( ولاية المالية علي المال العام) .. مخاوف من نتائج عكسية
( ولاية المالية علي المال العام) .. مخاوف من نتائج عكسية
تقرير: سنهوري عيسى
جدل كثيف أثاره قانون التعديلات المتنوعة لولاية المالية علي المال العام لسنة 2023م، بين مؤيد ومعارض للقانون ومتفائل بايجابيات القانون، ومتخوف من سلبيات القانون وتداعياته، علي تراجع الإيرادات العامة
للدولة جراء المساواة في الأجر بين العاملين دون إعطاء خصوصية لطبيعة العمل وأثرها على الإنتاج وزيادة الإيرادات ومحاربة الفساد ومنع التهرب الضريبي والجمركي ، وتاثيرات هذه المساواة في المرتبات في تراجع دولاب العمل وانتشار الفساد وزيادة التجنيب
والتهريب، فضلا عن إثارة الاحتجاجات العمالية والاضطرابات الأمنية والسياسية، بجانب تغول القانون على صلاحيات وسلطات أجهزة مستقلة كديوان المراجع القومي والنيابة العامة، ومساواة مرتبات العاملين فيها بالهيكل الراتبي الموحد ، إلي جانب إخضاع قوات الدعم السريع والشرطة والأمن لذات الهيكل الراتبي الموحد،
فضلا عن فتح باب للفساد بشأن تحصيل عائدات الذهب وبيعها والسماح للشركات التى تساهم فيها الحكومة بتجيب جزء من ايراداتها والعمل وفق أسس تجارية لتنافس شركات القطاع الخاص.
ويري خبراء اقتصاديون، أن مشكلة ولاية وزارة المالية علي المال العام ليست قانونية، وانما مشكلة إدارية ، فالقوانين موجودة ولكن تنفيذها هو المشكلة، بينما يري خبراء آخرون، أن هنالك إيجابيات وسلبيات لولاية المالية علي المال العام، ولابد من تعظيم الايجابيات ومعالجة السلبيات لضمان احكام ولاية المالية علي المال العام.
المشكلة ليست قانونية
ويري دكتور أحمد آدم سالم الخبير الاقتصادي والأمين العام السابق لديوان الضرائب، أن مشكلة ولاية وزارة المالية على المال العام ليست قانونية، وإنما هى إدارية.
واضاف سالم: الإقتصاد القوى والواعد يكون مرتكزا على مشروعات البنية التحتية المكتملة والخدمات والمرافق الحيوية والكادر البشرى المؤهل والمدرب ورأس المال الكافى
تحت إدارة ذات رؤية علمية إستراتيجية خاضعة لضوابط ونظم إدارية قوية ومحكمة تمنع جميع أنواع التدخلات السياسية
حتى تتمكن بذلك الدولة من الحصول على حصيلة إيرادية كبيرة من الضرائب والجمارك والايرادات المصلحية وإيرادات الولايات والمحليات.
مشاكل الإيرادات
ونوه سالم الي أن الإيرادات فى السودان تعاني من مشاكل وقضايا متعددة يمثل ضعف ولاية وزارة المالية على المال العام والتجنيب واحدا منها
وكان يتوجب على وزارة المالية العمل على وضع الحلول لجميع مشاكل الإيرادات بالدولة لتتمكن من تعظيم
حصيلة الإيرادات الذاتية التى تمكنها من الإعتماد على نفسها فى تقديم الخدمات وإحداث التنمية المطلوبة وإصلاح قضايا الإقتصاد ومعاش الناس
واضاف: من أهم تلك القضايا غياب المعلومة التى تؤسس لجمع الإيرادات نسبة لغياب البرنامج الإلكتروني المعروف ب E.Government System
الذى يقوم بتوفير المعلومة الكاملة للايرادات ويضبط
المصروفات ويمنع التجنيب والتعدى على المال العام
وتعانى عملية الجمع والتحصيل للايرادات فى السودان أيضا من تعدد التشريعات والجبايات وكثرة الإدارات العاملة فى مجال التحصيل وتجنيب الإيرادات
وفوق هذا وذاك فإن لتدخل القرار السياسى فى الشأن المالى أثرا بالغا فى سياسة التجنيب واضعاف ولاية وزارة المالية على المال العام.
التحكم في حصيلة الإيرادات
واكد سالم ، إن حاجة وزارة المالية لاستعادة التحكم فى حصيلة الإيرادات الذاتية لا تكمن فى تعديل القوانين، وإنما تكمن فى العمل على وضع الحلول اللازمة لمشكلة الحصيلة الإيرادية الإدارية والتى نرى أنها لايمكن أن تكون إلا من خلال إنشاء الجهاز الموحد للايرادات على مستوى السودان
Sudan Revenue Authority
يكون مسئولا عن تحصيل وجمع الإيرادات الذاتية بالدولة (الضرائب .. الجمارك .. الإيرادات المصلحية .. وإيرادات الولايات والمحليات)،ويتم ذلك بموجب قانون موحد للايرادات بالسودان
Sudan Revenue Act
وبذلك يتم توحيد إدارة الجمع والتحصيل تحت قانون واحد يجدد مع مقترح الموازنة سنويا
واضاف: عند إنشاء هذا الجهاز
يسهل على وزارة المالية إنفاذ البرنامج الإلكتروني للايرادات وضبط المصروفات وتصبح فئات الرسوم موحدة وتختفي ظاهرة تعدد الجبايات وسياسة التجنيب وتكون لدى وزارة المالية القدرة القانونية والإدارية لفرض
الولاية التامة على المال العالم، خلافا لذلك فإن مشكلة ضعف الحصيلة الإيرادية، وسياسة التجنيب ستظل قائمة ومستمرة لأن المشكلة ليست فى القوانين وتعديلاتها وإنما فى طريقة إدارة الحصيلة الإيرادية.
إيجابيات وسلبيات عديدة
وفي السياق ذاته يري دكتور محمد الناير الخبير الاقتصادي، أن قانون التعديلات المتنوعة لولاية المالية علي المال العام، حمل إيجابيات عديدة وسلبيات كذلك ، وبعض التعقيدات ، بإقراره تعديلات على كثير من القوانين، وتوحيده للهيكل الراتبي لقوات الشرطة والأمن والدعم السريع والنيابة العامة والمراجع القومي رغم
خصوصية وطبيعة عمل تلك الأجهزة وخصوصيتها ، ورغم استثناء القوات المسلحة والقضاء واعتراف القانون بخصوصيتهما ولم يخضعهما للهيكل الراتبي الموحد.
واضاف دكتور الناير: هنالك إيجابيات عديدة للقانون التعديلات المتنوعة لولاية المالية علي المال العام، من
بينها تعديل قانون الثروة النفطية وتنمية الثروة لمعدنية والصندوق القومي للامدادات الطبية، وقانون سوق الخرطوم للاوراق المالية وقانون الشركات، وإعداد الموازنة علي أسس محاسبية ، وإعادة تقييم الأصول الحكومية كل خمس سنوات .
قضية تجنيب الإيرادات
ومضى دكتور الناير إلي القول: عموما قانون التعديلات المتنوعة لولاية المالية علي المال العام، به إيجابيات وسلبيات عديدة، وكنا نتوقع حسم قضية تجنيب الإيرادات وتحصيل الرسوم خارج اورنيك (15) ، ووضع
ضوابط تحصيل إيرادات الذهب والمعادن ، بجانب إخضاع شركات القطاع العام للمراجعة والرقابة والعمل في الأنشطة الاستراتيجية وتعظيم الشراكة مع القطاع الخاص.
ضوابط تحصيل عائدات التعدين
وعضد دكتور هيثم محمد فتحي الخبير الاقتصادي، من القول بوجود إيجابيات وسلبيات في قانون التعديلات المتنوعة لولاية المالية علي المال العام.
واضاف دكتور هيثم: من الايجابيات تعديل قانون الثروة النفطية، واقرار هيكل راتبي موحد للدولة مع إعطاء امتيازات وبدلات تراعي طبيعة وخصوصية الأجهزة الحكومية والوحدات الإيرادات والمؤسسات والأجهزة
ذات الاستقلالية، بينما حمل القانون العديد من السلبيات من بينها تحصيل عائدات التعدين والتى تحتاج مزيد من الضوابط، وقضية تجنيب الإيرادات ، وعمل شركات القطاع العام والتى ينبغي أن تعمل في الأنشطة
الاستراتيجية والمجالات التي تحتاج إلى رأس مال كبير وعلاقات خارجية ، بجانب عدم منافسة القطاع الخاص وتعظيم الشراكة بين القطاعين العام والخاص، بجانب تفعيل دور المؤسسات الرقابية بوزارة المالية والمراجعة
الداخلية وديوان الحسابات وإدارة الموازنة العامة، وإدارة القروض والمنح من أجل زيادة الإيرادات وضبط المصروفات التزاما بقانون الموازنة العامة للدولة.
هدف رقابي
وفي السياق يري دكتور عمرحسن الحريف الخبير الاقتصادي، أن هدف ولاية وزارة المالية علي المال العام، هو هدف رقابي واقتصادي نبيل اذا كان يهدف لزيادة
الايرادات وضبط وترشيد الصرف والانفاق العام حسب سلم الأولويات Scale of Preference المتفق عليه ومحاربة التجنيب وعدالة توزيع الثروة وتحقيق الرقابة المالية بشفافية وافصاح كاملين….الخ، فهذه اهداف اقتصادية مرغوبة ومطلوبة.
نتائج عكسية
واضاف الحريف: ولكن للأسف لاتتوفر ثقة في تحقيق أى واحد من هذه الأهداف مما يأتي بنتائج عكسية، بل كارثية تماما، فتوحيد المرتبات والاجور سيعقد المشهد تماما .فهنالك قاعدة فيما يسمى اقتصاد العمالة labor economics تقول لابد من الأجر المتساوي للعمل
المتساوي فما ممكن تساوي مرتبات العمال والموظفين المهرة مع العمالة العادية وهنالك أعمال خطرة وتسبب مخاطر وامراض لانساويها بغيرها مثلآ.وهنالك من يعملون مثلآ مع المال كجامعى الزكاة والضرائب، فلابد ان نغنيها كما قال الامام علي كرم الله وجهه لكي لاتمتد ايديهم لحق غيرهم. وهنالك من يعمل بمؤسسات ايرادية اخري كالفحص الآلى والموانيء ويدخل مبالغ كبيرة
للدولة فلابد من تحفيزهم لبذل المزيد من الجهد في التحصيل وإذا ساويتهم بغيرهم من الوحدات غير المنتجة فستفقد الكثير من الايرادات، اذا لابد من التعريف والعمل بمبدأ الأجر المتساوي للعمل المتساوي،
فالمساواة علي الاطلاق غير ممكنة ومضرة وستعقد الموضوع أكثر، وستأتي بنتائج سلبية، ولابد من وضع
سلم الأولويات وتوفر الثقة في القائمين علي الأمر. وهو للأسف ميزانية متفق عليها غير موجودة، ولابد من التأكد من توفر مبدأ عدالة التوزيع.مع توفر عناصر الشفافية والافصاح والمراجعة والرقابة ممايعطي تأكيد ومصداقية للحسابات والعمليات وبدون ذلك لا فائدة. ومما قيل ان
وزارة المالية تريد أن يكون ديوان المراجعة القومي تحت سلطتها وهذا غير ممكن لازم ديوان المراجعة يتمتع بالاستقلالية والموضوعية والحياد وهو تماما مثل السلطة القضائية في مجال المعاملات المالية .
توقع حدوث احتجاجات
ونوه الحريف الي أن د.عبد الوهاب عثمان وزير المالية الأسبق كان ينوى تنفيذ هذا العمل وبدأ فيه وقابلته مشكلة مع بعض المنظمات التي كانت تتمتع باعفاءات جمركية وتنافس الآخرين وفي هذا عدم عدالة وكذلك
التجنيب، لكن الوضع كان افضل من الآن، فالثقة كانت متوفرة أما الآن فلا اتوقع إنجاز شيء إيجابي يذكر بل المزيد من التعقيد وتدني الإيرادات وزيادة المرارات والغبن والاحتجاجات، فلابد من التفريق بين الأعمال والاجور والمرتبات ، وليست توحيد الهيكل الراتبي.