أحمد بشير الطيب يكتب : عُمرِك كلو فرح يا زينة
عُمرِك كلو فرح يا زينة
الفنان محمد عثمان وردي (رحمه الله) أكمل جميلهُ الوطني . وعُمرك كلو فرح يا زينة وشيلي مِن الأفراح وأدينا ، أوعى تهدي كمان إتحدي يلا جميلك تمي علينا . رحل وردي المُتحدي مِنْ بعد تمام جميلهُ الوطني ، والتحدي هو المصطلح الواصل إلى الإبداع . ورغم خلافنا مع الرجل فى شكل الجميل ، لكن يظل المضمون لا الشكل هو الأهم . نشأ ببلاد السكوت والمحس فغنى لها : يا عجو المحس التقيل ، التقيل فدع العراجين ، إنتي ما بدوكي لي زولاً مسيكين إلا واحداً نخلو مقرون فى البساتين . ثم جاء إلى شندي فعمل مُعلماً بها ، قُم للمُعلم وفِهِ التبجيلا ، فكانت هي مِنْ بعد حلفا مبتدأ لكوامن عبقريته الغنائية ، وهو المشرئب الجيد إلى أم درمان لإذاعة خبر إبداعه الجيد : ويا حبيب ورد الأماني الحلوة فى أعماقي فتح ، إبتدأ القلب اللى عاش العمر فى آهاتو يفرح ، نامت أحزان عمري غنى زماني وإتلاشت صعاب ، وبيك طويت من عُمري صفحة ماضي مكتوب بالعذاب . جاء للبقعة يطوي بيد نسيان أرض الشمال ، الأرض التى يجب أن نتذكرها أكثر مِنْ ذى قبل ، حتى لا ترفع السلاح فى وجه الدولة . الشمال المحتاج لتحدي الدولة السودانية ليرفرف علم الشمال فى سماء الإبداع مِنْ جديد . جاء مِنْ أقصى الشمال مسرب النور إلى أرض حضارة السودان ، ومبتدأ دخول قبس التوحيد والعروبة والفصاحة إليه ، نقطة تلاقي تهراقا وأبن السرح عبد الله ، وتلاقح عجينة عبدالله بطينة تهراقا لتبشر الطينة والعجينة بحياتي ، فى شخص الحجّاز والمهدى ومهيرة والطيب صالح ووردي وحاج الماحي وأسماعيل حسن وكل هؤلاء وأولئك . وتبشر بالجميل والمستحيل فى حق الوطن : يا جميلة ومستحيلة إنتِ دائماً زي سحابة صيف تعجل بي رحيلا . عّلم الراحل المحبين ترك الإفراط والتفريط فى العواطف والحب وضرورة كبح الشعور ، فأهل السودان أهل عاطفة مُتقدة رغم سريان ماء النيل ، وضرورة أن يرتفع آدم فى نظر المحبوبة ، بعدم قبول المرمطة ، المرمطة والهوان المعهود فى عُرف وعوائد المحبين ، وأنعكاس أثر العاطفة فى العادات والتقاليد ، والعالم ذو العقل يتقدم علينا ويسابق ، وضرورة أن نحذف من قاموسنا قول المُحب للحبيب : بريدك والله بريدك ، لو سقيتني السم بب إيدك ، رغم أن النص للفنان الذي تعلم منه وردي وغنى له ، وشغف وردي بأستاذه الفنان إبراهيم عوض ، والحب لا يمنع من أن يسابق الحوار الشيخ فيسبقه . وضرورة أن نعي ونتعلم الناسخ والمنسوخ ، ونرد على النص الذري ، بقول حبوبة حينما كانت تتسمع : بري البسقيني السم ما بريدو ، دا ريد شنو دا ؟ وضرورة إستواء العاطفة على نار المعقولية ، وضرورة تحكيم العقل ، وأن ينسى المُحِب الحبيب الناكر ، ونحن نقرأ ونسمع لإسماعيل ووردي في (ثنائية) الوصية : وحلفتك يا قلبي خليهو الغرام ، إتنكر لحبك وريهو الخصام ، وليه تتهان ياغالي ليه والذل حرام ؟ ثم غنى للوطن ، رغم خلافنا معه فى الشكل ، وبقاء المضمون فى أغانيه ، ونحن نعيد سماع شكل غناء الراحل ، من خلال مفردات القاموس اللغوي الذى يقول : يغني المُغني وكل إمرءٌ على هواهُ ، ومن خلال : قاموس رُطانة أهلنا فى الشمال ، ووطنا البي إسمك كتبنا ورطنا أحِبك ، والحُبُ هو المُفردة الباقية ، والمضمون المتفق عليه فى القاموسين . وبناديها : وبعزم كل زول يرتاح على ضحكة عيون فيها ، وأحلم إني في أكوان بترحل من مراسيها ، مسافر من فرح لسع شوق ، ونازل فى حنان ليها ، بناديها ولما تغيب عن الميعاد ، بفتش ليها فى التاريخ ، وأسأل عنها المُستقبل ، اللسع سنينو بُعاد ، ألا رحم الله الفنان محمد عثمان وردى …
أحمد بشير الطيب