الأخبارحوارات

الروائية والكاتبة د.سلمى جمال فى حوار مع صحيفة العهد أونلاين

الروائية والكاتبة د.سلمى جمال فى حوار مع صحيفة العهد أونلاين 

أكتب لجيل جديد وللطفل الذي يكبر يوما بعد يوم

منحتنى الصدفة وحدها الإطلاع على حوار سابق لها ، إجاباتها تفصح عن عمق ما بداخلها وإنها كاتبة ظلمها النقد والنقاد .. فلم أجد أيما تقديم او إستعراض لأعمالها وربما ساهم  ذلك ببقاء العديد من أعمالها الرائدة حبيسة الأدراج  ، القضية شائكة من منظور غياب النقد والنقاد ودورهم الطليعى تتبعا للحراك الثقافى والإبداعى وتسليط الأضواء هنا وهناك بمهنية فائقة القدرة وليست ملامح إنطباعية خاطفة بلا عمق وتعمق حالة “الدكتورة سلمى جمال الفحل” و12 عمل إبداعى وقلم رصين وعبارات متقنة رائعة وانيقة فى زمن الغياب والجفاف الإبداعى ولا يسلط النقاد علي أعمالها عيونهم الفاحصة لجد مؤسف ويشير الى المدى الذى إنحدر اليه حال الثقافة بالسودان ..

 سيرتها تقول أنها طبيبة أسنان ، كاتبة أدبية حصلت على جائزة الإتحاد العربى للثقافة والفنون عن عدة أعمال ومدربة معتمدة من سبع جهات دولية وفنانة تشكيلية أقامت عدة معارض .. 

جلست مع الدكتورة سلمى جمال فكانت الحصيلة التالية:

حوار / محمد المختار عبد الرحمن

بالحديث عن نفسية الكاتب وبيئته الداخلية :  متى يصبح الكاتب مؤهلا لنشر أعماله ؟ 

حتى تكون كاتبا عليك أن تكون إنسانا أولا هذا قبل كل شيئ ، أن تكون إنسانا ترى الحياة بعين الطفل لاتخالج نفسه الظنون ولا تشوب عدسته السوداوية اذا لم تستطع ان تدون التفاصيل بقلبك وتشعر بكامل مايجوب حولك وتجسده بصدق الإحساس فلن تكون كاتبا إن الكاتب ينقل صوت قلبه الى الورقة والقلم  ، أما إن كتب بلا شعور فإن أساليب الكتابة وأدواتها وزخارفها لاتخدم المتصنعين .

ماذا عن أساليب الكتابة المؤثرة؟

مما لايدركه الكثيرون ان وراء الكلمات وبين الحروف المتشابكة في كتابة الكاتب هناك لغة خفية وطاقة تنبثق من العمل الصادق . قال أحد الكتاب الفلاسفة ” عندما تكتب وأنت تبكي فتأكد من أن القارى حتما سيبكي ، وإن كنت تكتب وأنت تضحك فإن القارئ سيضحك عند القراءة ”  شعور الكاتب وإحساسه العميق لحظة الكتابة هي طاقة يشعر بها المتلقي ولغة مستترة تعبر عبر الورقة من قلب الكاتب الى قلب القارئ الا اذا حال بينها التصنع والجمود .

الكاتب هل بالضرورة ان يعيش تجربة ما يكتب ليسكب عصارة احساسه ويمنحها المصداقية؟

المصداقية في العمل تتمثل في الشعور النقي الخالص الذي يراود الكاتب عن طرح القضية ، ليس بالضروري أن تكون تجربة معاشة للكاتب شخصيا وإنما تكمن الفكرة في تقمص الشخصية المكتوب عنها  وأن يضع الكاتب نفسه مكانها تماما يرى بعينها ويسمع بآذانها ويشعر بقلبها .

تحدثت سلمى عن قريتها وضاحيتها البسيطة في “حنين” ، وقيمة الوطن في رواية “كنت فوق سمائكم امي”، وفراق الوطن في رواية “هنا بوكاهنتز العظمى”، وعظمة السودان في “عظماء سمر”.. ماعلاقة سلمى بالوطن ؟

علاقتي بالوطن مثل علاقة النيل بأرضه محفور مسراه بداخلها لايبغي عنها حولا وعلاقتي بالوطن مثل علاقة الكواكب بشمسها لا تجرؤ قوة على انتزاعها من محيط امها الشمس ، علاقتي بالوطن تشبه علاقة الطيور في سمائها تبحر فيه ليل نهار لايضيق بها السماء  ولا تناء الطيور عنه ، بلاد العظماء والصروح الشاهقة والأعلام العالية من الأجلاء ، أحمل ملامحها في وجهي اينما ذهبت يقال انظرو انها ابنة ارض النيل ، الوطن يسكنني قبل ان اسكنه .

من أين تستمد سلمى الإلهام؟

أستمده من التفاصيل حولي ، أراه بالقلب قبل العين ، أستمد الإلهام من تبسم الأطفال معانقين الحياة  ونظرات الكهول المفارقة والتفاتات الطيور العابرة وسفر أمواج النيل ورقص اغصان الشجر وحديث الأرض الطويل الى السماء وجها لوجه وأستمده من غناء متون الرياح وهمس الذاكرين وصدى النوبة حول الخلاوي وابواب البيوت المفتوحة على مصراعيها  وبين انسجة وطبقات التوب السوداني المتداخلة وتلك الطيات والتجاعيد على وجه ال ( حبوبة )

هذا الوطن سيظل ملهما لكل من يبصر الجمال بالقلب الى أن تقوم الساعة.

ماهي الدواعي المأخوذة بعين الإعتبار في التعامل مع جمهور القراء في نظر د. سلمى؟

ان من حق القراء على الكاتب الإحترام الكامل وعلى الكاتب ان يحترم جمهور قرائه بكل ماتحمل كلمة الإحترام من معنى ، وفي تقديري ان الإحترام يكمن في تجويد العمل ، من حق القارئ ان يقرأ عملا مجودا منقحا مدققا بكل تفاصيله ، ويكمن الإحترام في عمق الرسالة ،  ومن حق القارئ ان يقرأ مايستحق ان يقرأ فعلا ، من حقه ان يقرأ مايخدمه او يضيف للقضية محور اخر ، من حقه ان يقرأ محتوى غني يحمل فكرة قوية وقيمة عظمى ومعنى عميق، ان اخذ هذا المبدأ بعين الاعتبار سنرى غياب الجهلاء وضعيفي المحتوى  ، ويكمن إحترام الجمهور في اسلوب الطرح  بتأدب المخاطبة وتأدب اللغة والكلمة ، وتكمن ايضا في الالمام بنواحي القضية كاملة  ، فإن القارئ ربما يكون أعلم وقد يكون أهل للقضية فتستفزه النقائص فيها.

الدكتورة سلمى بعيد الإنتهاء من كتابة النص بين الكاتب والراوى والقارىء ، أيهم انت؟!

 انا القارئ أولا ثم أنا الكاتب ، على الكاتب أن يصنع جسر تواصل بينه وبين اعماله يقرؤها عن بعد وينقحها بإستمرار ويتعلم منها وينقدها بشفافية كأنما لم يكتبها هو يوما ، ثم ان الكاتب هو قارئ في الأصل دفعته افكاره العميقة المترسبة من مجمل القراءات على مدار الأزمنة للكتابة وتجسيدها بأسلوبه وبصمته الخاصة.

سؤال ما زالت الإجابة عليه معلقة لدى الكثير من الكتاب لمن تكتب؟! .. د. سلمى لمن تكتب وهل هى حالة مخاض ام انسياب؟!

أكتب لجيل جديد وللطفل الذي يكبر يوما بعد يوم وأكتب للقارئ الذي يزداد علما مع الأيام ولطالب الحياة الشغوف باسفاره يحمل كل يوم درس من الدنيا .. أكتب للحياة .. وأكتب للزمان لأن الكاتب ذا القيمة والمضمون والرسالة تحيا أعمله أبديا . ان الكتابة هي نتاج التفكر والتأمل والاحلام وبعيد الأمنيات ، والألم والفرح والهم والإنشراح ، هناك تنساب الأحرف حيث تمتلأ ذواتنا بالكثير وعندما لاتسع القلوب المشاعر فيحملان جل حملها الورقة والقلم.

الحركة الثقافية فى جمود وركود كيف يمكن النهوض بها وكيف ترين الغد الثقافى؟ 

الغد دائما مشرق بشمسه الجديدة التي تسأل في كل يوم عن أعمالنا وإنجازاتنا ودواعينا للتقدم الحركة الثقافية تحتاج للتدعيم وتنهض بالقراءة ، فلنقراء حتى نتجدد ، لنقراء لكي نتعافى ولنخلق بداخلنا إنسانا قويا قادرا على مجابهة الحياة أولا ثم لنقرأ كي نمهد طريقا للجيل القادم …

هل من خطوط حمراء تقف عندها د. سلمى وهى تمسك بالقلم ومجتمعاتنا تحيطها الأسوار؟

يحترم الكاتب كما أسلفت أعرافه وأعراف مجتمعه ومبادئه عند التعبير و يضع في كامل اعتباره توقير أعمار القراء وانتماءاتهم الثقافية .. تلك هي أسواري وحدودي وماعدا ذلك فإن للكاتب حق التعبير وابراز رؤيته بشكل واضح حيال كل ماتراوده نفسه .

في نظر د. سلمى الاديبة والفنانة التشكيلية والمدربة .. ماهو مفهوم الفن ؟إن الفن هو لغتنا التي نخاطب بها العالم ورسالتنا التي تخلد وجودنا ابديا ، الفن هو وسيلة للتعافي من أوجاع الحياة وهو تجسيد للواقع بحذافيره ، ليس كل مايشعر به الإنسان يقال ويسمع ، لذا فإن الفن هو صوتك الداخلي العالي الأبي الذي يبقى صارخا حتى بعد زوال الروح .. إنه الفن ، الوسادة الناعمة التي تحط بها ثقال المشاعر والأحاسيس الغير منطوقة ينطق بها الفن ليحدث عن هوية إنسان يحمل في عينيه عالما منفصلا  ، انه الفن الذي لايمل من شكوانا ولا ينفذ له صبر .

ماهي مثبطات الكاتب؟

أنا لا أؤمن بفكرة المثبطات والعراقيل وأعتقد ان مخاوفنا ليست فقط في النشر والكتابة وأنما مخاوفنا بشكل عام هي في الحقيقة أوهام صنعتها مخيلاتنا ، منا من يضع لنفسه هاجس الرهبة من الجمهور ومنا من يضع الكمال هاجسا في حين أن المبدأ يقول ( لايوجد عمل أدبي كامل ) كل ماعليك هو تجويد العمل وفقا للضوابط التي أسلفت الحديث عنها ويبقى معيار التحسين المستمر من الإجتهادات المفروضة على الكاتب ، فإن لم يكن هنالك فرق بين العمل وسابقه فهذا يعني ان الكاتب لايتعلم من تجربته ولا يتطور على مر الزمان.

واحدة من أزماتنا الآخر وقبول الآخر وتصاعد خطاب الكراهية؟

لا يسعنا الا ان نعيش متقبلين الإختلاف ، ان طاقة الرفض والكراهية التي يصنعها الإنسان بداخل نفسه تعود عليه بتشويه منظاره للحياة وتجعل بداخل المرء إنسانا عليلا ضيق الفكر محدود المنافذ ، تقبل الإختلاف ثقافة 

وان لكل منا نفسه الفريدة لايشبهها اي كائن وسبحان من نوع ولون في كل نفس لون لايشبهها غيره ، خلقنا مختلفين ليستقي كل منا ثقافة الاخر وليس لرفض الغير وفي تقديري إن تقبل واحترام الاختلاف هو جزء من فكرة السلام الداخلي .

 “حنين” .. السفر الأول للدكتورة سلمى ، مازج بين القصة القصيرة والذكريات والمشاهد الواقعية ، والحنين حاله إنسانية وجدانية الى أى مدى تم تجسيد مشاعر الأنثى وحنينها للزمان والأشخاص  والأمكنة؟

الحنين كما قال نزار قباني يفترق عن الحزن في ان الحنين يرجع لجمال الذكريات واما الحزن فمربوط بماضي بائس وهذا هو الفرق الوحيد بين الحنين والحزن غير ان كلاهما يترك ندوبا بداخل الانسان . الحنين يأخذك إلى الزمان والى المكان والى ادق التفاصيل التي لم نرها بالقلب يوما ، فكتابي “حنين” كان يسرد ذكريات من الطفولة ويأخذك الى عالم الصفاء الروحي بعين الطفلة، ثم احتوى على نصوص بألوان مختلفة من المشاعر تأجج الشوق الى الزمان الجميل بداخل كل منا ، واخرى تحدثت عن مشاعر انثوية وكأنه جسر يمتد الى داخل ذاتي ويجوب نواحيها ويبحث فيها عميقا بكامل المصداقية .

الحنين الى الوطن وحال المهاجر الباحث عن السعادة وهى حالة نسبية تتلون بتنوع الثقافات من خلال العمل الكبير “هنا بوكاهنتز العظمى” وتناولت فيها قضايا التشرد والتفكك الأسرى والمال والغنى بين الضرورة والغاية .. ويبرز التساؤل من خلال أحداث الرواية .. هل السعادة حالة مادية أم معنوية؟.

السعادة آمان والسعادة راحة البال والسعادة هي الرضى بالنصيب ، تتلخص السعادة بالمعاني العميقة وقناعات المرء الراسية ، وسلامه الداخلي وصفاء مايشعر به نحو نفسه ونحو الاخرين ، يطول الحديث عن معاني السعادة ولا يسعني الا ان اقدمه في عملي ( هنا بوكاهانتز العظمى ) .

(كنت فوق سمائكم امي ) رواية حققت نجاحا بالغا ، صدرت قبل عامين للدكتورة سلمى الفحل حدثينا عن فكرة العمل ان تفضلتي ؟

تدور أحداثها في فترة الحرب العالمية الثانية.. وتناقش فكرة السلام والإنسانية وتصور التحولات الداخلية لبطل الرواية في ظل عوامل مختلفة كالعنصرية وتعقيدات المناخ الأسري ثم تأخذك الرواية بين حلاوة الحب ومرارة الحرب …

وأخيرا الدكتورة سلمى هل من نص قصير لقراء صحيفة “صوت الناس”

 نعم نص من كتاب “حنين”

(أزلية القوة)

بعيدا عن أننى أنثى .. تارة أشعر بأنى أزلية القوة ..

حديدية البنية .. راسية الأوتاد .. أشعر وكأنى صرح برونزى ملفوف بالمخمل ..

كأنى عروسة يدثرنى ثوب القوة فى خدر الكبرياء والعظمة ..

او كأنى ثريا أحتار الرائى بينها وبين النجوم ..

وتارة .. أشعر وكأنى أبحث عن ثغرة فى الثرى أندس تحت دهاليزها العميقة ..

وكأننى النملة العمياء فى جحرها المظلم وهكذا ..

لن أسأل الى متى؟؟ ولم؟؟ ..

ولست أشعر بالملل ..

وليست الدموع حفرت مسارها على خدى 

وليس الادرنالين أضحى مهللا لانجازه العظيم ..

ولا الخوف الثائر غامرا لمعالم استكانتى ..

ولا أنا حائرة فى منتصف تلك الفوضى ..

أنا الصنديدة والحديدية الا أن محض مشاعر حمقاء متطفلة تأبى تركى وشأنى.

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى