تخوّف من تأثير سلبي على الإقليم
أحداث السُّودان.. تحرُّكات أملتها أهميته الاستراتيجية
يمثل موقع السودان الاستراتيجي في الشمال الشرقي للقارة الأفريقية والمطل على البحر الأحمر, عاملاً مهماً في وضعيته كمعبر استراتيجي، ومدخل ملائم لأفريقيا جنوب الصحراء عبر بوابة البحر الأحمر، فضلاً عن كونه ثاني أكبر دولة في أفريقيا, ويمثل حلقة وصل تربط بين شمال وجنوب القارة، وتربطه علاقات جوار مُمتدة مع دول أفريقية ذات تأثير كبير على القارة والمنطقة الإقليمية, أبرزها مصر وليبيا واثيوبيا, وبعضها له بُعد استراتيجي آخر هو وجوده ضمن محاور التنافُس الدولي والإقليمي بمنطقة الشرق الأوسط خاصةً وأن البحر الأحمر يشكل حالياً أحد نقاط الاختناق الاستراتيجية في التجارة الدولية.. كل هذه الميزات الجيوسياسية وغيرها جعلت من السودان إضافةً إلى تعدد عرقياته من أهم دول القارة ذات التركيز الدولي العالي, لجهة أنّ أيِّ تدهور أمني أو انفلات للأوضاع قد يمتد تأثيره لأبعاد بالإقليم يصبح من الصعب لملمة أطرافها.
ترتيبٌ داخليٌّ
ومنذ إعلان قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، إجراءات ترتب عليها إعلان لحالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء، قال إنها إجراءات تصحيحية لمسار الانتقال الديمقراطي, واعتبرها آخرون بما فيهم المجتمع الدولي والإقليمي انقلاباً عسكرياً على السلطة, نتج عنه اعتقال رئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك رئيس السلطة المدنية ووضعه قيد الإقامة الجبرية، أصبح ما يدور بالسودان من تطورات مُتسارعة يمثل اهتماماً مُتعاظماً خَاصّةً في ظل التعقيدات التي استعصت على الحل بين الفرقاء العسكريين والمدنيين رغم تَعدُّد المُبادرات والوساطات لتقريب شقة الخلاف بينهما.
عدة زوايا
تطورات الأحداث على الساحة السياسية وتوقعات انزلاقها إن لم تجد الحل السريع الذي يحول دُون ذلك، ستكون له آثارٌ مُباشرةٌ وغير مباشرة، على المنطقة الإقليمية وفق خبراء، فالسودان الذي تحده سبع دول أفريقية، يتميز بتداخُلات سكانية كبيرة بينه وبينها، حيث القبائل العابرة للحدود، والمصالح التجارية والاقتصادية المُتشابكة مع الجيران، بخاصة في منطقة القرن الأفريقي, فضلاً عن أن ثورة ديسمبر المجيدة انطوت على نموذج فريد وغير معهود في القارة للانتقال الديمقراطي عبر الطرق السلمية المتمثلة في الاحتجاجات الشعبية، زائداً التناغم الذي كان سائداً منذ البداية بين المكونين العسكري والمدني وما تم بمُوجب الوثيقة الدستورية من تقاسم السلطة في المرحلة الانتقالية وهي تجربة يُنظر لها بعين الاعتبار، طالما شهدت كل التغييرات بالقارة والمنطقة الإقليمية ودول الجوار تعسف العسكر وتغولهم على جميع السُّلطات.
دَورٌ مُهمٌ
ويشير مراقبون للدور المُهم الذي لعبته دول المنطقة الإقليمية والاتحاد الأفريقي تحديداً في الملف السوداني من تحولات، إبان التعثر الذي أصاب التغيير, حيث كان واضحاً وحاسماً ولعب رئيس الوزراء الإثيوبي آبي احمد (الذي تمر بلاده حالياً بأسوأ حالات الاضطراب الأمني والسياسي) دوراً واضحاً وحاسماً، حيث مثلت الوساطة الإثيوبية الجسر الذي أوصل طرفي المعادلة السياسية للفترة الانتقالية بين (العسكر والمدنيين) لتوافق امتدّ خلال العامين الماضيين.
ويرى المراقبون ان التراجع عن الوثيقة الدستورية، بالضرورة انتكاسة للجهود الإقليمية والدولية، لا سيما دول القرن الأفريقي، وإثيوبيا على وجهٍ خاصٍ, وهي تشهد حالياً فترة تُعد الأسوأ منذ تولي رئيس الوزراء آبي احمد مقاليد الحكم, حيث نشب صِرَاعٌ بين حكومته ومعارضيه من التيغراي وصل لحرب مكشوفة، الأمر الذي استدعى تحركات دولية وإقليمية للتدخل, ويعتقد البعض أن كلا الدولتين (السودان وإثيوبيا) كانا من الممكن أن يتدخلا لاحتواء أزمات بعضهما البعض لولا مشاكلهما الداخلية معاً.
ويدللون على ذلك بالتدخل الأشهر لآبي احمد بين فرقاء الانتقال في السودان عندما تعثر الحل ووصل الخلاف لطريق مسدود, وحسب متابعين فإن دول القرن الأفريقي لا تحتمل اي ازمات إضافية خاصة في السودان مُتعدِّد دول الجوار والإثنيات المتداخلة, آخذين في الاعتبار الاضطرابات التي تعيشها دول الجوار السوداني.
تحركات دولية
تحركات رئيس البعثة الأممية فوكلر بيرتس، المدعومة بمواقف دول الترويكا, حيث أجروا أمس الأول لقاءً بقائد الجيش البرهان، وقبلها بيان مجلس الأمن الدولي والولايات المتحدة وغيرها من مواقف دولية، جميعها أجمعت على إعادة القيادة المدنية والوثيقة الدستورية, وأن تعود الشراكة المدنية العسكرية وحكومة مدنية انتقالية يقودها مدنيون.
سببٌ كافٍ
ما يحدث في السودان من تطوراتٍ, مع الأخذ في الاعتبار موقعة الاستراتيجي المهم – يراه الخبير الأكاديمي د. صلاح الدومة سبباً كافياً للتحركات الإقليمية والدولية لاحتواء ما يجري من تداعيات للأحداث, وأضاف الدومة لـ(الصيحة), أيضاً بالمقابل ما يجري في إثيوبيا كذلك من اضطرابات أمنية سبب آخر كافٍ لتحركات إقليمية ودولية لاحتواء الأزمة. وقال لـ(الصيحة) أمس، عندما يجتمع السببان للتحرُّك (ما يجري في السودان وكذلك إثيوبيا) يصبح المشهد العام للمنطقة أكثر إلحاحاً للتحرك الدولي السريع, غير أن الدومة وصف ما يجري في السودان بالحدث الكبير, وبالتالي يجب أن يُقابله تحرك إقليمي ودولي يضع الأمور في نصابها الصحيح.
نُمُوذج تُونس
السفير والخبير الدبلوماسي الرشيد أبو شامة, يرى أن ما حدث في السودان جراء إجراءات الفريق البرهان يُعد سابقة في دول المنطقة الإقليمية, ووصفه بأنّه شبيهٌ ونسخة أخرى لما حدث في تُونس, حيث عطّل الرئيس التونسي قيس سعيّد الحكومة وحل البرلمان, وقال الرشيد في حديثه لـ(الصيحة) إنّ ما قام به البرهان ربما كان لن يحدث لو لم يجرِ ما حدث في تونس, وابدى تخوفه من أن يكون نموذجاً في القارة والمنطقة الإقليمية كنوع من الحكم واستغلال المواقع, واشار الى ان الخلافات اذا لم يتم تداركها ستعيق كثيرا من تعاملات السودان مع دول محيطه العربي والأفريقي, بل يمتد تأثيرها على انفتاح وإنجازات تحققت على المستوى الدولي بعد انتهاء عزلة السودان الدوليّة.
المصدر : الصيحة