الأخبارالرياضة العالمية

الاقتصاد السري لتسريحات شعر لاعبي كرة القدم

الاقتصاد السري لتسريحات شعر لاعبي كرة القدم

اكتسبت الحلاقة أهمية بالنسبة للعديد من لاعبي كرة القدم بطريقة لم يكن من الممكن تصورها قبل 30 عاما

قبل أسبوع من المباراة الأولى لإنجلترا في بطولة أوروبا لكرة القدم (يورو 2020) شارك فيل فودين صورة على إنستغرام وهو ملفوف في ثوب حلاقة ونصف رأسه ملطخ بالبيروكسيد، وقد جمعت الصورة أكثر من 50 ألف إعجاب.

في اليوم التالي كشف فودين عن مظهره الجديد بالكامل، حيث صبغ شعره بلون بلاتيني أبيض بقصة قصيرة مع خط مستقيم، اكتسحت التعليقات الإنترنت في بريطانيا المنهكة من الأوبئة، وكانت مزيجا بين الرهبة والسخرية، وكتب شيلدون إدواردز الحلاق المسؤول عن تحول فودين على إنستغرام “ما قمنا به جنوني”.

اكتسبت الحلاقة أهمية بالنسبة للعديد من لاعبي كرة القدم بطريقة لم يكن من الممكن تصورها قبل 30 عاما، ففي السابق كان يُنظر إلى قلة الاهتمام بالمظهر الشخصي باعتباره رمزا للذكورة، أما اليوم فتعكس تسريحات الشعر المتغيرة باستمرار أكثر من مجرد معايير عالية لاعتناء الرجال بمظهرهم.

على مدار الـ30 عاما الماضية اكتسبت كرة القدم بعدا تجاريا أكثر، وبعيدا عن زي الفرق التي يلعبون معها يثبت اللاعبون أنفسهم كعلامة تجارية فردية ويجذبون ملايين الدولارات من الرعاية التجارية بصفتهم سفراء لأي سلعة، من الأحذية والملابس الرياضية إلى شفرات الحلاقة ومشروبات الطاقة.

وتعتبر قصة الشعر طريقة سريعة للتميز، فقد يجذب لاعبو كرة القدم في بعض الأحيان الكثير من الاهتمام الآن بفضل تصفيفات الشعر مثلما يفعلون عن طريق إنجازاتهم على أرض الملعب، يحصل بعض لاعبي الدوري الإنجليزي الممتاز على قصة شعر كل أسبوع لجعل التصفيفة تبدو “جديدة” لكل مباراة، والشخص الذي يستخدم المقص هو غالبا شيلدون إدواردز المعروف بلقبه التجاري “إتش دي” (HD).

وذكر تقرير لمجلة الإيكونوميست (Economist) البريطانية أن إدواردز مهاجر من الجيل الأول من جامايكا، علّم نفسه مهنة تصفيف الشعر على مر الأعوام، وعوّض افتقاره إلى التدريب الفني بالكاريزما والذوق، وقاد موجة تغيير صورة الذكورة في بريطانيا بمساعدة إنستغرام.

يلجأ بعض أكبر نجوم كرة القدم الآن إلى إدواردز لتلميع صورتهم، تشمل قائمة زبائنه لاعب خط وسط مانشستر يونايتد الفرنسي بول بوغبا، بالإضافة إلى العديد من لاعبي منتخب إنجلترا: جود بيلينغهام ورحيم سترلينغ وجادون سانشو، وتشمل مظاهر علامته التجارية خطوطا واضحة وتباينات جريئة في سُمك الشعر ولونه، مما يساعد اللاعبين في التميز على شاشة التلفزيون.

يبدو إدواردز كأنه أحد المشاهير في حد ذاته، بضفائره الشقراء المبيضة والقلادات وجوارب غوتشي، أما صالونه المسمى “إتش دي كاتس” فهو أقل جاذبية، حيث يقع بين محل لبيع البيتزا الجاهزة ومجمع أعمال في كلافام في جنوب غرب لندن، إنه صالون حلاقة ذو مستوى أعلى من المتوسط، ووحدها مجففات الشعر الذهبية هي التي تشير إلى أن عملاءه من المشاهير.

الفضل لبيكهام

وأوضح التقرير أن أغلى قصة شعر في الصالون تكلف 50 جنيها إسترلينيا (نحو 69 دولارا)، غير أن إدواردز لا يصرح بالأجرة التي يتقاضاها عندما يقود سيارته إلى منزل أحد لاعبي كرة القدم.

عندما بدأ تصفيف الشعر لأول مرة في التسعينيات كانت فكرة بناء قاعدة عملاء مربحة من لاعبي كرة القدم تبدو غير مرجحة لكن “اللعبة كلها تغيرت” في عام 2000 حسب قوله، وذلك بفضل ديفيد بيكهام.

كان بيكهام معروفا بالفعل بأسلوبه المميز في ذلك الوقت، لكن قصة شعر بيكهام عام 2000 هي التي أحدثت ضجة كبيرة في وسائل الإعلام، وتبع ذلك وشوم عديدة وبعض صفقات الرعاية اللافتة للنظر.

تزامن صعود نجوم كرة القدم مع ضخ أموال ضخمة في اللعبة، وفي الوقت الحالي يبلغ إجمالي عائدات أندية الدوري الإنجليزي السنوية حوالي 4.5 مليارات جنيه إسترليني (نحو 6.2 مليارات دولار)، وذلك وفقا لشركة “ديلويت” (Deloitte)، أي أكثر بـ20 مرة من دخل الأندية الكبرى قبل إنشاء الدوري في عام 1992.

في تلك المرحلة تم عرض حوالي 20 مباراة فقط من الدرجة الأولى في الدوري على الهواء مباشرة في بريطانيا كل موسم، واليوم يمكنك مشاهدة 200 مباراة إذا اشتركت في عدد كاف من القنوات.

أصبحت كرة القدم رياضة تتسم بالجمال من جميع النواحي، إذ ينبغي على كل اللاعبين أن يتألقوا أمام عدسات الكاميرا وأن يبرزوا ابتسامات عريضة في الحملات الإعلانية، وأصبح بإمكان الأندية التحكم في مشاريع اللاعبين الشخصية، والاعتراض على أي صفقات رعاية تتعارض مع ترتيبات الشركة الخاصة بالفريق، لكن -كما اكتشف بيكهام- كلما حقق اللاعب قدرا أعلى من النجومية كانت لديه فرصة أفضل لتولي زمام أموره.

يذكر التقرير أن إحدى الطرق التي يمكن للاعبين من خلالها تعزيز صورتهم الخاصة والتحكم فيها والأموال التي تأتي معها هي من خلال شعرهم، فقد زادت منصات التواصل الاجتماعي الفرص المتاحة للاعبين ليصبحوا علامات تجارية بحد ذاتهم، لأنهم لم يعودوا يعتمدون على التلفزيون أو الملعب للتواصل مع المعجبين، وتشير تقارير إلى أن بعض اللاعبين يتلقون مبالغ تقدر بمئات الآلاف من الدولارات لمنشور رعاية واحد على موقع إنستغرام.

في عام 2001 منحت “أديداس” (Adidas) مبلغا هائلا لديفيد بيكهام قدر حينها بأكثر من 1.5 مليون دولار لارتداء أحد أحذيتها، أما الآن فيقال إن اللاعب البرازيلي نيمار يحصل على أكثر من 30 مليون دولار سنويا لارتدائه حذاء من شركة “بوما” (PUMA)، وفي 2018 توجت صحيفة “ذا صن” (The Sun) نيمار كأكثر اللاعبين الحاصلين على صفقات رعاية في العالم بإجمالي 35 صفقة.

ومع ذلك، يسلط هذا النوع من النفوذ ضغطا عاليا على اللاعب للحفاظ على نجوميته، ولم تعد عمليات تجميل بيكهام نصف السنوية تقارن بما يفعله اللاعبون اليوم للحفاظ على اهتمام متابعيهم.

ويقال إن نيمار -الذي لديه أكثر من 150 مليون متابع على إنستغرام- ينفق حوالي 2400 دولار شهريا على شعره فحسب.

وأشار التقرير إلى أن بيكهام نسف التوقعات المتعلقة بما يمكن أن يكسبه لاعبو كرة القدم، فعندما بدأ بيع عطره الخاص برائحة الحمضيات في عام 2005 كان قطاع العناية الشخصية للرجال في بدايته، ثم حذا حذوه النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو الذي يقوم الآن بالترويج للشامبو ويبيع مجموعته الخاصة من الملابس الداخلية، ويبدو أن الرجال في العالم بأسره يسيرون على خطى لاعبي كرة القدم بتحقيق سوق “العناية الشخصية” للرجال نموا برقمين سنويا.

حصد الجيل الذي يليهما من لاعبي كرة القدم فوائد اتباع نهج أكثر مرونة، واستفاد إدواردز بدوره من ذلك أيضا باعتباره حلاقا للاعبين الذين يحبذون الحفاظ على شعرهم بأشكال متعددة.

وأفاد التقرير بأن إدواردز بدأ العمل مع نجوم كرة القدم قبل بضع سنوات عندما زاره لاعب توتنهام السابق موسى ديمبيلي بتوصية من أحد أصدقائه، وبعد أن أحب ديمبيلي عمل إدواردز سرعان ما أصبحا صديقين، ثم نصح البلجيكي زملاءه في الفريق بزيارة هذا الحلاق.

ربما أصبحت صداقتهما ممكنة لأن الجلوس عند الحلاق يكاد يماثل كرسي الاعتراف، ويقول إدواردز “كرة القدم أحيانا تكون آخر ما نتحدث عنه”. ويشكو له بعض العملاء العنصرية التي عانوا منها على الإنترنت ومن المدرجات، مثل صيحات الاستهجان من المشجعين عندما يدعم اللاعبون حركة “حياة السود مهمة”، إلا أنهم ما زالوا متفائلين بإمكانية إحداث فارق.

يدرك إدواردز أنه يلعب دورا في تعزيز ثقة اللاعبين بأنفسهم بقدر دوره في تشكيل شعرهم، فعندما تراجع أداء رحيم سترلينغ في وقت سابق من هذا الموسم قرر إدواردز الاستعاضة عن ضفائر اللاعب بشعر قصير للغاية، وبعد فترة وجيزة شق سترلينغ طريقه لهز الشباك من جديد، وفي هذا الشأن يقول إدواردز ضاحكا “بدأ الجميع يقولون إن قصة الشعر هي التي أحدثت التغيير”.

من غير المتوقع أن يهدأ جدول أعمال إدواردز مع نهاية يورو 2020، حيث اعتزم جميع زملاء فودين في الفريق الحصول على نفس تسريحة شعره إذا فازت إنجلترا بالبطولة.

المصدر : إيكونوميست

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى