وقف التصدير وارتفاع التكاليف.. تحديات تواجه صغار مزارعي القطن في السودان
وقف التصدير وارتفاع التكاليف.. تحديات تواجه صغار مزارعي القطن في السودان
أثار إعلان وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي السودانية عن السعر التأشيري لقنطار القطن مخاوف آلاف صغار المزارعين من خسائر محتملة؛ ففي الوقت الذي توسعت فيه المساحات المزروعة في المشاريع المروية والمطرية هذا الموسم ارتفعت تكاليف الإنتاج وأسعار المدخلات إلى أكثر من الضعف مقارنة بالعام الماضي.
وكانت الوزارة أعلنت مطلع ديسمبر/كانون الأول الجاري -الذي يصادف بدء عمليات حصاد المحصول- السعر التأشيري لقنطار القطن بواقع 45 ألف جنيه سوداني (نحو 102 دولار أميركي)، وأكدت المالية أن السعر يأتي بغرض تشجيع المنتجين للإقبال على عملية جمع القطن وإنجاح الموسم الزراعي الحالي، إلى جانب تشجيع المزارعين على التوسع في المساحات المزروعة بالقطن.
زراعة القطن المروية -التي بدأت في السودان منذ مطلع القرن الماضي لتغذية مصانع النسيج البريطانية بالمواد الخام- أصبح إنتاجها يمثل العائد النقدي الأول الذي يسهم بنسبة كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي بعد استقلال السودان لجودة القطن وإنتاجيته العالية، وتراجعت زراعته بسبب العقوبات الدولية التي فُرضت على البلاد خلال فترة حكم الرئيس المعزول عمر البشير.
وبعد عودة السودان إلى الاقتصاد العالمي، وصلت المساحات المزروعة من القطن إلى 800 ألف فدان عام 2020، وترتفع إلى مليون و600 ألف فدان هذا العام، هذا إلى جانب توقعات بإنتاجية عالية في القطاع المروي بعد ارتفاع معدلات الأمطار التي شهدها هذا الموسم، إضافة إلى الطلب العالمي المتزايد.
في الجانب الآخر، ارتفعت تكلفة ومدخلات الإنتاج بما يماثل الضعف مقارنة بالعام الماضي، إلى جانب عوامل أخرى مثلت تحديات حقيقية لصغار المزارعين الذين يمثلون 90% من منتجي القطن، ويبلغ متوسط إنتاج الفدان في القطاع المروي 10 قناطير، في حين يصل متوسط إنتاج الفدان في المطري إلى نحو 4 قناطير.
ويقول مزارعون إن ارتفاعا غير مسبوق في عمليات إنتاج القطن زاد تكلفته، مما يجعل السعر التأشيري الذي حددته الدولة غير مجزٍ بأية حال، فقد بلغ سعر برميل الوقود 86 ألف جنيه سوداني (نحو 197 دولارا) بعد تحرير سعر الصرف، والمبيدات الحشرية والعشبية تجاوز البرميل فيها مع نهاية الموسم مبلغ 800 ألف جنيه (نحو 1829 دولارا) بعد أن كان في حدود 400 ألف جنيه (نحو 914 دولارا) في بدايته، كما ارتفعت أسعار الأسمدة للضعف، هذا إلى جانب الارتفاع الكبير في تكلفة تحضير الأرض والحصاد.
الشركات والتمويل الخاص
بعد أن رفعت الدولة يدها عن تمويل زراعة القطن، وجد المزارعون أنفسهم يواجهون البحث عن تمويل بصيغ جديدة أحدثت تغييرات في علاقات الإنتاج التي كانت سائدة. وقال الخبير عبد اللطيف البوني للجزيرة نت إن تطورات مؤثرة حدثت في زراعة وإنتاج القطن خلال الأعوام الماضية في ما يتعلق بعلاقات الإنتاج، بعد أن رفعت الدولة يدها عن تمويل أهم المحاصيل النقدية في السودان؛ فإما أن يتمكن المزارع من تمويل إنتاجه من مراحل الزراعة إلى مرحلة الحصاد، أو الدخول في ما تعرف بالزراعة التعاقدية مع الشركات الممولة التي تفرض شروطها على المنتجين.
وقال البوني إن المساحات المزروعة في مشروع الجزيرة بالتمويل الخاص من صغار المزارعين أكبر من تلك التي زرعت بواسطة الشراكات، وأضاف أن ذلك له من ناحية ميزات إيجابية؛ إذ تعود الأرباح في حالة الإنتاجية الجيدة وقابلية السوق للشراء بأسعار مجزية، ولكن من ناحية أخرى قد يتسبب في خسائر فادحة في حال ركود السوق وارتفاع تكاليف الإنتاج.
في ولاية القضارف (شرقي السودان)، اقتربت مساحات القطن المزروعة مطريا من المليون فدان، حسب المنتج طارق عبد الكريم، وهو ما يشير إلى زيادة توقعات الإنتاج هذا العام، لكنه في المقابل يقول للجزيرة نت إن هناك جملة من المشاكل والتحديات التي تواجه حصاد القطن المطري في منطقة القضارف بالنسبة لصغار المزارعين، بينما يستخدم كبار المنتجين الذين لا يتجاوز إنتاجهم 10% الآلات في الزراعة والحصاد.
وأضاف أنه إلى جانب ارتفاع تكاليف ومدخلات الإنتاج التي يمكن أن تشمل القطاعين المطري والمروي، فإن المزارعين في منطقة القضارف يعتمدون بشكل أساسي في قطف القطن على العمالة الإثيوبية، خاصة من إقليم أمهرة، الذين يدخلون في مواسم الحصاد عبر المعابر الرسمية بوصفهم عمالا موسميين، ويبلغ عددهم عشرات الآلاف في الموسم الواحد.
وإثر التوترات الحدودية منذ العام الماضي بين السودان وإثيوبيا، أغلقت المعابر الرسمية في منطقتي القلابات واللقدي الحدوديتين، مما أدى إلى شحّ في العمالة اليدوية التي يعتمد عليها صغار المزارعين في الحصاد.
ويضيف عبد الكريم -في حديثه للجزيرة نت- إن واحدة من المشكلات التي تواجه مزارعي القطن في القضارف الآن هي النظافة بعد الارتفاع الجنوني لأسعار المبيدات، وقال إن ذلك أدى إلى كثافة الحشائش الضارة حول المحصول مما سيعيق عملية الحصاد والقطف بشكل مثالي.
المحالج والأسعار
يشير البوني إلى عدة عوامل ستؤثر في أسعار القطن، بخلاف تكلفة الإنتاج، وقال إن الشركات -وبعلم الحكومة- منعت الصينيين من الشراء مباشرة من المزارعين، وذلك للتحكم في الأسعار؛ مما أفقد سوق القطن الداخلي المنافسة.
ورأى البوني أن إعلان الحكومة سعرا تأشيريا من دون دخولها كونها مشتريا للمحصول لا معنى له، وأوضح أن عرض المحالج (المصانع المزودة بآلات لفصل ألياف القطن عن بذوره) شراء قنطار القطن الآن يتراوح بين 27 ألف جنيه و30 ألف جنيه سوداني، وهو ما أكده طارق عبد الكريم الذي قال للجزيرة نت إن إيقاف صادرات القطن بقرار من وزارة التجارة لأسباب إدارية ولوضع سياسات تحفيزية للمزارعين أدى إلى هبوط السعر، وإلى إحجام المحالج عن الشراء.
وأشار إلى أن إغلاق الميناء في الفترة الماضية أثر على ارتفاع مدخلات الإنتاج، وأن الإغلاق المحتمل الآن يؤثر بشكل مباشر على الصادرات من إنتاج القطن، وقد يضطر المصدرون إلى استخدام الموانئ المصرية مرة أخرى، مما سيرفع الكلفة ويقلل العائد.
وتوجد عشرات المحالج الموزعة على مناطق إنتاج القطن، وأشهرها في مشروع الجزيرة (وسط السودان)، وتشتري المنتج من القطن لفرزه واستخراج القطن، والبذور ومخلفات المحصول التي تستخدم في إنتاج العلف الحيواني.
وقال مدير عام المحالج بإدارة مشروع الجزيرة مصطفى إبراهيم مصطفى -في تصريح لوكالة سونا للأنباء- إن هناك 13محلجا بمشروع الجزيرة، دخل دائرة الإنتاج منها 5 محالج بمارنجان و7 بالحصاحيصا، إضافة إلى محلج بالباقير، والتي تشكل إضافة للمشروع.
وطالب منتجون ومصدرون بأهمية تدخل الدولة لصالح ومستقبل إنتاج القطن وما يحققه من عوائد بالعملة الأجنبية لصالح الخزينة العامة بإنشاء بورصة للقطن في السودان، والتدخل المباشر بالتمويل وتوفير البذور والشراء من المنتجين وصغار المزارعين، في ظل غياب صناعة النسيج التي تدهورت منذ عقود في السودان.