محمد احمد عبدالقادر يكتب: اتكاءة على كتف زميل :كمال فتحى …موظف فوق العادة و زميل غير عادى

محمد احمد عبدالقادر يكتب: اتكاءة على كتف زميل :كمال فتحى …موظف فوق العادة و زميل غير عادى
اسم كمال تكرر عدة مرات بادرات العلاقات العامة بالوحدات التابعة للوزارة النقل … كمال بشير كان مديرا للعلاقات العامة برئاسة الوزارة . رجل علاقات عامة مشهور لُقب بشيخ رجال العلاقات العامة بالسودان … له قدرة عالية جدا فى نظم الشعر . قصيدته ( البردة الجعفرية ) التى يمدح فيها الرئيس نميري ، كتبت بماء
الذهب فى لوحة ضخمة و وضعت عند إحدى مداخل القصر الجمهوري… و كمال بشير ( آخر ) كان مديرا للعلاقات العامة بالسكة حديد . وهو ايضا يكتب الشعر ، و اصدر ديوان شعري … كمال فتحى كان مديرا للعلاقات العامة بهيئة الموانئ البحرية … و كمال يوسف كان مديرا للعلاقات العامة بالخطوط البحرية السودانية . لا أدري ان كانت له علاقة بالشعر ام لا … و لكن لكمال فتحى نمط
شعرى خاص به … يقول كلاما يشبه الشعر و ما هو بشعر … لفت نظري اليه الزميل العزيز سيف الدين جعفر … عندما استمع لكمال و هو يقول ذلك الكلآم المنظوم و غير المفهوم ، لا أستطيع التوقف عن الضحك … جميعهم كانوا رجال علاقات عامة( شُطٌار ) حسب المفهوم التقليدى و الفهم المُتخلف لوظيفة العلاقات العامة.
* كمال فتحى التحق موظفا بالموانى اوائل السبعينات…
قيل إنه منذ اليوم الأول لتعيينه حضر للعمل بسيارته الخاصة … ان صح هذا القول يكون كمال فتحى هو أول موظف في تاريخ الخدمة المدنية بالسودان ، يتم تعيينه فى مدخل الخدمة و هو يمتلك سيارة خاصة به… خلال فترة زمالتى له بالعلاقات العامة بهيئة الموانئ اوائل الثمانينات و حتى اوائل التسعينيات . كانت سيارة كمال فتحى الخاصة في مستوي السيارات الحكومية لكبار المسؤولين بالموانى .
* طوال فترة زمالتى لكمال فتحى لا أعرف له اى مكتب محدد للعمل … و لا يخضع للضوابط المشددة فى الحضور و الانصراف من العمل … كمال فتحى يأتي متى ما يأتي و ينصرف متى ما ينصرف … يجلس فى اى ( تربيزة ) يريدها بما فيها الخاصة برئيس القسم .
* كمال فتحى كان المسؤول المباشر عن إجراءات سفر المسؤولين بالهيئة و ضيوفها … له قدرات أسطورية و إمكانيات خيالية ، فى إنجاز إجراءات السفر مهما كانت
تعقيداتها … يحكى أن احد مدراء هيئة الموانى جاءته سفرية طارئة إلى الخرطوم آخر اليوم … و لادراك الرجل لصعوبة السفر فى ذلك الظرف ، رأى ان يرتب الامر بنفسه… أتصل بالمحافظ و مدير الأمن للحصول على مقعد فى الطائرة المغادرة الى الخرطوم فى ذلك اليوم ، و لكنه لم يوفق … طلب من مسؤول العلاقات العامة ان
يرتب له أمر السفر فى اليوم التالى … المدير رد بدهشة و استغراب على ما سمعه من مسؤول العلاقات العامة ( أقول ليك انا أتصلت بالمحافظ و مدير الأمن قالوا ما فى طريقة !!! تقول لى نشوف كمال فتحى ) … لكم ان تتخيلوا دهشة و استغراب المدير و هو داخل الطائرة متوجها الى الخرطوم … لا أدري كيف قام كمال فتحى
بما عجز المحافظ و مدير الأمن ان يقوما به ؟ … أظن و ليس كل الظن اثم ، ان كمال و بحكم علاقاته الواسعة قام باقناع او حتى اغراء احد الركاب بالتخلف عن تلك الرحلة ليسافر المدير بدلا عنه . و جائز ايضا ان يكون الأمر قد حدث بالصدفة .
* أما عن تجربتي الشخصية ، فقد كانت إبان الإضراب الشهير و الطويل لعمال الموانى أواخر الثمانينات… وزير النقل الدو اجو دينق عقد مؤتمرا صحفيا بالخرطوم . وجه فيه انتقادات قاسية لنقابات الموانى . كانت فى مقدمة نشرة أخبار الثالثة باذاعة ام درمان . و ستكون فى صدر الصفحات الاولى للصحف فى اليوم التالي … قلت لرئيس نقابة الموظفين بالموانى المخضرم أحمد
إبراهيم ( لو لقينا طريقة وصلنا نشرات النقابة دى للجرايد فى الخرطوم يكون كويس خالص ) فقال ( لو ما عندك مانع تسافر توديها ليهم ) قلت ( لو فى طريقة بعد دا انا جاهز ) قال ( يالله نشوف كمال فتحى) … من دار نقابات الموانى وسط سوق بورتسودان الكبير الى منزل كمال فتحى بديم طردونا . و من هناك الى المطار بلا تذكرة و لا حجز و لا عفش و لا يحزنون … قبل مغيب
شمس ذلك اليوم كانت نشرات نقابة الموانى بصالات تحرير الصحف . و فى صباح أليوم التالى كان الخبر فى صدر الصفحات الأولى … ما كان يمكن ان يحدث هذا ابدا ، لولا ان سخر الله لنا كمال فتحى .
* كمال فتحى إنسان لطيف و رجل ودود … لديه ميل شديد للمزاح و يجيد ( حبك المقالب ) … و مع هذا كان الود بينى و بينه فى أدنى مستوياته ، و اواصر الزمالة معه فى اقل درجاتها … طبيعة عمله جعلت علاقته مع كبار المسؤولين مفتوحة و ( الكُلفة ) بينه و بينهم
مرفوعة … هذا ما جعلنى اشعر نحوه بغبطة مكتومة ، و احس اتجاهه بغيرة مخفية … كنت اعتقد إننا كاعلاميين احق منه بتلك العلاقة مع المسؤولين . وهى ضرورية للقيام بدورنا الاعلامي … و اظن إننا أجدر من كمال فتحى بعدم الإلتزام بالمواعيد المحددة للعمل … بل كنت أنظر باستخفاف و ازدراء للعمل الذى يقوم به كمال
فتحى . و أعتبره عمل هامشي و غير ضروري و لا مهم … هذا قبل أن يفتح الله علي ، و أعلم ان السفر أمره عظيم … من أجله قُصرت الصلاة و ابيح الفطر فى نهار رمضان .
* كمال فتحى شخص منفتح على الكل ، و ان بدى ظاهريا إنه صفوى و نخبوى … لا أظنه يتردد فى تقدم الخدمة لكل من طلبها منه … أظنه يسعد و يتلذذ ، بل و ينتشى بقضاء الحوائج الاجرائية للناس … علاقته مع المسؤولين تتمدد و تشمل أسرهم و اقاربهم … قبل فترة
قصيرة كنت فى تواصل مع الأخ إبراهيم ، الإبن الوحيد لعمنا الراحل الكبير خالد الصادق اونسة . رئيس مجلس الأدارة المؤسس لهيئة الموانى البحرية… كنا نتحدث بخصوص أمر اجرائى ببورسودان … إبراهيم قال ( يا حليل زمن كمال فتحى كان عملا هوا ) .
* صديقي و زميلى العزيز فتحى الشقيلى اختار لابنه الكبير اسم كمال … لست متأكدا أن كان قاصدا أن يكون اسم إبنه مطابقا لاسم كمال فتحى … و لكنى متأكد تماما أن زميلنا حامد ادم عليه رحمة الله ، اختار لابنه أسم جعفر حتى يكون مشابها لاسم أستاذنا الكبير جعفر حامد البشير أبو العلاقات العامة بالسودان ، و مؤسس و أول
رئيس لجمعية العلاقات العامة السودانية … حامد بنفسه أخبرني عندما ما قرأ ما كتبته اعجابا بالأستاذ جعفر حامد البشير حيث قال ( انا سميت عليهو ولدى ) .
* حوالى الاربعة عقود من الزمان امضاها كمال فتحى مع تذاكر السفر . و الذهاب إلى المطار الاف المرات … طوال فترة زمالتنا معا لم اسمع قط ان كمال فتحى مسافر او جاء من السفر … عندما أنشأت هيئة الموانى اول صالة لسفر الركاب كان كمال فتحى اول مدير لها .
* رجل بكل هذا السجل العريض و الرصيد الكبير فى خدمة المسافرين . لا غرابة اذن ان يسافر ابنه البكر الكابتن تامر كمال فتحى من بورتسودان الى الولاية الشمالية على رأس مجموعة من أصحابه ، مشاركا فى انتشال جثامين التلاميذ الذين غرقوا بالمركب بمنطقة كبنه ، و مواسيا اهل المنطقة فى هذا الخطب الجلل و المصاب الأليم . كان لمشاركة و مواساة الكابتن تامر كمال
فتحى و رفاقه فى تلك المأساة وقع فى نفوس اهل كبنه و صدا فى الرأى العام السوداني ، أكبر من وقع و صدى مشاركة و مواساة الوفد الرئاسي .
* آخر عهدى بكمال فتحى كان قبل أسابيع قليلة من
اندلاع هذه الحرب اللعينة . بمكتب الأخ الكريم و الصديق العزيز العمدة / الطيب المصباح … وجدته كما هو ( كمال فتحى الزمان داك … نفس الملامح و الشبه ) .
* نسأل الله كمال الصحة والعافية للأخ و الزميل الكبير كمال فتحى عبدالغفور فتح الله عليه ابواب الخير و غفر له و لنا جميعا .