هل يملك البشر 5 حواس فقط أم أكثر من 50؟
يدرك الإنسان العالم من خلال حواسه المختلفة، وعلى الرغم من أن الإدراك يبدو وكأنه تجربة حسية متماسكة واحدة فإن الحقيقة غير ذلك، فهو تناغم بين الكثير من الحواس المتميزة والمركبة معا.
ومن المعروف على نطاق واسع أن البشر يملكون 5 حواس فقط، هي: الشم والذوق واللمس والسمع والبصر، ويضيف بعضهم حاسة سادسة هي الحدس، ولكن هل هذا صحيح حقا؟ ولماذا يقال إن للإنسان 5 حواس فقط؟ ومن هي الجهة التي اختارت هذه الحواس؟ ومتى وعلى أي أساس؟ ولماذا تم تعميم الفكرة كحقيقة علمية ثابتة؟ وهل هناك نظريات علمية حديثة تشكك في هذه الفكرة؟ وعلى ماذا اعتمدت؟ وهل هناك حواس لا يحتاجها البشر ويمكن الاستغناء عنها؟
أرسطو أول من ابتكر فكرة الحواس الخمس
يعد الفيلسوف اليوناني أرسطو واحدا من أكثر المفكرين تأثيرا في التاريخ، وهو تلميذ أفلاطون ومعلم الإسكندر الأكبر، وكان لفلسفته تأثير فريد على كل شكل من أشكال المعرفة تقريبا، ولا يزال موضوعا للنقاش الفلسفي والعلمي المعاصر حتى يومنا هذا.
كان أرسطو أول من ابتكر فكرة الحواس الخمس في كتابه الشهير “عن الروح” (De Anima)، وذلك من ملاحظاته على البشر وطريقة تصرفهم وتعاملهم مع العالم والكون من حولهم.
واعتُبرت فكرة الحواس الخمس التي ابتكرها أرسطو حقيقة مسلَّمة لفترة طويلة من الزمن حتى عند عدد كبير من المثقفين والمتعلمين حول العالم، وفق ما ذكرت منصة “بي بي سي” (BBC).
لكن العلم الحديث يشكك في ذلك، إذ تؤكد الكثير من الدراسات والبحوث العلمية أن البشر يملكون عددا أكبر بكثير من حواس أرسطو الخمس، ويذهب بعض العلماء إلى أن البشر يستخدمون 22 إلى 33 حاسة مختلفة في حياتهم اليومية كما ذكر “المنتدى الاقتصادي العالمي” (weforum) في تقرير له.
وذكر العالم أشلي وارد في كتابه “مثير” (Sensational) أن البشر يستخدمون 53 حاسة في حياتهم، وفق ما ذكرت صحيفة “غارديان” (The Guardian) البريطانية التي تناولت أهم ما ورد في الكتاب في تقرير لها مؤخرا.
تُرى ما هي هذه الحواس الأخرى التي لم يذكرها أرسطو ويعتمد عليها البشر في كل يوم بحياتهم ومعيشتهم وتعاملهم مع البيئة من حولهم؟ نذكر هنا أبرز هذه الحواس حسب ما ذكرت المنصات والمواقع الوارد ذكرها آنفا وغيرها.
حاسة التوازن (Equilibrioception)
إنها واحدة من أهم الحواس التي نحتاجها في كل ثانية من حياتنا اليومية، فهي التي تبقينا في وضع مستقيم، وتساعدنا في شق طريقنا دون أن نقع أو نتعرض للأذى حتى لو كنا نسير على قدم واحدة.
الإحساس العميق بأجسادنا (Proprioception)
هذه الحاسة تتعلق بمعرفتنا بموقع أي جزء من أجزاء أجسامنا دون استخدام حاسة النظر، وهي الطريقة التي يمكننا بها الكتابة دون النظر إلى لوحة المفاتيح، فنحن نعرف موقع الحروف ونحس بها في أعماقنا، ولهذا نكتب بسرعة فائقة، ولنا أن نتصور كم نحتاج من الوقت لكتابة رسالة قصيرة من بضع كلمات لو احتجنا إلى استخدام أعيننا للتدقيق بموقع كل حرف.
الحس الحركي (Kinesthesis)
هو إدراك حركات الجسم، ويتضمن القدرة على اكتشاف التغيرات في وضع الجسم وحركاته، ونحن نستخدم هذه الحاسة بشكل غير واع عندما نقوم بنشاط بدني، مثل المشي والجري والقيادة والرقص والسباحة أو أي شيء آخر يتطلب حركة الجسم.
التصور الحراري (Thermoception)
نحن نعرف ما إذا كانت بيئتنا شديدة البرودة أو شديدة الحرارة من خلال هذه الحاسة، إذ تساعدنا القدرة على استشعار درجة الحرارة من حولنا على إبقائنا أحياء وبصحة جيدة.
الإحساس بالألم (Nociception)
قدرة البشر على الإحساس بالألم، ليس جسديا فقط بل نفسيا أيضا، وهي وسيلة للتغذية العصبية المرتدة التي تسمح للجهاز العصبي المركزي “سي إن إس” (CNS) باكتشاف وتجنب المنبهات الضارة التي قد تؤذي الإنسان.
الإحساس بالزمن (Chronoception)
وهو الشعور بكيفية مرور الوقت وسرعته، أحيانا نشعر بأن الوقت يمر بسرعة كبيرة جدا حين نكون سعداء، والعكس تماما حين نكون تعساء.
حواس لا يمتلكها البشر
ما سبق بعض الحواس التي ذكرناها على سبيل المثال لا الحصر، والتي نستعملها يوميا وبشكل مستمر في حياتنا، وهي غير الحواس الخمس المعروفة التي ذكرها أرسطو في كتابه الشهير، ولكن هل هناك حواس أخرى لا نحتاجها وموجودة لدى كائنات وحيوانات أخرى وغير موجودة لدينا؟
الإجابة: نعم، بحسب ما ذكر المنتدى الاقتصادي العالمي في تقريره المذكور آنفا، ونورد هنا بعض هذه الحواس غير الموجودة عندنا:
الحس الكهربائي (Electroception)
هو القدرة على الشعور بالمجالات الكهربائية من حولنا، فهذه الحاسة غير موجودة لدى البشر، ولكنها موجودة لدى بعض أنواع الحيوانات المائية، مثل سمك القرش التي يمكنها اكتشاف المجالات الكهربائية في بيئتها، بما في ذلك تلك التي تنبعث من الفرائس التي لا تستطيع رؤيتها بالضرورة.
الحس المغناطيسي (Magnetoreception)
يمكن للكثير من الثدييات مثل الخفافيش استشعار المجال المغناطيسي لما يحيط بها واستخدامه للتنقل.
الضوء المستقطب (Polarized light)
يتكون الضوء المستقطب من موجات ذات اهتزازات بزاوية واحدة فقط، وتستخدم الكثير من الحيوانات -بما في ذلك الحشرات والطيور- الضوء المستقطب لتحديد الاتجاه الذي يجب أن تسلكه.
وأخيرا، ترى “بي بي سي” أنه وبصرف النظر عن الطريقة التي تنظر بها إلى الأمر فإن الرقم 5 هو رقم “تعسفي للغاية” ولا معنى له، وهو إحدى “الخرافات” التي اعتقد بها كثير من البشر لفترات طويلة من التاريخ، تماما مثل خرافة أن البشر يستخدمون 10% فقط من قدرات عقولهم.
وفي الحقيقة، وبمجرد أن تبدأ بالتفكير في جميع أنواع المعلومات المختلفة التي تصل إلى الدماغ البشري قد تجد أنك تطور حاسة جديدة تماما لم تكن تعرفها من قبل.