الأخبارالعالمية

أسباب فنية وراء إلغاء صفقة الغواصات.. خبراء: خسائر فرنسا المعنوية أفدح من المادية

أسباب فنية وراء إلغاء صفقة الغواصات.. خبراء: خسائر فرنسا المعنوية أفدح من المادية

عبد المجيد دقنيش

باريس- ما زالت “الطعنة في الظهر” التي تلقتها فرنسا من أستراليا وحلفائها بعد إلغاء صفقة الغواصات تفجر الأسئلة وتلقي بظلالها على علاقة فرنسا وأوروبا بشركائها التقليديين، إضافة إلى الخسائر المادية والمعنوية التي ستعاني منها باريس على صعيد سمعتها في سوق الغواصات.

وتتواتر يوميا ردود الفعل والتصريحات والمكالمات الهاتفية والوعود باللقاءات المستقبلية من أجل إعادة نظم عقد الثقة الذي انفرطت حباته بين شركاء الأمس وخصوم اليوم.

ولا غرو في كل ذلك إذا عرفنا أن العقد الملغى هو “عقد القرن” مثلما وصفته فرنسا، وقد اختارت كانبيرا عام 2016 مجموعة “نافال غروب” (Naval Group) الفرنسية لتزويدها بـ12 غواصة ذات دفع تقليدي تعمل بالديزل ومعدلة عن طراز الغواصة النووية الفرنسية “باراكودا” التي بدأت فرنسا تزود بحريتها بها.

وبلغت قيمة العقد الإجمالية عند توقيعه 31 مليار يورو (نحو 50 مليار دولار)، وما يعادل 90 مليار دولار بعد الأخذ بالتضخم على طول مدة البرنامج مع تخطي حد التكاليف.

الشروط الفنية للإلغاء

وبعيدا عن الأسباب الجيوسياسية وعن ارتفاع النبرة العاطفية والخطابات الحماسية يتساءل مراقبون عن الأسباب الموضوعية والبراغماتية وراء إبطال هذه الصفقة الكبيرة، فضلا عن المواصفات الفنية والتقنية للغواصات الفرنسية مقارنة بمثيلتها الأميركية.

وفي هذا السياق، نقلت القناة الفرنسية الأولى “تي إف1” (TF1) -في تقرير سابق لها عن مجموعة من الخبراء العسكريين- أن غواصات “فرجينيا” التي ستتسلمها كانبيرا في السنوات القادمة تتمتع بقوة أفضل من غواصات “باراكودا” الفرنسية.

وتصل سرعة غواصات فرجينيا إلى 40 كيلومترا/ساعة مقابل 32 كيلومترا/ساعة للغواصات الفرنسية، وهو ما يؤهلها للإبحار بعيدا ولإنجاز مهام أطول، حيث ينفد وقود “باراكودا” بعد 80 يوما من الإبحار، فيما تدوم بطارية “فرجينيا” النووية -نظريا- ما يقارب 30 عاما.

وبحسب نفس الخبراء، يمكن لغواصة تعمل بالطاقة النووية أن تنطلق من ميناء بيرث البحري في أستراليا، وأن تقوم بدوريات في بحر جنوب الصين لمدة 77 يوما، وتكون بذلك مهمتها أطول بكثير من سفينة تقليدية مثل التي اتفق بشأنها في العقد الفرنسي.

وتسمح هذه المزايا الفنية -حسب الخبراء- لكانبيرا بالتعامل مع التوسع المتزايد للصين في المحيط الهادي، والدفاع عن مصالحها وحمايتها بشكل جيد.

وربما هذا ما حاول رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون التأكيد عليه حين صرح -بعد إعلان قرار توقيع العقد الجديد في القمة الافتراضية التي جمعته مع نظيره البريطاني بوريس جونسون والرئيس الأميركي جو بايدن- بأن ما حدث “ليس تغييرا في الرأي، بل هو تغيير في الحاجة”، مشددا على أن رفض العرض الأميركي كان مستحيلا.

وأشار موريسون كذلك إلى أنه أبلغ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون -خلال لقائهما في باريس في يونيو/حزيران الماضي- “أن ثمة مسائل جدية جدا بشأن ما إذا كانت قدرات غواصات تقليدية ستلبي الاحتياجات الأمنية الإستراتيجية لأستراليا في منطقة المحيطين الهندي والهادي”.

من جهتها، التزمت فرنسا مع أستراليا على أساس “شراكة فريدة نسبيا” بحسب وزارة الدفاع الفرنسية، حيث قال الناطق باسم الوزارة إيرفيه غران جان في تصريحات إعلامية محلية “كنا نعلمهم بناء غواصة وتصميمها، كان هناك نقل مهم للغاية للتكنولوجيا، 60% من الوظائف المرتبطة بهذا المشروع الضخم تقع في أستراليا”.

استرجاع الخسائر

ولأن هذه الصفقة ليست مجرد صفقة عادية مثلما يؤكد المختصون وإنما هي صفقة إستراتيجية ترقى إلى مرتبة شراكة حقيقية -خاصة في نقل تكنولوجيا صناعة الأسلحة من فرنسا إلى أستراليا- فإن خسائر باريس المادية والمعنوية والمباشرة وغير المباشرة ستكون كبيرة وسيتواصل أثرها على مدى عقود، فضلا عن أن استرجاع الأموال وتنفيذ الشروط الجزائية في مثل هذه الصفقات الضخمة يتطلبان تحضيرات ومفاوضات شاقة ووقتا طويلا.

ولأجل استرجاع الخسائر الكبيرة المقدرة أوليا بـ67 مليار دولار أعلنت وزارة الدفاع الفرنسية بداية الأسبوع الجاري بدء محادثات بين مجموعة “نافال غروب” والسلطات الأسترالية حول الحصول على تعويضات مالية محتملة بعد فسخ كانبيرا العقد.

وذكرت الوزارة في مؤتمر صحفي بشأن أزمة الغواصات أن “المناقشات جارية بين خبراء مجموعة نافال غروب والأستراليين حول التعويضات”.

وأضافت أن المجموعة الفرنسية اجتازت بالفعل عدة مراحل في العقد بمبلغ 900 مليون يورو، دفعت أستراليا أغلبيته.

من جانبه، أعلن بيار إريك بومليه رئيس مجلس إدارة مجموعة “نافال غروب” الأربعاء الماضي في حوار مع صحيفة “لوفيغارو” (Le Figaro) أن المجموعة تعتزم إرسال عرض مفصل بالأرقام لأستراليا بالتكلفة التي تكبدتها والتكلفة المقبلة، بعد فسخ العقد الضخم.

وقال بومليه إن “أستراليا فسخت العقد لأن هذا يلائمها، مما يعني من جهة أخرى أننا لم نرتكب خطأ”.

وأضاف أن “هذه من الحالات التي نص عليها العقد، وسيترتب عليها دفع التكاليف التي تكبدناها والتكاليف المقبلة، والتي على ارتباط بالتفكيك الفعلي للبنى التحتية والمعلوماتية وإعادة نشر الموظفين، سوف نطالب بكامل حقوقنا”.

الخسائر المعنوية

من جانبه، أكد أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة السوربون كميل السري أن قيمة العقد المبرم بين فرنسا وأستراليا تبلغ 56 مليار يورو، ولكن هذا المبلغ لن يذهب فقط لـ”نافال غروب”، وإنما هناك شركات صغيرة أخرى ستستفيد منه.

وقال السري -للجزيرة نت- الآن بإلغاء هذه الصفقة هناك أضرار كارثية لهذه الشركات الصغيرة، ويقترب عدد الأشخاص الذين سيفقدون وظائفهم من 1500 شخص سيجدون أنفسهم بين عشية وضحاها محالين إلى البطالة، بالإضافة إلى 500 موظف في الشركة الأم “نافال غروب”.

وأضاف أن أهم من الخسائر المادية المباشرة هي الخسائر المعنوية الكبيرة التي تكبدتها وستتكبدها مجموعة نافال غروب في المستقبل، خاصة ما يتعلق بسمعة هذه المجموعة وسمعة فرنسا عند بقية الحلفاء والدول، حيث يمكن في المستقبل للدول التي تفكر في شراء مثل هذه الغواصات أن تتجه إلى السوقين الأميركية والبريطانية عوضا عن السوق الفرنسية.

المصدر : الجزيرة

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى