مقالات

محمد عثمان الشيخ النبوي يكتب: .. بهدوء و تدبر..شباب السودان… وقود النهضة وصُنّاع المستقبل

 محمد عثمان الشيخ النبوي يكتب: .. بهدوء و تدبر..شباب السودان… وقود النهضة وصُنّاع المستقبل

 

 

الشباب هم روح الحياة المتجددة وعماد المستقبل، وهم الشرارة الأولى لكل نهضة. والسودان بلد شاب؛ فأكثر سكانه من الشباب، وهي نعمة كبرى إذا أُحسن استثمارها، ونقمة إذا أُهملت. فشباب السودان اليوم بين مطرقة البطالة وسندان الهجرة وضياع الفرص، ومع ذلك ما زالت قلوبهم تنبض بالأمل، وتفيض صدورهم بطاقة قادرة على قلب الواقع رأسًا على عقب. وقد قرر القرآن الكريم أن مرحلة الشباب هي رمز القوة والفعل، فقال تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً﴾، كما جعل الله سبحانه أصحاب الكهف شبابًا حين اصطفاهم لحمل أعظم مواقف الإيمان: ﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾

الشباب السوداني اليوم أكثر الفئات تضررًا من الأوضاع الاقتصادية والسياسية. فمعدلات البطالة وفق بعض الإحصاءات الرسمية تراوحت في حدود 20٪ خلال السنوات الماضية، غير أن تقديرات أخرى في ظل الأزمة الراهنة والحرب تضعها في مستويات أعلى قد تصل إلى 35–45٪ بل وتزيد في بعض المناطق والفئات، وخاصة بين الشباب والخريجين. وهذه التحديات خلقت حالة من العطالة الجماعية، لكنها في الوقت نفسه تكشف أن أي مشروع نهضوي لن ينجح ما لم يكن الشباب في قلبه ومحركه. والتاريخ شاهد على ذلك؛ فمن اليابان بعد الحرب، إلى ماليزيا في عهد مهاتير محمد، إلى رواندا الخارجة من حرب أهلية، كان الشباب هم الذين حملوا عبء البناء والتطوير.

إن تحرير طاقات الشباب يمر عبر بوابتين أساسيتين: التحرير الاقتصادي الشامل والرقمنة المتكاملة. فالتحرير الاقتصادي يفتح أبواب الاستثمار والمبادرة ويزيل القيود التي خنقت فرص العمل لعقود، والرقمنة المتكاملة تتيح منصات رقمية للعمل الحر، وبوابات للتمويل والتجارة الإلكترونية، وفرص التدريب في مجالات الذكاء الاصطناعي والبرمجة والتسويق الرقمي. ومن هنا يمكن للشباب أن يتحولوا إلى رواد أعمال ومبتكرين في التكنولوجيا ومطوري مشاريع زراعية وصناعية وتجارية، ينقلون السودان من الاستهلاك إلى الإنتاج.

السودان بلد زراعي وصناعي، يمتلك أرضًا واسعة خصبة، ومياهاً وفيرة من النيل والأمطار، وثروة حيوانية هائلة، ومعادن متعددة، وموقعًا جغرافيًا استراتيجيًا. لكن هذه المقومات لم تتحول بعد إلى واقع لأن البلاد لم تستثمر في شبابها ولم تُحرر اقتصادها. إن إشراك الشباب في مشاريع زراعية ذكية وربطهم بالصناعات الصغيرة والمتوسطة يجعلهم ركيزة الاقتصاد الجديد. فالشاب الذي يزرع ويصنّع ويسوّق هو الذي يحوّل الموارد الخام إلى ثروات حقيقية، وهو الذي ينقل السودان من التبعية إلى الاكتفاء والتصدير.

ومن هنا تبرز الحاجة إلى خطوات عملية واضحة، منها تأسيس بنك الشباب ليكون مؤسسة تمويلية تقدم قروضًا صغيرة ومتوسطة مع تدريب ومتابعة لضمان النجاح، وإنشاء صندوق استثمار الشباب لدعم المشاريع الابتكارية الزراعية والتكنولوجية وربطها بالأسواق المحلية والعالمية، وإطلاق حاضنات أعمال وطنية لتدريب الشباب على البرمجة والذكاء الاصطناعي والتجارة الإلكترونية وإدارة الأعمال، وكذلك الاستثمار في التعليم العملي عبر تطوير المناهج وربط الجامعات بالمشاريع الاقتصادية الكبرى.

إن مستقبل السودان مرهون بقدرة شبابه على التحول من مهمشين إلى قادة إنتاج وإبداع. ولن يتحقق ذلك إلا إذا تحررت بيئة الاقتصاد من القيود، وانطلقت الرقمنة لتفتح أمامهم فضاءات بلا حدود. عندها يصبح كل شاب مشروع نهضة بحد ذاته، وكل فكرة لبنة في بناء وطن جديد. قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾، فلتكن البداية من الشباب، ولتكن النهضة على أيديهم.

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى