مُنى أبوزيد تكتب : هناك فرق – في الوقت بدل الضائع
هناك فرق – في الوقت بدل الضائع
“الاستبداد هو أصل كل فساد”.. عبد الرحمن الكواكبي”..!
أروع الأهداف التي غيّرت نتائج مباريات كرة القدم تم تسجيلها في الوقت بدل الضائع. حين ينجح أكثر اللاعبين مَقدرةً على ضبط النفس، والتمسُّك بالصبر والأمل، واستنزاف آخر دفقة من شُحنات لياقته الذهنية والبدنية في هزّ شباك الخصم بضربةٍ قاضية تحسم الصراع وتحول دفة المُنافسة لصالح فريقه. ثم يستحق بذلك أن يُحمل على أعناق اللاعبين وأن تُرفع له قُبعات الجماهير ..!
مساء أمس الأول – الأحد – سجّلت رئاسة مجلس وزراء الحكومة الانتقالية بجمهورية سودان ما بعد الثورة، هدفاً ثميناً في الوقت بدل الضائع، بإعلان د. عبد الله حمدوك خلال مؤتمره الصحفي عن تجميد وظائف وزارة الخارجية، وتشكيل لجنة “مُحايدة” من خمسة أعضاء لمُراجعة ملف التعيينات الأخيرة. على أن ترفع اللجنة تقريرها في فترةٍ زمنيةٍ قوامها أسبوعان من تاريخه ..!
قبل الإعلان عن هذا القرار خلال المؤتمر الصحفي الذي انعقد في الساعة السابعة من مساء يوم الأحد، كُنت قَد كَتبت مقالاً بعنوان “لعنة وظائف الخارجية”، تحدّثتُ فيه عن تجربتي في خوض امتحانات هذه الوظائف – خلال أيّام حكم الإنقاذ وفي عهد حكومة ما بعد الثورة عليها – ولأنّ الزملاء الأعزاء في إدارة هذه الصحيفة يشترطون أن يكون آخر موعد لتسليم مقالات الكُتّاب قبل السابعة مساءً، فقد أرسلت مقالي “في الوقت بدل الضائع” – أي قبل صفارة إيميل إدارة التحرير بنحو ربع ساعة – ثم انصرفتُ إلى بعض شأني، وفي ذهني مُسودةٌ لمقالٍ قادم أتناول فيه بالجرح والتحليل بعض الأخطاء المنهجية والتجاوزات المُريبة التي شابَت عمليات امتحان واختيار المتقدمين لتلك الوظائف..!
ثم فاجأني وَقعُ الحافر على الحافر – الذي يعني في لغة العرب تَوافقُ الأمرين– وبلغ الإعلان عن ذلك القرار في نفسي مبلغاً عظيماً، ليس لأسبابٍ شخصيةٍ قاصرة وقصيرة المدى، بل من منطلقٍ أسمى وأكثر رحابة، منطلق الاحتفاء بقرار قد تسهم نتائجه في تحقيق عدالة طال انتظارها في هذا البلد الذي كاد اليأس – من مطاردة حلمٍ أو السعي نحو تحقيق طموح بنزاهة واجتهاد – أن يصيبنا، جرّاء تواتر مَشاهد الظلم وتعاقُب فصول الفساد، لعقود من الزمان، في أرقى مُؤسّساته..!
لذا أعتقد أن أول وأولى مظاهر احترام هذه الخطوة يقتضي أن ننتظر قرارات وأحكام اللجنة بقدرٍ وافرٍ من حُسن الظن في أهدافها واستشراف قراراتها. مع الأخذ بعين الاعتبار أن الهدف من قرار التجميد ينبغي أن لا يقتصر على إحقاق الحق فقط في حال ثبوت الباطل، بل ومُحاسبة كل من يتم اكتشاف تورُّطه في ما آل إليه أمر النتيجة، بإصدار الأوامر ظاهراً أو ممارسة الإكراه الأدبي باطناً، أو بالتواطؤ والمُحاباة، أو بتقديم الرشاوى أو استلامها..!
بصراحة – ومن الآخر – في حال ثبوت تزوير هذه النتيجة لفسادٍ مالي أو مُؤسّسي أو لمُحاصصاتٍ حزبيةٍ أو جهويةٍ، فإنّ المسؤولية عن هكذا جريمة، لا تقتصر على مثلث الوزارة والمفوضية واللجان المسؤولة عن وضع الامتحانات وفرز النتائج فحسب، بل ينبغي أن لا يتم إغفال ضلع رابع يُحَوِّل ذلك المثلث البائس إلى مربعٍ كارثي، “ضلع أصحاب المصلحة”، في حال ثُبُوت تورُّط أحدهم أو بعضهم في التأثير – بصورة مباشرة أو غير مباشرة – على نتائج تلك الامتحانات..!
مُنى أبوزيد
نقلا عن الصيحة