظيمة .. والمثال الرائع لكيف تكون الزوجة المسلمة ، صدقا في الشعور ، ووفاءا في التعامل ، وحفظا للزوج ومكانته ..


استبدلت بلادها الراقية وأهلها المنعمين والحياة السهلة بعبد الله الطيب ، فجعلته وطنا وأهلا وحياة ورسالة ..
أيام طيبة جمعتني بها في مشروع عظيم وهبت له بقية عمرها بعد رحيل زوجها ، وهو كتابة برنامج دراسات في القرٱن الكريم الإذاعي ليكون تفسيرا مكتوبا .
كانت لنا وإبنتي رهام معها قصة بديعة أضافت إشارة لما هو معروف عنها من الإنسانية ورقة الشعور . لكنني أبدأ بقصة الرسالة التي وهبت لها الراحلة العزيزة جيرازيلدا بقية عمرها كما قالت لي .
كنت مستشارا إعلاميا لهيئة الأوقاف الإسلامية ولاية الخرطوم ، وكان مديرها العام الدكتور حمزة الشيخ محمد صالح ، وكانت تتبع لوزارة الإرشاد والأوقاف .وكان وزيرها ٱنذاك الدكتور عثمان البشير الكباشي .
تحدث معي سعادة اللواء أحمد محمد موسى المدير العام الأسبق لبنك أم درمان الوطني والأمين العام للهيئة الإقتصادية الوطنية عن أهمية تحويل برنامج دراسات في القرٱن الكريم إلى تفسير مكتوب . فاعجبتني الفكرة ، وتوجهت إلى دارها في منازل جامعة الخرطوم في بري شرق دار الشرطة التي كان استمرار إقامتها فيها بعد رحيل زوجها منها موقفا مشرفا كريما من الدولة ومن إدارة الجامعة .
طرحت عليها الفكرة فقالت لي : إن هذا المشروع كان ٱخر أمنية من أمنيات عبد الله (هي تقول عنه عبد الله مجردة من الألقاب . ربما لأن إسمه كان عندها هو الدرجة الأعلى) وأردفت : أنا الٱن وهبت عمري الباقي ليرى هذا المشروع النور .
طرحنا المشروع في هيئة الأوقاف الإسلامية فرحب بها مديرها الدكتور حمزة الشيخ أيما ترحيب ، وقرر أن تتكفل الهيئة بتمويل المشروع كاملا . وعرض الأمر على الوزير د. عثمان البشير الكباشي فوجه بالشروع فورا في تنفيذه ، ووعد بتذليل العقبات التي تواجه تنفيذه .
إنطلقت مسرورا إلي بيتها عصرا ، وبرفقتي إبنتي الكبرى رهام التي كانت مديرة مكتبي الخاص . وجدنا مع جيرازيلدا ضيوفا مجموعة من أهل بروفيسور عبد الله الطيب من أبناء وبنات إخواته وإخوته . أكرمونا كشأن أهل الدامر ، ورحبت بنا بلطفها ورقيها المعهود . بشرناها بقرار مدير الأوقاف ومباركة الوزير .. تهللت وسرت سرورا عظيما .. قالت لي : (المشكل الوهيد) المشكلة الوحيدة ستكون في الإذاعة فهي ترى أنها المالك للبرنامج ولا يحق للغير التصرف فيه .
قلنا لها : هذه مشكلة يمكن حلها بالحفاظ على كل حقوق الإذاعة الأدبية والمادية . ونثق في حسن تفهم أدارة الإذاعة ، كما يمكن إستصدار قرار من قيادة الدولة المخولة لإنفاذ المشروع .
صلينا المغرب وخرجت ابنتي قبلي ، وكنت منهمكا مع جيرازيلدا في بقية حديث . فجأة إقتحم الدار رجل يصيح : البنت الطلعت من بيتكم وقعت في المجرى !!!
أمام باب الدار مباشرة مصرف الأمطار الرئيسي في بري وعليه معبر منحدر زلق وهو مبني بالطوب وعمقه أكثر من مترين .
انخلع قلبي فهذه ابنتي فقفزت داخل المجرى المظلم العميق لأجد ابنتي جالسة في وحل كريه في قاع المحرى . لم أعرف ماذا أصابها لكنني طمأنتها أولا وحاولت ايقافها فلم تستطع . صحت بالناس الذين تجمهروا ان ينزلوا لي كرسي فأنزلوه . ونزل شاب من أهل د. عبد الله فحملت ابنتي وأجلستها على الكرسي ورفعها معي حيث تكاتف من بالخارج لرفع الكرسي .
انطلقنا صوب مستشفى الشرطة فأسرعوا بفحصها وعمل الأشعة اللازمة ليجدوا أن الأمر مجرد تمزق في الأربطة والعضلات وأن العظام سليمة .
عدنا إلى دارها ومعنا من رافقنا من أهل الدامر من رجال ونساء .
أصرت أن تبدل لها ثيابها من ملابسها وملابس قريبات البروف وقد كان . امسكت بيدي وقالت لي بلهجة حازمة بلكنتها البريطانية وقد تجاوزت ٱنذاك الخامسة والثمانين : انت بكرة لازم يجي يكلمني رهام كيف . انا بكون متذكرة طوالى ومشغولة .
من عجب أنني لم أعلم أنني أصبت في قفزتي في المصرف حتي وصلت بيتي لأجد الدم ملبدا في بنطلونى الممزق من جرح في ساقي إضافة إلى أورام وكدمات في عدة مواضع من جسمي لا أذكر ولم أشعر كيف حدثت !!!
اليوم الثاني تحاملت على نفسي وذهبت إليها لأطمئنها على رهام ، فسألتنى عنها وعن حالتها وعلاجها ، وهل أمها اطمانت عليها . وعند إنصرافي خرجت معي حتى باب الدار حيث قالت لي : افتح يدك . ففتحت يدي فعقدت أصابعها على شفتيها في قبلة علىوضعتها في يدي وقالت : (هد ودي لرهام) .خذ هذه اعطيها رهام . وقد فعلت .
هي زوجة بروفيسور عبد الله الطيب ، وقد تحملت مسئوليتها ، وأدت دورها بأمانة ونجاح ومسئولية عالية .
عاجلتها الأيام فلم تتمكن من إكمال الرسالة ، وتحقيق ٱخر أمنيات الراحل الكبير . لكن الأمر لن يتوقف هنا فأنا واثق أن في بلادنا الرجاء وفي رجالها الخير . وسنوالى الحديث غدا إن شاء الله عن هذا الموضوع بالغ الأهمية عل أمنية بروف عبد الله الطيب تتحقق ورسالة جيرازيلدا تكتمل .
الف رحمة ونور تغشى قبريكما وأن يتنزل عليكما الرضا والرضوان .

محمد أحمد مبروك

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى