حوارات

الشاعرة تسنيم سلطان:المرأة تعاني كثيراً وهي كاتبة..!!

حوار| هيثم الطيب

الشاعرة تسنيم سلطان:المرأة تعاني كثيراً وهي كاتبة..!!

مدخل:-
الشاعرة/تسنيم حومد سلطان،مسؤولة قسم النشاط الثقافي في جمعية بيت القصيد الثقافية،شاعرة سورية لها حرف مختلف ورؤية خاصة في مختلف القضايا الأدبية والإنسانية،حاورناها لنكتشف تلك الرؤية ونناقشها كذلك،أفصحت عن آراء كثيرة وعبارات جديدة،لنقرأ فيض ذلك..

وتبدأ القصة :-

+ قليلا قليلا يتأرجح حلم الكلمة، كثيرا كثيرا يقلق حلم الشعر فينا، إلى أين نمضي…؟
الشّاعر ياصديقي كالنّحل يمنحُ العسلَ ويمضي في سبيله، غير عابئ بأي مكافأة ..
منذ بداياتي أمضي ليكون شعري لنفسي، ولم يكن موقف الآخر مهمّاً لي سواء كان مؤتلفاً أو مختلفاً، أقصد ليس مهمّا على المستوى التّذوقي، فليس من حقي فرض ذوقي الشّعري على الآخر..

كنت أرى وما زلت الشّعر ضرورة حياتيّة كالماء والهواء، فعندما أشرب أو أتنفس لا يهمّني أن يرى الجمهور شرابي أكان ماء أو خمراً أو ذكرى، وكذلك التّنفس فقد أتنفس الصعداء أو تحت الماء على حد تعبير نزار قبّاني… لذلك قدرُ الشّاعرة أن تمضي وحيدةً في طريقها، زادها الحِسُّ والكلمات …
+ كيف نقرأ المرأة من خلال أدب المرأة، وهل أنت من التيارات الرافضة لتصنيف الأدب إلى دائرة أدب المرأة ..؟
الشّاعرات والأديبات عموماً.. دفعن أثماناً كثيرةً كونهن نساءً في هذا المجتمع، خضعن لمنظومةٍ اجتماعية معيَّنة..

والمرأة تعاني في حقل الكتابة أكثر من الرّجل، فمضمار الأدب في مجتمعاتنا هذه يحتّم علينا أن ندفع ضريبة الإبداع، فما بالك إذا كان المبدع أنثى؟
فمن حقّها بعد كلّ هذه الضّرائب أن يكون لها بصمتها وصوتها وكيانها الخاص في عالم الأدب، لكن دون تصنيف..
فأنا ضدّ قولبة الكتابات العربّية في إطارات معينة، تبعًا للجنس أو البلد، فإنَّ ذلك يعدُّ في نظري تمزيقًا صريحًا لكيان الأدب العربي، الذي ما قام إلا ليوحد الصّف وينير الأمة ويجمعها في إطار واحد هو إطار اللُّغة والهُوية…

غير أن ذلك يُعدُّ تحجيماً وتصغيراً في حقّ الشّاعرات على أنهنَّ مصنفاتٍ لموضوعاتٍ محددة فقط .. وهذا غير صحيح، فالمرأة اليوم أو الشّاعرة على وجه الدّقة أثبتت باعها ونَفَسها الطويل في عالم الإبداع الفكري والشّعري على اختلاف موضوعاته ..
نعم، هناك حركة للمرأة في الأدب تقاس بالإضافة والتأثير، كما لكل لون أدبي وجود، لكن هذا لا يستدعي قولبة الأمر، وإلا أصبح هناك أدب الرّجل وأدب الشّباب وتصنيفات لا تنتهي.

+ الوعي (مفردة شعرية) ضد الخوف،المحاصرة،
الهزيمة،الإضطهاد،هل إنتاجك الشعري يحاول صناعة الوعي المفتقد عندنا..؟.؟
إنَّ أكثر ما أطمح إليه في شعري هو تعليمُ الرّجل كيفَ عليه أن يحبَّ أُنثاه، وركّز هنا لم أقل المرأة.. فالكل يحبها …
لكن القليل القليل المخلص لأنثاه، القليل القليل من يعرف سيكيوليجية تكوين أنثاه ليبادلها الحُبَّ الذي تستحقه….

أكتبُ وآخذُ دورَ الرّجل في قصائدي لأنني أرى بأن الرّجال مازالت تجهل كيف تُسعدُنا …
ومع مرور الوقت تتفاقم تلك المشكلة، الجهل فلو كلُّ رجل فهم أنثاه التي يحبها بالشّكل الصحيح لما فكّر يوما باستبدالها أو خيانتها أو كسرَ قلبها تحت أي ظرفٍ من الظروف ….
نعم .. أنا أحاول في شعري توعيةَ الرّجال .
+ الاتجاهات ..؟
الحريّة في كُلّ شيء … أكره أن أُحشرَ في زاويةٍ واحدة، نفسي تعشق السّماء وتكره السّجون ..
+ كيف نصل لمرحلة الإستقرار الروحي الثقافي،والشعر في ظني يبحث عن ذلك في مجتمعاتنا،فأين أنت من ذلك..؟
أعود لفكرة الحريّة ..

فإنَّ ما نحتاج إليه حقًا لتحقيق السّلام النّفسي الثّقافي في الفكر قبل الكلمة، هو أن نصل إلى الاستقلالية، تلك المرحلة التي تدرك فيها الشّاعرةُ خاصّةً أنها ليست في حاجة إلى شيء أو إلى إنسان لتستمر بها الحياة، تلك المرحلة التي تتحرر بها من التّعلق، فذلك هو المؤشر الحقيقي للوصول إلى حالة السّلام الثّقافي في كتاباتها، تشعر بالتحرر من مكبلات الدنيا، هناك تستشعر تخلصها من قيود الأنا لتكتبَ شِعراً يلامس الجميع….
وهذا ما أنا عليه في حياتي العملية والشّعريّة، أبتعد عن التّعلّق بكلِّ ما هو دُنيوي، وأربط نفسي وكلماتي بالعالم الرّوحي الذي لا يزول ..
رغمَ أننا منفيّون داخل لغتنا قبل أن نكون منفيين في هذا العالم…

فإنَّ الشّعر مازال يمتدُّ بنا خارج الإسار.. فلقد تغيّرت سحنة العربيّة وطبيعة تركيبة جُمَلها، ونحن اليوم في سياق لغة مفتوحة لكل التراكيب التي كانت تبدو غريبةً في نظر فقهاء اللغة السابقين.. وهذا الفضل يعود إلى هؤلاء الذين لم يتوقفوا عن ممارسة الشعر وفق وزن طبيعتهم. ..فثمَّة شاعرٌ ينام في قصيدته فيغفو معه القراء.
وثمَّة قصيدة تعيش ألف عام، بلا نوم، يقضي فيها القراء لياليَ بيضاء.

+ كتاباتك كلها نعرف فيها الجمال كعلاقة بينك وبين كل الإحتمالات،هل أنت في ثورة جمالية ضد (…….)..؟

سؤالك هذا ذكّرني بما كتبته سابقا وقلت:
في داخلي ثورةُ الأنثى إذا انتفضتْ
محتْ قديمَ عهودِ السابقِ البالي
أنا ابنةُ الشعرِ لا أبياتَ تجمعني
أقطّبُ الحرفَ تجميعاً لأوصالي

أنا ياصديقي للآن لم تخرج الأنثى الثّوريّة التي تسكنُ في داخلي، لأنني على يقين بأنَّ كلّ ما أقوم به هو من حقّي .. والثّورة في نظري تُقام في حال شعورك بالضّعف وبأنَّ المغتصبَ الذي أمامكَ أقوى منك .. أنا لليوم أقوى من كلّ العراقيل التي تكبّل صوتَ شِعري ..

+ نحن في عالمنا العربي نبحث عن بديل أكثر جدارة من الأسطورة ليصنع لنا قوى مركزية في داخلنا ويمارس فعل إيجابي في بناء ذهني ونفسي ثم وجداني فهل الشعر غيمة الحلم هنا..؟
المهمَّة الحقيقية للشّعر أن يستمر بتبشيرنا بالقدرة على الخلاص.. الخلاص.. الخلاص..
+ ماذا يقلق القلم أكثر عندما يكون في يد شاعرة ..؟
القيود
العادات
التّقاليد
الرّجعيّة
المجتمع
تكميم الأفواه
النّساء الغبيّات الحقودات
يقلقها أيضاً أنها أُنثى في بلادٍ تستلذ بسماع أنين الأنثى الموؤودة…

+ الأصوات الجديدة في عالمنا الأدبي في بلادنا كيف هي وماهي المحاصرة التي تحيط بهم..؟

دعني أختصر الأصوات الشابّة بالأصوات الشّابة الأنثويّة لأنني أكثر متابعة لها ..
نحن اليوم نرى شاعرات نَقَشْنَ قصائدَهنَّ الإنسانية المشاكسة والمتمردة والغاضبة، في سِفْرِ الشّعر العربيّ، وبقين ملتزمات بالهمّ الجماعي وقضايا الوطن والإنسان…

كما بَرَعْنَ في إسماع صوت المرأة العربية، المحرومة في بلاد المَنْع والقَمع، من البَوْحِ بحبّها، وبمفاتن جسدها وبمشاعر أنوثتها المُخَبّأة… وهذا ما ينبّء بانفتاحات كثيرة للشعر العربي على فضاءات أكبر وأجمل وأحلى ..
رغم أنّ من أعظم المشاكل التي تحاصر الشباب الشّاعر في بلادنا اليوم هو كمّ الأفواه والخوف والحرب
والغلاء وكل الظروف المعيشيّة التي تخمد صوت الشّعر في داخله، لكن أرى

أنهم بالمقابل يمتلكون حظَّاً أفضل بكثير من أسلافهم..
فالمنابر الالكترونية على اتساعها مفتوحة لهم وتستطيع إيصال أصواتهم إلى أبعد مدى، رغم كل الظروف والقيود التي تحاصرهم فجميع الصحف لها مواقعها كذلك الكتب الألكترونية والمكتبات، بالإضافة لقدرتهم على النشر وايصال أصواتهم والمشاركة بالمسابقات الدولية وغيرها، وبالتالي وبعد ذلك يمكنهم خدمة مجتمع ضمن المساحة الضيقة التي تتيحها لهم الظروف، أضف إلى ذلك بأن وعيهم وثقافتهم العالية تشكل في مجملها تهديدا للحكومات الفاسدة التي قد لاتعي أن للصبر حدود…..

+ يعجبني كلامك عن الحبّ والرجل… هل تشعرين أنك غريبة ..؟!
دائما أشعر بالغربة ..
وفي الحقيقةِ لليوم أشعر بأنَّ الله لم يضع بعدُ في طريقي ذلك الرّجلَ الذي يفهم تسنيم بالشّكل المطلوب .. أو الصّحيح ..
لا يهمّني شيءٌ في الرّجل بقدر ما يهمّني عقله وتفكيره ونظرته للأشياء ..

قد أبدو للنّاظر للوهلة الأولى أنني امرأةٌ سطحيّة، لكن أنا أعمق بكثيير مما يظنون
يهمّني جداً أن أرتبط برجلٍ على مقدرةٍ بفهمي دون أن أتكلم، فالفهمُ مفتاحُ نجاح العلاقات ..
أن يستطيع قراءة ما تحدّثه به عيوني، رجفة أصابعي، حرارةُ جلدي، ابتسامتي، وأنفاسيَ المتقطّعة، حتى طريقتي في اللباس والمشي والكلام ..

فأنا أكره الكلام الكثير
أكره المطالبةَ بحقوقي كــ أنثى متفهمة لِرَجُلها
نعم أنا أبحث عن رجلٍ يفهم، لست كبنات جيلي أبحث عن ثراء أو مظاهر أو عن رجل أرتبط به ليقال أنني
” مدام فلان ”

كلّ ما أطلبه ” الفَهمُ والحِسّ ” .
ولا يهمّني نظرةُ المجتمع أنني امرأة وصلت للثلاثين ولم ترتبط، الأعمار ليست مقياساً للحبّ…
وفي الختام أشكرك جدا على هذا الحوار الشيّق الذي أضاء جوانباً كثيرة من شخصيّة تسنيم الشّعريّة .. لكَ مني أنبل التحايا أيّها الصّديق ..

إشتياق الكناني

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى