الفنان / علي مهدي يكتب :عرس الزين.. من (كرمكول) إلى مهرجان (كان) السينمائي
الفنان / علي مهدي يكتب :عرس الزين.. من (كرمكول) إلى مهرجان (كان) السينمائي
الخرطوم: العهد أونلاين
عرس الزين.. من (كرمكول) إلى مهرجان (كان) السينمائي.. وعروض مسرحية من الفاشر ونيالا والجنينة دار أندوكا إلى باريس ونيويورك ومانيلا واشتوت غارد وإسطنبول وما بينهما
مشيت على السِّجادة الحمراء في مهرجان (كان) السينمائي الدولي.. انظر، ثم أرجو النظر أن يطول، وأتأمّل، وتمشي الهوينا جميلة السينما الإيطالية (صوفيا لورين) أمامي
فسبحان الذي فتح الدروب من (ود نوباوي) إلى الشاطئ (اللا زوردي).. نعم.
مسرحيتي (عرس الزين) لسيدي الطيب صالح، يوم عرضها على مسرح (السلام) في قلب القاهرة، أتاحت فرص تلاقي النجوم الكبار الرواد المؤسسين، مع الشباب في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي
فرجة (بوتقة سنار) الأكثر انتشارًا بين عروضي الدولية.. من مدريد إلى بالتمور، ونيويورك، ونيوجيرسي، مانيلا، إسطنبول، والفجيرة، وطهران، وأديس أبابا، والقاهرة، وغيرها من مدن العالم.
فرجة (بين سنار وعيذاب) وعروضها من نيالا، الفاشر، الجنينة، عطبرة، المسرح القومي أم درمان، المتحف القومي، قاعة الشارقة، جبل أولياء، اشتوت غارد، مانيلا وباريس
عُدت يا سادتي منها، القاهرة التي نحب ونعشق، وفيها ومنها كانت بعض البدايات والاندماج في العمل الإبداعي العربي، والإسهام في التأسيس لأهم كيان عربي،(الاتحاد العام للفنانين العرب)، وتولي مسؤوليات فيه، تصاعدت حتى التعبير عنه وعنها فنون العرب إقليمياً، وبعدها إلى مستوى العالم.
تلك القاهرة التي أمضيت فيها بعض ايامي الماضيات، بين مسارحها، حيث قدمت تجاربي لأكثر من مرة، خمسة عروض، عرضت على مسرح السلام، ودار الأوبرا، والمسرح القومي، وهي عندهم العدد الأكبر لمخرج من جنوب الوادي، وذاك من علم الإحصاء والدقة. وأعود لها وتبيانها للجودة. أولها، إسهامي منظم ومشخّصاتي، ومساعد المخرج، لأكبر وأول عمل عربي مشترك تحت رايات الاتحاد العام للفنانين العرب، مسرحية (وا قدساه) للكاتب المصري يسري الجندي، وكنت وصديقي الفنان والمخرج الكبير الدكتور عصام السيد نعمل يومها مساعدين للمخرج والفنان الجميل الراحل منصف السويسي، وهو من الآباء المؤسسين للعمل العربي المشترك. قُدمت أول مرة على خشبة المسرح القومي في قلبها القاهرة. ثم بعدها على مسارح المدن الأجمل، في دمشق وعمان وبغداد، وتلك أيام ومسيرة نعود إليها، تعاظم ما في الدهاليز من حكايات ومعلومات تنفع في التوثيق. وكنت قبلها القاهرة في (باريس)، ما بين مكتبي في المبنى الثاني لليونسكو، الأمانة العامة للهيئة الدولية للمسرح ITI، وزيارة للمكتب التنفيذي للمدير العام لليونسكو، وإدارات أخرى ذات صلة بأدواري في ملف كتابة تاريخ أفريقيا العام. وقد التزمت قبل سنوات بالعمل معهم، وبشكل خاص من أجل طباعة النسخة الأخيرة من المجلد الكبير، وقد عملت اللجنة العلمية عليه لسنوات، واختتمت عملها هنا في الخرطوم ومدينة (مروي) التاريخية، وذاك كان أكبر إسهام للسودان في دعم العلوم والمعارف والتربية في أفريقيا، الآن بعد لقاء اللجنة العلمية لكتابة تاريخ أفريقيا في السودان مايو من عام 2015، تكون مناهج التعليم في أفريقيا تذهب في الاتّجاه الصَْائب، وتلك حكاية تكتمل يوم أعود (لباريس) قبل خواتيم العام، وموعدي مع المديرة العامة معالي السيدة (اودري اوزيل) وهي من المبدعين وعملت من قبل وزيرة للثقافة الفرنسية.
ثم في باريس أنت في حضرة عالم جليل أديب وكاتب ومترجم ولَه في الفنون تداخلات تركت تأثيرها على وجود السودان الثقافي فيها (باريس) من حيث علاقاته مع المؤسسات الفرنسية، وعشق خاص للتواريخ. سعادة السفير الدكتور خالد فرح سفير السودان لدى فرنسا ومندوبه لدى اليونسكو، انظر بعد وصوله بأشهر، افتتح متحف (اللوفر) الأشهر معرض الملك (ترهاقا)، بحضور معالي وزير الثقافة والإعلام والسياحة الفنان الموسيقار الدكتور جراهام عبد الله، وقد عرفته باريس قبلها بعقود، مبدعاً يقود العروض الموسيقية والغنائية في المعرض الكبير (ممالك على النيل).
الصديق سعادة السفير الدكتور خالد فرح سبق له أن رتْب يوماً كان سفيرًا للسودان في (باريس) قبل سنوات، أول لقاء ثقافي لاستذكار سيرة سيدي الطيب صالح، قدّم فيه من عرفه وعمل معه سنوات عمله القديم باليونسكو، من (نيويورك)، جاء سعادة السفير الدكتور الفاتح حمد من (نيويورك) وأحباب آخرون من مدن أقرب ومن الوطن المحب والعاشق لصاحب السيرة المحتفى بها، قدموا أوراقا نرجو أن يُسعد الحبيب سعادة السفير الدكتور خالد فرح الأحباب بجمعها في كتاب تذكاري. وأيامي الأخيرة فيها (باريس) على قصر الوقت، لكن برنامجي كان يضم لقاءً مهماً مع معالي المدير العام للمعهد العربي، معالي الوزير السابق للثقافة الفرنسية والصديق (جان لاك)، جاء رغم أنها يوم عطلة، لكنه يعشق الفنون والسودان، وقد عرفته لسنوات، وقدمني للأحباب في باريس من أهل السياسة، فيهم الحكام الآن وأصحاب مفاتيح العلاقات الإقليمية والدولية، وهو لا يخفي انشغاله بالسياسة واضح، وأرد عليه أقول
(أنا يا معالي الوزير منشغلٌ بالسياسات، وهناك فرق).
أعود أمشي نحو معهد العالم العربي، غير بعيد من جامعة (باريس) الثامنة، تخرج من (المترو) وتمشي قليلاً في اتجاه مكتبة (الشرق) الأشهر، أمامها واحد من مباني الجامعة، تفتح بعض الشرفات فيه على الميدان الفسيح لمعهد العالم العربي، عرضي الأخير فرجة (بوتقة سنار)، كان يتوسّطه تماماً، والجمهور يُحيط بنا يكمل الدائرة. فيكون المشخصاتية المركز، والجمهور الهامش. لكنها من حيث وقفوا هم المركز، والفرجة كلها هامشهم. وتلك حكايتي والشيخ، فحيث انا المركز وانت هامشي، وانت في أقل من كسر من الثانية مركز، وأنا الهامش. وتلك حكاية أخرى. وتلك الظهيرة لمحت الطلاب الأقمار على الشرفات الأنيقة. ما أن اهتاج الجمهور وهو يُحيط بالعرض، يتجاوب مع الغناء البديع في الفرجة، وتعطي ضربات (الدلوكة) إيقاعاً ساحراً، يجمع موجات نهر (السين) غير البعيدة لتصطف، لا تتزحزح، منطربة ونشوانة بمدائح السادات. تسمع الصيحات من أعلى وكأنهم مستوى آخر للمُشاهدة، وتلك من حظوظ تجارب المسرح الوطني – مسرح البقعة، وساهمت في انتشار عروض عديدة له حول العالم، وهو الأول من بين الناطقين بالعربية يوم عرض فرجة (بوتقة سنار) على مسرح (لماما) غير بعيد عن شارع (بردوي)، في المدينة التي عشقتها لأنها قدمتني للمُجتمع الفني الأمريكي، فقبل عروضي، ثم نظمت هناك أكثر من ورشة للتدريب على فنون (المسرح في مناطق النزاع)، ومُحاضرات ولقاءات يومها في (باريس) الحُسن والجمال، ولما كان الصباح باكراً، جلست إلى المقهى الأحب إلى روحي قبل نفسي، وهناك فرق أظن. وقهوتي جاهزة و(ساخنة ومغلية بدون وجه)، والتعبير ليس من عندي، سمعته من الأحباب فناني العصر، السيدة جميلة الجميلات (ليلى علوي) والسيدة الأطول الفنانة (يسرا)، كنا نمضي أياماً في (عمان) الجميلة، ونشهد لقاءً مع سيدي صاحب الجلالة الملك المعظم عبد الله بن الحسين حفظه الرحمن، وألف رحمة لروح الملك الكريم الراحل الحسين. يومها الوفد العربي كان كبيراً، مبدعين وإعلاميين، كلهم كانوا في عمان الجميلة بأهلها، ووقفت في حضرة صاحب الجلالة، أقول كلمة نيابة عنهم والوفد الكبير، فقلت ما قلت، ثم بعدها أسعدني تعليق جلالته، يوم تركت أوراقي الرسمية، خطابي مطبوع يومها على ورقة الأمين العام للاتحاد العام للفنانين العرب، وارتجلت كما يفعل (محمود ود الداية) في مسرحية (هو وهي) قلت.
(سيدي صاحب الجلالة، رحم الودود سيدنا الملك الشريف حسين سليل الأشراف الراحل، وكان بحراً ومحيط محبة، ونحن تُهنا في سواحلها، نجاهد أن نحيط بها، فكانت محبّته لنا ما لا يُحاط به. والآن يا سيدي ومحل ودي، نحن نرث معكم محبته، فخرج لنا حقن محبة وود، حلالاً بلالاً علينا، نعرف انها محبة من عندكم أصدق).
ووقفت أمشي نحو مقعدي، فوقف جلالته ومشى نحوي، فعدونا، ثم بعدها ذهبت لوداعه، فحظيت بصورته الشريفة هدية منه تزين ديوان بيت مهدي وكل مكتب لي حيث أكون وبخطه الجميل، كلمات طيبات.
ورجعت للبقعة المباركة وفي خاطري أن أكتب عنها تلك فرص العرض الكبيرة للمسرح السوداني عربيًا وأفريقيًا وعالميًا، انظر كيف بعد عرضنا في أديس أبابا جاءت ولأول مرة فرقة مسرحية إثيوبية لتشارك في المسابقة الدولية لمهرجان البقعة الدولي للمسرح، وكيف كانت عروضنا في أمريكا فرصة لتنظم إدارة مهرجان البقعة عروضاً للمسرح الأمريكي، ولأول مرة بعد غياب عقود من الزمان ذاك كان عرض موسيقى الجاز على خشبة المسرح القومي أم درمان،
ثم انظر كيف كان عرضنا في باريس الأول عربياً على مسرح معهد العالم العربي، تلك المبادرات الخلاقة للمسرح الوطني مسرح البقعة هي التي جعلت فرجة عرس الزين تضم أجيال الرواد والشباب في عرض كبير وفريق ضم ثمانية عشر مبدعاً ومبدعة واحدة بعد أن تعثرت مشاركة الأخرى.
نعم أهدي الدهاليز اليوم الى مبدعي الأمة من حيث صبرهم ثم حضورهم المؤثر وتلك حكاية أخرى.
لما كثرت حركتي وسفري بين باريس والبقعة المباركة، قال الراحل بن الحي والصديق كمال سينا،
سبحان الذي مده الخطوة من مدرسة ست فلة إلى باريس،
قطعًا هناك أكثر من رواية عنها الحكاية.
رحم الله الحبيب كمال، كنت أمشي لبيتهم راجلاً أعود محملاً بالتحيات العطرات لسيدي ووالدي، ورده كان
(هم طيبين؟)، أشير برأسي أي نعم، فأفوز يومها (بخمسة قروش) تسمح بحضور فيلم لسيدة السينما وقتها (صوفيا لورين)، ولا تكفي (باسطة عم بين).
فسبحان الودود، جلست بعدها بعقود إليها نتجاور وهي يومها الأحدث بين سفراء النوايا الحسنة لليونسكو.