يبلغ 55% من حجم اقتصاد مصر الرسمي.. هل يمكن للحكومة دمج الاقتصاد الموازي؟
محمد عبدالله
يبلغ 55% من حجم اقتصاد مصر الرسمي.. هل يمكن للحكومة دمج الاقتصاد الموازي؟
القاهرة– تعد قضية دمج الاقتصاد الموازي (غير الرسمي) أحد أبرز القضايا الاقتصادية في مصر التي تسعى الحكومات المتعاقبة إلى السيطرة عليها، ودمج أكبر عدد من الأنشطة الاقتصادية غير الرسمية تحت مظلة الاقتصاد الرسمي وزيادة الحصيلة الضريبية والناتج المحلي الإجمالي.
ويبلغ حجم الاقتصاد الموازي 55% من حجم اقتصاد مصر الرسمي، وهو غير مرخص وغير مسجل ضريبيا، بحسب وزير المالية، ويرتفع إلى 60% في بعض الدراسات وهي نسبة مرتفعة مقارنة بالدول النامية الأخرى.
end of list
وقد أكد وزير المالية الدكتور محمد معيط -وفق تصريحات صحفية- أن هناك 55% من الاقتصاد والشركات غير رسمي، وليس لديه رخص وغير مسجل ضريبيا لدى الدولة.
فالاقتصاد الموازي، أو ما يطلق عليه الاقتصاد غير الرسمي، أو اقتصاد الظل أو الخفي، هو كل نشاط اقتصادي (سوقي) يمارسه أفراد أو مجموعات وغير مسجل لدى الدولة ومن شأن دمجه زيادة الإيرادات الضريبية، وإجمالي الناتج المحلي.
وهو ظاهرة واسعة الانتشار في كل دول العالم بلا استثناء، ويعمل جنبا إلى جنب مع الاقتصاد الرسمي ويوفر فرص عمل سهلة وسريعة للكثيرين، ولكن تقل نسبته إلى حجم الاقتصاد الرسمي في الدول الصناعية المتقدمة وتزيد في الدول الصاعدة والنامية.
وتشير بيانات منظمة العمل الدولية إلى أن حوالي ملياري عامل، أي نحو 60% من قوة العمل في العالم، ممن في عمر 15 سنة فما فوق، يعملون في الاقتصاد غير الرسمي، ويمضون فيه جزءا من أوقاتهم.
وأظهرت دراسات -أجراها صندوق النقد الدولي شملت 158 دولة خلال فترة 25 عاما (1991 -2015)- أن متوسط حجم الاقتصاد غير الرسمي في هذه الدول يبلغ نحو 32.5% من الناتج المحلي الإجمالي بالاقتصاد الرسمي لها.
جهود حكومية غير مثمرة
خلال السنوات الأخيرة، ظلت هذه النسبة (55%) على حالها لم تتغير في مصر كثيرا، مما يعني أن جهود الحكومات في تقليلها لم تثمر حتى الآن عن نتائج إيجابية، وهي ذات النسبة التي كررها وزير المالية العام الماضي وتحديدا في سبتمبر/أيلول الماضي.
وقال معيط حينها إن ضم الاقتصاد الموازي للاقتصاد الرسمي يفيد في دخول إيراداته ضمن الناتج المحلي الإجمالي، مما يجعل مصر ذات اقتصاد أقوى وأكبر، وسوف يؤثر بالإيجاب على المؤشرات الاقتصادية، وتحقيق التوازن بين القطاعات كافة.
وأوضح الوزير المصري مدى حاجة الدولة لدمج هذا الاقتصاد، في إشارة إلى الإيرادات الضريبية، للإنفاق على تحسين حياة المواطنين، ولخص سياسة الدمج بالقول “المقتدر يشاركنا، وغير المقتدر الدولة تدعمه”.
شبح الضرائب
تثير كلمة “الضرائب” وما خلفها من التزامات تجاه الضوابط الحكومية مثل الاشتراطات الصحية والتأمينية والصناعية والتموينية، وغيرها مخاوف الكثيرين في السوق الموازي من الانضمام للاقتصاد الرسمي وبالتالي مشاركتهم إيراداتهم وتآكل أرباحهم.
وتمثل الضرائب منذ سنوات ما يتراوح بين 75% إلى 80% من إيرادات الحكومة المصرية، وتشهد نموا سنويا بشكل مطرد، حيث نمت في موازنة العام المالي 2021/2022 بمعدل 17.3% وسجلت 978.4 مليار جنيه، (الدولار يساوي 19.7 جنيها).
وقال رئيس المجلس المركزي للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب، ورئيس الاتحاد العام لعمال مصر سابقا، جبالي المراغي “دمج الاقتصاد غير الرسمي سوف يحقق لخزانة الدولة إيرادات ضريبية تساعدها على تقليل حجم العجز في الموازنة، وندعم جهود الحكومة في هذا الصدد من أجل تحصيل حقها”.
وبشأن ارتفاع نسبة الاقتصاد الموازي إلى نسبة الاقتصاد الرسمي في مصر مقارنة بالعديد من دول العالم، أوضح في حديثه للجزيرة نت، أن مصر بها عدد كبير من الأيدي العاملة، والاقتصاد الموازي مفتوح للعمالة الماهرة وغير الماهرة، المتعلمة وغير المتعلمة، وتنتشر فيها جميع أنواع الورش والحرف الصغيرة.
وأرجع استمرار أزمة عدم دمج الاقتصاد غير الموازي إلى الكثير من الأسباب على رأسها، غياب الوعي لدى الكثير من العاملين حول أهمية الانضمام تحت مظلة الاقتصاد الرسمي، إلى جانب مخاوفهم من دفع الضرائب وإلزامهم باشتراطات صناعية وصحية، وتجارية قد تؤدي إلى تآكل مواردهم. ولكن في الحقيقة أن الدولة سوف تساعدهم على تنميتها وزيادتها وتسهيل إجراءات تسجيلهم وتقنين أوضاعهم.
قوة اقتصادية ضخمة
يشكل الاقتصاد غير الرسمي جزءا مهما في الاقتصاد المصري؛ ويساهم في الناتج المحلي الإجمالي، حسب تقديرات حكومية بما يعادل نحو 40% (نحو 2.6 تريليون جنيه) من ناتج الاقتصاد الرسمي البالغ 6.4 تريليونات لعام 2020/2021.
وفي ورقة بحثية لمركز المعلومات واتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، العام الماضي، أوضحت أن هذا النشاط الاقتصادي يستوعب نحو 50% من قوة العمل البالغة نحو 29.3 مليون فرد، كما يبلغ عدد وحداته الصغيرة والمتوسطة أكثر من 4 أمثال عددها في الاقتصاد الرسمي.
وترتفع النسبة إلى 60% من حجم ناتج الاقتصاد الرسمي، في الدراسة التي أعدتها لجنة الضرائب باتحاد الصناعات المصرية نهاية عام 2018.
سياسة الجزرة بدلا من العصا
أرجع أستاذ التمويل والاستثمار بجامعة القاهرة، الدكتور هشام إبراهيم، استمرار ارتفاع نسبة حجم الاقتصاد غير الرسمي للاقتصاد الرسمي إلى “بطء الإجراءات الحكومية التي تحد من إفصاح الكثيرين عن أعمالهم، ورغبتهم في عدم الالتزام بقواعد العمل الصحيح والسليم مثل المعايير الرقابية والشروط الصناعية والتأمينية وغيرها وما يتبعها من دفع ضرائب، وفكرة الجباية هي المسيطرة على أذهان الغالبية”.
وأضاف -في تصريحات للجزيرة نت- أنه يجب إعادة النظر في مسألة دمج الاقتصاد غير الرسمي لإصلاح الخلل الناجم عن عزوف الأفراد أو المنشآت عن الاندماج بشكل صحيح وسليم في الاقتصاد الرسمي، مشيرا إلى أن هناك بعض الأمور التي تحققت من أجل تصويب هذا الأمر وبعضها لم يتحقق.
وأكد الخبير الاقتصادي أن اتباع “سياسة الجزرة” لتصحيح هذا الوضع الخاطئ مهم في جذب هؤلاء المتخوفين من التسجيل بشكل رسمي من خلال توفير مزايا وحوافز اقتصادية، وربطها بالتسجيل مثل تدريب العمالة لديهم مجانا، وفتح قنوات تمويل لمشروعاتهم، وتقديم مساعدات فنية، وتسويق المنتجات التي تتطابق مع المعايير في المعارض المحلية، وبالتالي سوف يزيد ذلك من قيمة مشروعاتهم وأعمالهم ويعزز من مكاسبهم المادية، ومن ثم تتولد لديهم الرغبة في التسجيل بشكل رسمي.
ولفت إلى أن الاقتصاد غير الرسمي لعب دورا مهما، والذي يشكل نحو 55% من حجم الاقتصاد الرسمي، في استيعاب العمالة خلال الأزمة المالية الناجمة عن جائحة كورونا، لكن تقنينه على المدى القصير والمتوسط والطويل سوف يحمي المجتمع من التداعيات السلبية الناجمة عن غياب الرقابة الصحية والصناعية للكثير من الصناعات على كافة المستويات.