مقالات

محمد احمد مبروك يكتب : ديل كلهم ما حا يحكموا !!

سطور ملونة

ديل كلهم ما حا يحكموا !!

الجميع يتوهمون أنهم سيصلون إلى مقعد السلطة ، ويقفزون بأحلامهم إلى المناصب وإمتيازات الحكام . وهم لا يعلمون أن هذه المرة مختلفة جدا عما سبقها . وأنه دون كراسي الحكم خرط القتاد ومضغ الحصى !!
والحالمون الواهمون هم في الحقيقة كل الأحزاب والمكونات السياسية الموجودة الٱن في الساحة . وكلها تدعي الوصاية على الشعب ، وأنها الممثل الشرعي له .. وكلها تدعي أن الٱخرين دخلاء ولا يمثلون شيئا .. وكلهم ينادي بالديمقراطية والحرية وسلطة الشعب المدنية ، والعمل السياسي السلمي وكفالة حرية التعبير ..
كلهم كذابون .. نعم كلهم كذابون ، ومخادعون ويعلمون تماما زيف حديثهم وخداعهم للناس .. وكلهم جاهلون بالسياسة ، وكافرون بديمقراطية لا تسلمهم السلطة وتأتي بغيرهم . وكلهم إنقلابيون ، لكنهم يرفضون الإنقلاب العسكري إذا فعله غيرهم ..تمهل وليكن صدرك رحبا ، وسأقول لك كيف .
دعنا نبدأ بجماعة اليسار وهم الحزب الشيوعي وحزب البعث . وهذه أحزاب حقيقية لكنها بلا قواعد . ذلك أن طرحها الفكري ليس مرفوضا فقط عند الغالبية الساحقة أن لم نقل كل الشعب ، بل أنها تصنف في خانة العدائية الشديدة . وهم أنقلابيون بما لا يحتاج إلى دليل ، فقد نفذ الحزبان كل على حدة عدة إنقلابات عسكرية ، فلا يعقل أن يقبل منهم عاقل شعارهم الجديد ( لا لحكم العسكر ) .
أما برنامجهم الذي إنكشفت أسراره وأصبح من المعلن الذي يعرفه الجميع ، فهو برنامج مرفوض من حيث المبدأ ، ودون تنفيذه الرقاب والدماء وهو إستئصال الإسلام من السودان ، وإقصائه تماما ونهائيا من حياة الناس ، وإقامة دولة علمانية صرفة .
وقد استعجلوا كشف أوراقهم حيث أنهم استغلوا فساد واختلال حكم الإنقاذ فى مراحلها الأخيرة ، ليشوهوا صورة الإسلاميين عموما ، لكنهم سرعان ما إنتقلوا إلى الإسلام نفسه ، ينتقدون قرٱنه ، ويطعنون في تشريعاته . بل عمدوا إلى تعديل التشريعات وتعديل المناهج وتصفية المؤسسات الإسلامية دون تمييز .
وقد ولد ذلك ردة فعل عنيفة من الرأي العام ضدهم ، وخلق تعاطفا مع الإسلاميين عموما وزادت حدة التعصب للدين .
هؤلاء إنسد الباب أمامهم الٱن لحكم ( أوانطة ) بدون إنتخابات ، وفشلت مساعيهم للحكم بالقوة عبر المظاهرات وإغتيال الشباب ، وتٱكل سندهم حتي أصبح لا يؤبه له ، ولا يشكل قوة ضغط على السلطة السيادية الإنتقالية . أذن هؤلاء لن يحكموا بكل تأكيد . إذن من يحكم ؟
دعنا ننظر إلى الأحزاب المتهالكة القديمة تجد أن وضعها أسوأ من اليساريين الذين يتفوقون عليها بأن لهم هياكل منظمة وبرامج فكرية وإن كانت مرفوضة . ويمكن القول بكل تأكيد أن ما كان يعرف بالحزبين الكبيرين الأمة والإتحاديين أصبح تاريخا لا وجود له على أرض الواقع . فقد مرت تحت الجسر السياسي أنهار وأنهار غيرت الخارطة السياسية في السودان تماما ، وأوجدت وضعا جديدا غطت عنه قيادات الحزبين عيونها حتى لا ترى أنها اصبحت بئرا معطلة وقصرا مشيدا بلا سكان !!
القاعدة التي كانت تتبع ( سيدي ) في الحزبين رحلت الى الدار الٱخرة وجاء جيل متعلم يبحث عن فكر يلائم العصر ، وبرامج تنهض بالوطن ، ومشروعات تحل مشاكلهم وتوفر لهم العيش الكريم .
ومن عجب أن هذه الأحزاب غارقة إلى أذنيها في الإنقلابات ومع الإنقلابيين . وقد تشرف حزب الأمة في دعوة الجيش لعمل أول إنقلاب عسكري في السودان نفذه عبود وأيده الحزبان ودعماه بلا حدود .
وعندما تولى نميري السلطة قاوموه ونازعوه ، ثم صالحوه واعترفوا بإنقلابه ، وشاركوه الحكم ، وجلسوا ليس فقط في مقاعد الوزارة إنما في قيادة تنظيم مايو الإتحاد الإشتراكي الذي أصبح الصادق المهدي في لجنته المركزية العليا . وقال في النظام الحزبي ما لم يقل مالك في الخمر ، وما لم يقل اليساريون والعلمانيون في الإسلام .
وعندما استولى الإخوان المسلمون على السلطة بانقلاب البشير ركب الحزبان سروج الانقاذ بسرور وفخر ، ومثل إخوانهم اليساريين أكلوا في موائد رجال الإنقاذ ، وملأوا جيوبهم من مال تنظيمها ودولتها ، واعتلوا أرفع المناصب في سلطتها .
هم الٱن كيانات خاوية . لذلك يتحاشون قيام انتخابات خشية أن يفوز بها الإسلاميون .
وليس لدي الحزبين استراتيجية وبرامج شاملة تشمل كل مشكلات الوطن ، ولا فهما صحيحا للمشاركة يؤهلها للحكم لذلك سارعت بنيل حصة من حكم ( الاوانطة ) ، وأصبحت داعما لليسار لأنهم يلتقون في ضعف قواعدهم ، ويائسون من إنتخابات . وليس لديهم فرصة إلا بإقصاء الجيش والحكم أوانطة في فترة انتقالية مدتها عقد من الزمان قابلة للتجديد !!
هؤلاء ضاعت عليهم الفرصة وهم ليسوا مؤهلين للحكم لا الٱن ولا بإنتخابات . إذن من يتولى الحكم ؟؟!!
انظر للأحزاب النيف ومائة حزب والتي يتفوق عليها الحزبان المتهالكان بأنهما على الأقل لديهما تاريخ بائس وتجربة حكم فاشلة . فهم لا تجربة لهم ولا فكر ولا منهج ولا برامج عمل ولا نهج لحل مشكلات السودان وتحقيق نهضته وليس لهم نشاط سياسي وسط الشعب ولا قواعد جماهيرية . إنهم أشبه بكوم من النمل مربوط في كيس يفورون داخله ويتحركون على غير هدى وهم يظنون إنهم يسوسون السودان العظيم .. بعيد كل البعد أن يشارك هؤلاء مجرد المشاركة في حكم السودان .. إذن من يتولى الحكم ؟
انظر إلى الإسلاميين الذين ه‍م الإخوان المسلمين والجماعات الأخرى الداعية إلى اتخاذ الإسلام منهجا للحياة وللحكم . وتشمل طوائف وجماعات من المتصوفة وما يعرف بالسلفيين .
هؤلاء كسرت الإنقاذ ظهرهم بتقديم نموذج سييء للحكم . ودولة بدأت ناجحة طاهرة إلتف الشعب حولها ووجدت تأييدا كبيرا وأحدثت تحولا فكريا عميقا وأحدثت ثورة ضخمة للتنمية والبناء . لكنها إنحرفت بسرعة عن طريقها القويم ، وحادت عن جوهر الدين ، ومنهج الدولة الإسلامية الراشدة . وابتلعت شهوة المال والسلطة كثيرا من رجالها الأبرار الأطهار ، فانغمس كثيرون في المال الحرام ، وأفسد كثيرون السلطة ومنهج الحكم ، فأطغتهم السلطة والمال . ثم تنازعوا السلطة وانشقوا وبدت بينهم العداوة والبغضاء . فأضروا بفكرة الدولة الإسلامية ، وأضروا بمنهج الحكم . وبدأ إنهيارهم الذي أدى لسقوط حكمهم . ومضى البشير منذ انشقاق الإسلاميين يقصي الإخوان المسلمين حتي لم يبق من حرس التنظيم القديم سوي قلة يتبادلون المواقع ، ويتناقصون كلما أقصى البشير بعضهم .. وانتقلت القاعدة العظمى الى رصيف الإعتزال السلبي .
وبعد سقوط الإنقاذ لم يعيدوا تنظيم أنفسهم أو ينتقدوا تجربتهم أو يعترفوا بفشل قيادتهم والتزموا السلبية حتى في الدفاع عن أنفسهم أو عن الدين الذي أصبح مستباحا للنقد والنقض والسب والإهانة . ولم ينجحوا في تطوير قاعدة الشباب العريضة ذات التوجه والأشواق الإسلامية وما زالت اعينهم مشدودة إلى علي كرتي المتحدث الوحيد بإسمهم الذي يطن فينة بعد أخرى من غياهب الظلام الذي يتخفى فيه .. إذن هؤلاء الٱن ليسوا مؤهلين للحكم رغم أن أطروحاتهم هي الأقرب إلى وجدان الشعب . إذن من يتولى الحكم ؟
يمكن القول بكل تأكيد أن تولى السلطة في هذه المرحلة اصبح أشبه بالورطة للجيش . وأصبح لا مناص من أن يتولى السلطة حتي تقوم أحزاب حقيقية ، بمرجعيات فكرية ، ومنهج محكم للسلطة ، وبرامج محددة لحل مشاكل السودان وتحقيق نمائه ، وحد أدنى من قواعد جماهيرية . ويحدد كل ذلك في قانون للإنتخابات . وفي نفس الوقت يوقف الفوضى وإنفراط الأمن ، ويكف أيدي التدخل الأجنبي .
ولن يتأتى ذلك مالم يتعامل الجيش بحزم لتنفيذ مهامه الوطنية في حماية أمن الوطن واستقراره ويترك الإنسياق وراء الدعوات الجوفاء بديمقراطية زائفة وسلطة مدنية بلا محتوي . ويصرف كل الأحزاب والكيانات السياسية إلى دورها الحقيقي والوحيد بتنظيم نفسها ، وإصلاح هياكلها ، ووضع برامجها ، ودعوة الشعب إليها ، والتنافس في توسيع قواعدها إستعدا لإنتخابات لا يحدد أمدها بتاريخ إنما بتأهل الأحزاب لخوضها .
غدا إن شاء الله ومد في الأيام ننظر هل الجيش مؤهل لإدارة البلاد وحده حتى الأنتخابات.

محمد أحمد مبروك

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى