أفريقياالأخبار

هل يدمِّر آبي أحمد إثيوبيا؟..أديس أبابا علي حافة السقوط

هل يدمِّر آبي أحمد إثيوبيا؟..أديس أبابا علي حافة السقوط

 

بعد عام كامل من الصراع بين قوات الجيش الإثيوبي وقوات الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي الذي بدأ في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، فشلت مهمة إخضاع الإقليم الذي حكم قادته إثيوبيا ثلاثة عقود متواصلة باستخدام القوة. وفي النهاية، لم تُسفر الحرب التي شنَّها رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد” عن تخلُّصه من أعدائه وتوطيد أركان حُكمه كما اعتقد خطأ، وفي المقابل، استعاد مقاتلو التيغراي مدينتهم ثم دخلوا في تحالف مع “جيش تحرير أورومو”، وهو جماعة متمردة أخرى مناهضة للحكومة. وقد واصل المتمردون توسُّعهم في ستة محاور، ونجحوا في السيطرة على ثلاث مدن إستراتيجية، وباتوا قريبين من الطريق الذي يربط إثيوبيا وجيبوتي، وهو شريان اقتصادي بالنسبة إلى أديس أبابا، فيما تفصلهم أسابيع معدودة عن دخول العاصمة.

على الجانب الآخر المذعور جنوبا، وعلى بُعد 400 كيلومتر عن مواقع المتمردين المتقدِّمة شمالي البلاد، فرضت أديس أبابا حالة الطوارئ في عموم البلاد، ودعت السُّلطاتُ سكانَ العاصمة إلى تنظيم صفوفهم للدفاع عن المدينة وحمل السلاح. أما آبي أحمد الذي احتفل مؤخرا بتنصيبه لولاية ثانية مدتها خمس سنوات، فيرفض الحل والتفاوض وإنهاء الحرب، ماضيا في مغامرته العسكرية ورافضا الانصياع للغرب وفتح باب السياسة والحوار، وذلك في وقت أعلنت فيه تسع حركات مسلحة عزمها على الزحف إلى العاصمة لإسقاط حكومته، وهو ما بات هدف الحرب الأساسي.

كيف رجحت كفة المتمردين؟

في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، شنَّ الجيش الإثيوبي هجوما على إقليم تيغراي بمساعدة قوات من إقليمَيْ أمهرة وعَفَر المتاخمَيْن له، وكذلك بدعم من قوات الدفاع الإريترية، حيث استطاعت القوات النظامية السيطرة سريعا على الإقليم، وطرد سلطات الحكم الذاتي المحلية. وبفضل محاصرة الجبهة التيغرانية من الخارج، ومنع وصول الوقود والذخيرة والغذاء إليها، وقطع خطوط الاتصال وتكثيف القصف الجوي، لم يجد المتمردون آلية عسكرية للرد على الهجوم الحكومي الإثيوبي الكاسح. وقبل أن ينتهي الشهر، سقطت “ميكِلِّى” عاصمة الإقليم في يد الحكومة، وأعلن آبي أحمد بعدئذ أن عملية تيغراي انتهت، فيما علَّق الطرف المهزوم قائلا إنه لن يستسلم وسيواصل القتال.

تعود دوافع الحرب إلى خلافات جذرية بين الإقليم والحكومة، منها اعتماد البرلمان الإثيوبي في إبريل/نيسان 2020 خطة للإبقاء على آبي أحمد في الحُكم عبر تأجيل الانتخابات تحت ذريعة جائحة كورونا. وقد احتجَّت رئيسة البرلمان التيغرانية واستقالت من منصبها، فيما اعتبر التيغرانيون تلك الخطوة غير دستورية وذريعة لتشكيل دكتاتورية جديدة. وفي المقابل نظَّم الإقليم انتخاباته المنفردة، التي رفضت الحكومة المركزية الاعتراف بها واعتبرتها غير قانونية، ومن ثمَّ ردَّت حكومة الإقليم بأنها لا تعترف أيضا بالحكومة المركزية بالنظر إلى أن ولاية آبي أحمد انتهت، وسرعان ما شهد الإقليم الساخط والمسلَّح بكثافة تعبئة واسعة ضد الجيش الإثيوبي.

لم تدم حالة التأهُّب بين الطرفين طويلا، إذ مهَّد الخلاف الطريق نحو هجوم حصدت فيه القوات الحكومية فوزا خاطفا، لكن انتصارها كان بمنزلة إذلال عسكري للجبهة التي رسمت ملامح المشهد السياسي في إثيوبيا طيلة ثلاثة عقود قبل مجيء آبي أحمد عام 2018. ومع تكدُّس الأسلحة الثقيلة بالإقليم، عقد أبناء الجبهة العزم ألَّا يكونوا لقمة سائغة، لا سيما ونخبتهم المقاتلة مُتمرِّسة في خوض المعارك. ثمَّ زاد الطين بلَّة استهداف آبي أحمد لقوميتهم التيغرانية على وجه الخصوص، واستئصالهم من المناصب كافة على مدار عامين، علاوة على انتهاكات ارتكبها الجيش في تيغراي، ومشاركة إريتريا العدو اللدود للجبهة في القتال، وهي عوامل شتى أزكت النزعة القومية التيغرانية بين أهل الإقليم.

لم يدُم انتصار آبي أحمد طويلا، وبحلول يونيو/حزيران الماضي، وبعد ثمانية أشهر من القتال المُحتدِم، استعاد المقاتلون الموالون لجبهة تحرير تيغراي السيطرة على معظم مناطق الإقليم، بما فيها عاصمة الإقليم ميكِلِّى، ثم تقدَّموا نحو المناطق المجاورة في عفر وأمهرة، قبل أن يطردوا القوات الإثيوبية التي انسحبت تاركة عتادها غنيمة للمتمردين. وفيما يبدو، فقد حصد آبي أحمد ثمار أخطائه في القتال، وأهمها رفض الوساطة الأولية التي اقترحها سابقا “دبرصيون جبر ميكائيل”، زعيم الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، وأحد أهم المطلوبين في إثيوبيا حاليا، كما أن الجبهة استغلَّت موسم الأمطار الذي أعلن فيه الجيش الإثيوبي توقُّف القتال، فتقدَّم 300 كيلومتر في غضون أربعة أشهر.

أسَّس المتمردون وضعا عسكريا جديدا وشرعوا في اختراق الأقاليم المجاورة، وقطعوا طريقا حيويا يربط أديس أبابا بميناء جيبوتي، ونظرا لأن إثيوبيا دولة حبيسة لا سواحل لها، عُدَّ ذلك التطور العسكري تهديدا للاقتصاد الإثيوبي. بالتزامن مع تلك الصدمات، كان آبي أحمد يحتفل لتوِّه بولاية جديدة على رأس الحكومة مدتها خمس سنوات بعد أن حاز حزبه أغلبية الأصوات في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، بيد أن الانتصار السياسي الذي حقَّقه صار مُهدَّدا بالزوال مع زحف المتمردين نحو العاصمة وتحالفهم مع تسع حركات مسلحة.

 

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى