أفريقياالأخبارالثقافيةتقارير

يوميات الإسكندرية 1882.. تأريخ للمدينة المتوسطية واحتلالها بعيون غربية ومصرية

يوميات الإسكندرية 1882.. تأريخ للمدينة المتوسطية واحتلالها بعيون غربية ومصرية

قبل 140 عاما، وعلى إثر أحداث “الثورة العرابية“، ضربت القوات البريطانية مدينة الإسكندرية الساحلية المصرية لتبدأ عام 1882 حقبة دامت 70 عاما من الاحتلال الإنجليزي لمصر، وفي نفس الشهر عام 1952، وقبل اشتعال حركة الضباط الأحرار 23 يوليو/تموز بأيام، صدر كتاب الأديب الراحل عباس محمود العقاد “11 يوليو وضرب الإسكندرية”.

وبالرغم من كون الكتاب صغير الحجم، ولم يحالفه الكثير من الشهرة، فإنه يعد في نظر المؤرخين من أهم الكتب التي صدرت للعقاد في السنوات العشر الأخيرة من عمره، لأنه تحدث فيه لأول مرة عن مكانة مصر وشخصيتها قبل أن يقول المفكر الراحل جمال حمدان بذلك، ولأنه نبه لخطورة الديون والقروض على استقلال البلاد، وأيضا لأنه سبق المؤرخين بالتحذير من خطر “الصهيونية” في النيل من مكانة مصر وأمنها القومي.

في مفتتح الكتاب يقول العقاد “عند مشرق الشمس من يوم الثلاثاء الحادي عشر من شهر يوليو (تموز) سنة 1882، أخذ الأسطول البريطاني في إطلاق قذائفه على الإسكندرية، فجاوبته إحدى قلاعها بعد الطلقة العاشرة، وجاوبته القلاع الأخرى بعد الطلقة الخامسة عشرة، واستمر إطلاق النيران من الأسطول على المدينة إلى الساعة الخامسة، ولم ينقطع تماما إلا عند الغروب”.

لجنود بريطانيين يحملون أحد الضحايا ليدخلوه البارجة الكسندرا - مصدرها كتاب : يوميات الاسكندرية،
مشهد لجنود بريطانيين من كتاب “يوميات الإسكندرية 1882” (مواقع إلكترونية)

70 عاما

بدأ العقاد كتابه بهذه الطلقات التي تعبر عن واقع الحرب، بعد المقتلة التي دارت رحاها قبل هذا الموعد بشهر كامل في 11 يونيو/حزيران، بين أبناء الإسكندرية والأجانب، وراح ضحيتها المئات من المصريين، وما تلى ذلك من حصار المدينة وضربها بواسطة الأسطول الإنجليزي وتدمير الطوابي ودفاعات واستحكامات المدينة بعد إخلاء الأجانب منها، وما تبع ذلك من حرق ونهب الدكاكين وتدمير البيوت.

وقد امتد التخريب لوسط المدينة وخاصة ميدان القناصل (المنشية) وشوارع المدينة مثل شارع شريف وغيره.

والعقاد عندما سطر هذا الكتاب، لم يكن يعني تأريخا لثورة فشلت، وعينه مفتوحة على ثورة 1919 المجهضة، الذي كان لسانها ومتحدثها الأول، وكأن قلبه يستشعر إرهاصات ثورة جديدة، وهو ما حدث بالفعل في نفس الشهر الذي صدر فيه هذا الكتاب، حيث قامت حركة الضباط الأحرار في 1952، وجاء هذا الكتاب وفي طياته إجابة عن سؤال آخر “لماذا تفشل الثورات المصرية غالبا؟”.

ولعل فصول الكتاب هي إجابة عن هذا السؤال المهم من خلال حديثه بشكل مختصر عن ضرب الإسكندرية واستباحتها، وتكلم عن مكانة مصر من وجهة النظر الجيوسياسية، وسبق بذلك جمال حمدان في كتابه “شخصية مصر”، والتوسع في الامتيازات الأجنبية التي كانت مرتعا خصبا لاستغلال مصر على يد الأجانب بمختلف أشكالهم.

القروض والخراب

يعطي العقاد لقضية الديون والقروض ومسألة قناة السويس، جانبا مهما في الكتاب، وكيف أنهم كانوا تكأة أساسية بسببها احتلت بريطانيا مصر.

وفي الوقت الذي لم ينتبه فيه المؤرخون لخطورة “الصهيونية” على مستقبل مصر، كان العقاد مستشعرا هذا الخطر، مخصصا له فصلا كاملا تطرق لدورانها في فلك الإمبريالية العالمية، مجذرا تاريخ المشروع الصهيوني، ودور الصهيونية في ديون مصر، ومساعيها لدى الدولة العثمانية، بحسب قراءته آنذاك.

ويقف العقاد على جذور الثورة العرابية، حيث تصدى أبطالها لحرمان المصريين من ثروة بلادهم، في حين يتم الإغداق على الأجانب دون وجه حق، ويرسم صورة حية للنهضة الفكرية وروادها بداية من الطهطاوي، ومرورا بالأفغاني وتلاميذه الذين حملوا راية اليقظة أمثال محمد عبده وعبد الله النديم وسعد زغلول، والعسكريين أمثال أحمد عرابي والبارودي وعلي فهمي، ونهاية بالدور الإيجابي للصحافة.

ومن الواضح أن العقاد كان على يقين من أن للجيش دوره في حركة التغيير، وهذا ما تخوف منه الملك فاروق في أيامه الأخيرة، عندما رفض أن يعين اللواء محمد نجيب وزيرا للحربية وردد قولته “لا أريد عرابي رقم 2”.

الصليبيون

كانت الصحف البريطانية تتابع الأحداث في مصر عن كثب، وتنقل أحداث هذه الفترة العصيبة من تاريخ مصر والإسكندرية من خلال رسوم وكتابات عن ضرب الإسكندرية وتهجير الأجانب والمصريين، واستعدادات عرابي وجيشه لمواجهة الإنجليز.

فبينما كانت الأحداث تشتعل في المدينة كان هناك الكثير من صحفيي ورسامي الجرائد الإنجليزية الذين يتابعون الأحداث يوما بيوم، ويرصدون كل التحركات في الشوارع والطوابي والميادين، ومن هذه الجرائد: أخبار لندن المصورة (The Illustrated London News) و جريدة “ذا غرافيك” (The Graphic) وهي جريدة أسبوعية مصورة، اهتمت كثيرا في هذه الفترة من عمر الإسكندرية، حتى أفردت لها الملاحق، وأرسلت الرسامين المتخصصين لتوصيف الموقف في المدينة، ولم تقدم فقط صور الحرب والدمار ولكنها عرضت أيضا لواقع الحياة اليومية.

وكان أبرز ما سجلته الصحف البريطانية والفرنسية مع أخبار وصور القبض على أحمد عرابي باشا زعيم الثورة العرابية، وإيداعه السجن، ومراحل محاكمته التي انتهت بنفيه إلى جزيرة سيلان (سريلانكا حاليا).

ويؤصل العقاد لطبيعة هذا الاهتمام الغربي بمصر، ويقول “تعتبر المسألة المصرية من جميع الوجوه حلقة من سلسلة الوقائع والمنازعات التي دارت سجالا بين الشرق والغرب من أقدم العصور التاريخية، وتعددت بواعثها بين عصر وعصر”.

ويستدرك “لكنها في حوادثها التي انتهت باحتلال مصر قد تمثلت في دورين كبيرين أحدهما لاحق بالآخر ومتوقف عليه، هذان الدوران هما، دور الحروب الصليبية ثم دور المسألة الشرقية، واحتلال مصر لم يكن إلا صفحة من صفحات هذا السجل الواسع”.

ويردف “لكن في المقابل كان للصحف المصرية دور مختلف من هذه الأحداث، جريدة الأهرام المصرية لصاحبيها (اللبنانيين) بشارة تقلا وشقيقه سليم تقلا أطلقت على عرابي وأصحابه لفظ “العصاة”، بينما كانت صحيفة “الطائف” لصاحبها عبد الله النديم، على النقيض من الأهرام، وأصروا على أن عرابي وأصحابه من الجهادية “الجيش” هم وطنيون حتى النخاع، ورفعت الطائف شعار ” الله ينصرك يا عرابي”.

يوم غائم في تاريخ مصر

الدكتورة لطيفة محمد سالم أستاذة التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب جامعة بنها قدمت كتاب “11 يوليو وضرب الإسكندرية”، وقالت “مما لا شك فيه أن حادث 11 يوليو/تموز 1882، يعد حادثا مفصليا في تاريخ مصر الحديث، حيث وقع وقت أن كانت البلاد تمر بثورتها الوطنية (1881–1882) المعروفة بالثورة العرابية، فقضى عليها لتبدأ معها مرحلة عصيبة تحت الاحتلال البريطاني”.

وأضافت سالم “في هذا اليوم انطلقت المدافع لتدك قواعد وقلاع الإسكندرية، وقت أن كانت مصر تعيش فترة صاخبة، تجمعت فيها العوامل التي نخرت في جسدها: ظروف داخلية مريرة، واحتلال جاثم على صدرها، وفشل المفاوضات مع العدو، وحركة وطنية ملتهبة، وأصوات تعلو من أجل التغيير، وتوقعات لإمكانية حدوث أمر جلل، وفي كنف هذا المناخ، يأتي كتاب الأستاذ العقاد في ذلك التوقيت وهو يعني شيئا، لقد أراد العقاد أن يستثمره ليواكب السخط على الأوضاع القائمة، وينبه أن مصر سبق أن رفضت أوضاعا مماثلة ولم تستسلم”.

جنود بريطانيين يحملون أحد الضحايا ليدخلوه البارجة الكسندرا- مصدرها كتاب : يوميات الاسكندرية،
جنود بريطانيون يحملون أحد الضحايا ليدخلوه البارجة ألكسندرا من كتاب “يوميات الإسكندرية” (مواقع إلكترونية)

إعادة قراءة الكتاب

تضيف سالم في تقديمها للكتاب “نحن الآن في حاجة لإعادة قراءة الكتاب، لنتوقف أمامه ونسأل أنفسنا: لماذا انهزمنا ؟ وما الأدوات التي تغلب بها العدو علينا؟، ولماذا هو متربص بنا، خاصة بعد أن تطورت آلياته، وتحولت مواقعه، ومن هنا علينا أن نعي تخطيطاته جيدا، ونضع في حسباننا أن مصر مستهدفة لاعتبارات متعددة ومعروفة، وبالتالي لا بد من الإفادة من درس التاريخ، إنه لا يعيد نفسه، لكن يجب أن تكون أحداثه ماثلة أمامنا، لنخرج منها بالتجارب التي يجب أن تكون لنا عونا ونبراسا لتبقى مصر المحروسة لها المكان والمكانة على خريطة عالمنا”.

أطلال ودمار

إذا ما تركنا الجانب التاريخي وانتقلنا للجانب الأثري لنعرف ماذا جرى للقلاع والطوابي وأبراج الإسكندرية في هذا اليوم من تدمير وتخريب، يقول الدكتور حسام إسماعيل أستاذ الآثار بكلية الآداب جامعة عين شمس للجزيرة نت إن ما حدث في 11 يوليو/تموز 1882 هو تدمير للآثار والقلاع التي كانت موجودة على شاطئ بحر الإسكندرية، هذه القلاع أنشأها القائم على العرش إبراهيم باشا الابن الأكبر لوالي مصر محمد علي باشا بعد حملة فريزر على مصر سنة 1807، ولك أن تتخيل أن قلعة قايتباي كانت شبه مدمرة، ولم يبق منها سوى أطلال، وفي عام 1948 تم ترميمها وإعادتها للوجود مرة أخرى بالاستعانة بالرسوم التي تركها علماء الحملة الفرنسية في كتاب “وصف مصر“.

في هذا الوقت تشكلت وزارة الثورة برئاسة محمود سامي البارودي، الملقب شاعر السيف والقلم، وكان أحمد عرابي وزيرا “للحربية والجهادية”، ومع أنها لم تحكم سوى شهور قليلة، فإنها استطاعت تحصين السواحل المصرية من الإسكندرية غربا للعريش شرقا، وجاء الإنجليز ودمروا الكثير من هذه القلاع والأبراج، وكانت آثار الدمار على الطوابي عظيمة لدرجة أن قلعة كوسا باشا لم يمكن ترميمها للآن، حتى تحولت لمنطقة عشوائية، بحسب إسماعيل.

ويتابع الأكاديمي والمؤرخ “تمت إزالة عدد من تلك الأبراج على سور الإسكندرية الممتد من الشاطبي لأبو العباس لفداحة التخريب الذي طالها، ولعل الكثيرين لا يعلمون أن القنصلية السويدية في الإسكندرية أقيمت مكان واحد من هذه الأبراج التي كانت تحمي شاطئ الإسكندرية”.

وكتاب “يوميات الإسكندرية 1882” صدر -مجددا- عن مكتبة الإسكندرية 2010 هو تأريخ للمدينة في هذه الفترة بعيون فرنسية وأميركية ويونانية وصحفية مصرية. وينقل عن سليم خليل النقاش صاحب جريدة المحروسة، وكتاب مصر للمصريين كثيرا من تلك الأحداث الدامية.

وما يميز الكتاب أنه ينقل شهادات عن الأحداث بعيون إنجليزية وفرنسية ومصرية وألمانية، ويضم مجموعة من اللوحات الفنية التي سجلت الحرب والحياة اليومية للمصريين والأجانب في الإسكندرية.

المصدر : الجزيرة

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى