د. عبدالفتاح سليمان يكتب : في وداع صديق احمدا لاحزان غشتني والنوم لى يضرو

د. عبدالفتاح سليمان يكتب : في وداع صديق احمدا لاحزان غشتني والنوم لى يضرو
كفاية يومين بدونك على الحسرة مرو
حالي صبح يحنن العدو مايسرو
الاحزان غشتني والنوم لى يضرو ..
متأنق في ملبسه بعمامته الناصعة البياض، حين يقف شامخا بقامته المديدة المعتدلة التي تحركها النغمات، بكبرياء ينفر من الخيلاء يدور على قدميه بكل مهابة حين يستبد به الطرب، ناقلا جمهوره إلى أزمنة أحلامهم ومواجعهم وآمالهم وافراحهم على نغمات الربابة وإيقاع الدليب الهادر .
الفن عنده ليس منفصلا عن روحه تحسه يغني بصوته وروحه وجسده -عقله وقلبه، كأنما شمساً تضئ في اعماقه كلما لامست أوتار الربابة احساسه الداخلي .
اختارصديق احمد التاجر طريق الفن بعد أن احس بقيمة موهبته من على عرض النهر بين الرواويس حيث تعلم العزف على الربابة في المراكب السائرة على عرض النيل جيئة وذهابا، ومن يومها حجز مقعده كرائد للجيل الثاني للطمبور بعد النعام آدم .
ثنائية الحزن والحب متلازمة عنده وهى واحدة من ملامح فنه وإبداعه .
تغنى للعديد من شعراء اغنية الطمبور يأتي على رأسهم السر عثمان الطيب، وعبدالله كنه، وابراهيم ابنعوف، ومحمد سعيد دفع الله، وبرير الحسن، وأحمد سليمان طه،
وصولا إلى شعراء الاغنية الحديثة ك: عزمي احمد خليل، لكن هناك ماهو أهم من ثنائية فنان بشاعر، وهى العلاقة التي جمعت بين صديق احمد و شيخ شعراء الطمبور شيخ العاشقين وشاعر منحنى النيل الشاعر الكبير عبدالله محمد خير
يازينوبة ابوكي اصلو حالو بره
لو قاري العلم لو هو سيد خبرة
مالو إن كان صبر
كل الخلوق صابرة
والصابرات روابح
لو يجن قماح .
وقد اختلف الرواة حول أغاني الطمبور لكنهم اجمعوا على ثرائها ومفرادتها وحسها النغمي المميز.
الرحالة يوهان لو فيج بركهارت في كتابه الذي صدر عام 1819 ذكر أن الآلة الوحيدة التي رأيتها في بلاد النوبة لها خمسة أوتار مكسوة من جلد الغزال وهى آلة مفعمة بالمليوديات .
ويقول الباحث العراقي الدكتور صبحي الرشيد أن الطمبور اختراع عراقي انتقل إلى روما واليونان ثم إلى مصر والسودان ، غير أن الرحالة الدنماركي كارستن نيبور ذكر أنه شاهد طمبورا في دنقلا سنة 1776 وهو مايتفق مع ما ظل يردده الموسيقار الكبير الفنان محمد وردي، من أن الطمبور أصله نوبي، و مع ماذهب إليه الدكتور نزار
غانم بأن الطمبور انتقل من بلاد النوبة إلى سواحل البحر الاحمر وباب المندب وعدن جنوبا، إذ كثيرا ما يرد ذكر سواكن في أشهر رقصات ( الطمبورة اليمنية ) في اراجيز رقصة النبوان الخليجية ؛ ويدلل على ذلك بأن معظم أغاني السمسمية في تهامة وعموم الجزيرة العربية تقوم على السلم الخماسي .
وربما تأتي صحة ذلك من أن اشهر فناني الطمبور هو من منطقة دنقلا وهو ود صليليح .
وقد ألفت العديد من الدراسات حول فن الطمبور يأتي على قائمتها مؤلف المرحوم عثمان علي كرار ( أغاني الطمبور حس الساقي ) . وتشير اغلب الدراسات أن الطمبور عرف في منطقة الشايقية في القرن التاسع عشر،
حيث ذكر الباحث والشاعر والاعلامي المرحوم قرشي محمد حسن في كتابه ( عن المديح النبوي ) أن الحان المديح التقليدي هى الحان القرن قبل الماضي ( يقصد القرن التاسع عشر ) . ويظهر ذلك في أغاني حاج الماحي،
الذي كان في شبابه الباكر مغنيا حسن الصوت قبل أن يتحول إلى مادح، حيث خصص شعره في مدح الأماكن المقدسة ومدح المصطفى عليه افضل الصلاة وأتم التسليم . وكان والده مادحا عاشقا لأنغام الطار وصديقا مقربا لشاعر الشايقية ومادحهم علي ود حليب .
ومن أغاني حاج الماحي :
ياقزاز الرومي الرهاف
والعطر في بطنو بنشاف
عاشة حبة دم الرعاف
شالا زولا قالو ختاف
خلا ناس التوم في سراف
ومكوي ود داؤود كى خلاف.
إن أغاني الطمبور رغم أنها استوطنت واشتهرت في ديار الشايقية إلا أنه ساهمت في حملها قبائل شتى مقيمة ومجاورة ك البديرية والمناصير والرباطاب والهواوير والحسانية والكبابيش، بل أن كثيرا من فناني وشعراء أغنية الطمبور ليسوا كلهم شوايقة إنما هم جمع من كل هؤلاء واولائك ك: النعام آدم، وعبدالرحمن وقيع الله الشهير ب عبدالرحمن بلاص، ويس عبدالعظيم، ومحمد جبارة، ومحمد كرم الله، وعثمان عبدالعظيم، وصديق احمد.
ومن أشهر شعراء الطمبور عبدالله محمد خير، وهى أغان جمعت بين حب الوطن وعشق الارض والطين والعاطفة تجاه الوطن والمحبوب فنقلت أغنية الطمبور من المحلية إلى رحاب الوطن.
وقد ارتبطت أغاني الطمبور بالسواقي والجروف والشادوف فكان لها أثر واضح في مضامين تلك الأغنيات .
ومما أورده الأديب الروائي الطيب صالح في عرس الزين
ابوك تعبان يفرز في الهواليق
يسوق الساقية في الفجراوي فكة ريقو دفيق
يفتل في الحبال ماخلى شيتا اسمو عشميق
انت أتاريك في بلد الترك ولدا مطيليق ياخسارة عيشنا ما اكلو الجراد والحكمة متيق .
ومما قاله بعض شباب الشايقية في رباعياتهم
قعاد في البلد ساكت تعابا
خانقين البقر واخدين حسابا
ومن أجل أن يلتقي بالمحبوب قال شاعرهم :
إن شاء الله الطريق دايما ملمات
يوما فرح ويوما فلان مات
فشان تطلع قصيبتا توره قنات
وفي الغزل يشدو صديق احمد في رمية له :
دايري اللمبة شن بتسوي بيها اللمبة
هديك اللمبة لكن قالو اللمبة بقاقة
ياريت اللمبة لو بتحس
وتشعر بالأيادي الناعمة لما تمس
كان اللمبة لا بتبق ولا بتمل
حتى لو كان شريطة كمل وجازه يبس
………
تمري المانجض دفيقو جوهو اتقسموهو وراحو
ماعارفين شقيت بى دربو …
بالحق لى نفوسن اباحو
تعبان يوم رميت شتلاتو ناموا منعمين وارتاحو
صنقر في الهجيري حرستو فد يوم جنبي تب مالاحو
حدر لى جداولو سقيتو بى وش القباحة اشاحو
يوم سل الجراب وانشق .. شميت لى عطورو الفاحو
شفت جماعتي قاموا اتلمو كل واحد يزيد في صياحو
واحد قال نقسمو علينا واحد قال كتيري ارباحو
فت خليت حقوقي ورحت لى ناس بالعدالة اطاحو اشكيلن عذابي البى قاضيهن تصيبو رماحو
اتوكل على الله صبرت هو المن خلقو اقوى سلاحو ينصر للضعيف في الدنيا كان الهم كتر واجتاحو
كم ولهان عليل انا زى يكتر في الليالي نواحو
يطرا الخالقو ينصح تاني ساعة الموت تحوم اشباحو
حزنان الدباس في فريقنا ماطول نهار افراحو
رحم الله صديق احمد .. مسكيني البلد شن فيها عاد فضل.
شن طعم البلد غيرك بلا الحنضل .
احببناه حتى في غنة صوته الدافئة كان يقوقي من حنجرة فائقة العذوبة ندية بالشجن .
عديلة عليك تمشي محل ماتمشي تمشي
ياعديلة ابقيلو زى الغيمة رشي.