د. الشاذلي عبداللطيف يكتب: .. ترانيم الظلم..حين ينادي الوطن: رسالة إلى ضمير رأس المال السوداني

د. الشاذلي عبداللطيف يكتب: .. ترانيم الظلم..حين ينادي الوطن: رسالة إلى ضمير رأس المال السوداني
ليس الوطن فكرةً تُستدعى في الخطب، ولا نشيدًا يُردَّد عند المنعطفات، بل هو امتحانٌ دائم للضمير. وحين تضيق الأرض بأهلها، ويثقل الجرح في الجسد السوداني، يصبح السؤال أكبر من السياسة، وأعمق من الاقتصاد: من يقف حين يتراجع الجميع؟ ومن يسمع نداء الوطن حين يخفت الضجيج؟
السودان اليوم لا يطلب المستحيل، ولا يستجدي العطف، بل يستنهض أبناءه القادرين ليكونوا حيث يجب أن يكونوا. ورجال الأعمال، بما يملكون من قدرة وتأثير، يقفون في موضع لا يُشبه غيره؛ موضع الشريك لا المتفرّج، وموضع المسؤولية لا الحياد. فالمال في لحظات المصير ليس ملكًا خاصًا فحسب، بل أمانةٌ تُختبر قيمتها ساعة الشدة.
في الذاكرة الوطنية، لم يُبنَ السودان بسواعد الدولة وحدها، بل بتكامل الأدوار، وبحسٍّ جمعيٍّ جعل من الوقوف مع الناس شرفًا لا منّة. كل مشروعٍ أعاد الحياة إلى قرية، وكل مبادرةٍ أسعفت مريضًا، وكل دعمٍ أعاد طفلًا إلى مقعد الدراسة، كان لبنةً في جدار الوطن، وسطرًا صامتًا في كتاب الوفاء.
ليس المطلوب موسمية العطاء، ولا حضور الكاميرات، بل نهجٌ وطنيٌّ واعٍ يجعل من المسؤولية المجتمعية فعلًا مستمرًا، ومن الاستثمار في الإنسان خيارًا استراتيجيًا. فالوطن الذي لا نحمي إنسانه اليوم، لن يحمي استثماراتنا غدًا، ولن يكون أرضًا صالحة للحلم أو النمو أو الاستقرار.
رجال الأعمال السودانيون مدعوون اليوم لأن يكتبوا فصلهم الخاص في هذه اللحظة الفارقة؛ فصلًا لا تُقاس صفحاته بالأرقام، بل بالأثر، ولا يُحفظ في الدفاتر، بل في وجدان الناس. أن يقولوا بالفعل إن السودان ليس سوقًا فقط، بل بيتًا، ومن لا يحمي بيته لا يلوم الريح إن هدمته.
سيهدأ الغبار يومًا، وتُطوى هذه المرحلة، ويبقى السؤال معلقًا في ضمير التاريخ: من كان مع الوطن حين احتاج أبناءه؟ والإجابة الصادقة، وحدها، هي التي تصنع الخلود المعنوي، وتمنح المال شرف الانتماء، وتُعيد للسودان بعضًا من حقه في أبنائه.





