مقالات

د.عبدالسلام محمد خير يكتب : التداوي بالإعلام

التداوي بالإعلام
مفاجأة على الهواء بددت هجمة التوتر الصباحي المعهود بلا مبرر إلا إنه من صنع أيدينا..الضيف باغت المذيعة بأريحية لا تشبه طقس الأستديوهات، فتغيرت ملامحها تماما وكأنها(ما صدقت)!.تلقائية مدهشة،مشتهاة..إن ظاهرة(الخروج من النص)هي أقصى ما اشتهاه الناس وقد إستبد بهم الكلام المكرر أينما اتجهوا بالريموت وغيره،فالمواجع بانتظارهم..وليس هناك ما هو أوجع من طلة مكررة ومفردات بائسة وأفكار منتهية الصلاحية مع إن الموضوع المطروح فى غاية الأهمية، بل الخطورة..فهل هنالك ما هو أخطر على البلاد والعباد من التزاحم على(وصفة) التدخل الخارجي والتردد فى التعاطي مع(لقاح) كورونا؟!.
فاجأنا ضيف برنامج(صباح الخير)بالقناة القومية الإثنين الماضي بأن ترك موضوعه الخطير جانبا ليثنى على أداء المذيع الذى قرأ عناوين الأخبار من الأستديو الآخر!..فكأنما هذا هو الخبر-مهني يتقن مهنته،والحال كذلك!..محور إعجابه هو طلة المذيع ونبرته المميزة وهو يقرا اخبارا مزعجة(على الريق)بشكل(عادي)!..مداخلة الضيف ظريفة، لكنها ليست واردة بحسابات برنامج على الهواء محكوم بلائحة(إسكربت)كأية مسرحية على الخشبة، فلا مجال لغير ما هو مكتوب- إلا فى حالة عادل إمام،ومثل هذا الضيف!..مشروعية هذه الاشادة أنها صدرت تلقئيا عن ضيف منضبط مهنيا وكلماته محسوبة،فهو مختص فى نشر الوعي بمخاطر جائحة أقلقت البشر..فكأنما الرسالة الإعلامية الحاسمة فى كل الظروف هي(معنوياتك)- ما يجبر الخاطر..فلو أن كلا منا لاحظ مزايا غيره وأشاد بها لفاضت المعنويات فى الصدور مكمن الداء هذا تحديدا..العجب أن الكل أعجب بهذا(التفلت) واعتبره(فلته)..شاع المرح داخل الأستديو وخارجه..إنها قناة تجد من(يعبرها)، فجعلتني من المشاهدين الذين(بقوا معها)طواعية تلقاء هذه اللمسة(خارج النص)و(خارج الصندوق).
مهنيا(الدنيا بخير)..هذا الضيف وصل الأستديو فى ظروف معقدة محتفظا بمعنوياته يوزعها على الناس..مختص بصحة ولاية الخرطوم ظهر إسمه على الشاشة، الدكتور صلاح حسن حاج موسي..شرح منشرحا الأطوار المخيفة للجائحة وكيفية التعامل معها من جانب الدولة والافراد..عن طريقة التعامل معها إعلاميا ضرب مثالا للتعافي من الأمراض الفتاكة والاخبار المحبطة من خلال بشاشته وأسلوبه فى المخاطبة وعرضه للمعلومات..منهج أساسه الترغيب وتبسيط المعلومات وبث الطمانينة واليقين..إنه عنوان أي برنامج وراءه فريق ذكي وتقديم(ملهم)-نبرة وطلة وفهم ومبادرة..أيضا هناك رسالة بثها من خلال ملاحظته لأداء مذيع الأخبار..أعطى انطباعا بأنه ممن يتمتعون بخاصية الإهتمام بالآخرين واستحسان أداء من أحسن..ففى ذلك تحفيز لمعنوياتهم..معنويات(بلا قروش)تشكل جزء من(روشتة)مواجهة الكوارث..إن الإنسان فى حاجة لإرشاد ناجع للتعاطي مع دواء فى صالحه ويمكن(تجرعه)عبر إبتسامة من هو أمامه،بطلة مريحة وروح مستبشرة- على شاشة أو بالعيادة أوالبيت،أو حيث كنت،فالدنيا بخير.
أما المذيع فهو(محمد أحمد الشيخ)..الإشادة بطلتة المريحة ونبرته المميزة جاءت عابرة لكني رأيتها مستحقة،بل كانت وجبت من جانبي حين إختاره المخرج الكبير أبو الحسن الشاذلي ليقرا نصا كتبته لفلم وثائقي بعنوان(تلفزيون السودان أصل الحكاية)بمناسبة العيد الذهبي للتلفزيون2012..عجبت لإختيار شاذلي، فهو وقتها مذيع جديد يترسم خطاه فى أثر العمالقة من مذيعي الأخبار..وضح خلال أدائه لمادة الفلم أنه جدير بالإشادة فعلا،كما استحقها الآن من ضيف حقاني منصف لا يعرفه..وفقهما الله،فلقد ضربا مثلا لتعافى الأجواء إعلاميا ومهنيا وإن(تعكرت) بنوازع أخرى عارضة- أزالها الله.
توارد الخواطر هذا يجدد الإحساس العام بحيوية الإعلام وتاثيره ايجابيا فى مجريات الأحداث، لا فقط تغطيتها ونشرها وقد تعددت الوسائط واصبحت فى متناول الناس بل فى أيديهم أينما حلوا..واقع الحال اليوم أن وسائل التواصل الإجتماعي عبر شاشة الموبايل فى الجيوب هي إعلام جديد متاح للكافة متحرك لا يرعوي(لعراب)أو يتماهى مع سلطة..يتيح تبادل الرسائل من كل نوع وكيفما اتفق..الكل إعلامي لا حدود لحريته- إلا ضميره.
هكذا،الإعلام تأثيره بالغ..إنه يمس كل قضايا البلد، فلا حلول لهذه أو تلك بلا إعلام..به تتقوى المجتمعات والدول- كما نرى حولنا..الوجدان العام يلح لأن يتنادي المجتمع والدولة إلى رؤية استراتيجية تعالج القصور وتحفز للأفضل..هنالك شاكون من تقليدية فى الطرح ومن تواضع فى الإضافات..وهناك متضررون من سلبيات لفضاء مفتوح بلا رحمة،بلا واعز-إشاعات،أخبار زائفة،نزعة لكراهية دخيلة،ثم جيل يتشكل بعيدا عن ذويه،عن هويته..هناك إيجابيات،منها نشر المعرفة،التقارب،رأي يلازمه رأي آخر..السؤال هو كيف نعزز الإيجابيات وتتلاقى الجهود حول معالجات للخطاب العام عبر إعلام معافى يحاصر السلبيات قبل أن تتفاقم وتنعكس على حاضر تخنقه الأزمات،وعلى أجيال منتظرة كحل؟..هناك أساسيات متفق عليها،منها تدفق المعلومات،المهنية،المصداقية،النويا الخيرة،وخطاب(بالتى هي أحسن)..إنها رهان الإعلام الشافي عبر فضاء مفتوح وسباق شرس وفتن مثل قطع الليل- ولاحول ولا قوة إلا بالله..كيف يتأتى هذا، إعلام يداوي لا يفلق؟!.
د.عبدالسلام محمد خير

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى