منى أبوزيد تكتب:..هناك فرق ..شخص مهم..!

منى أبوزيد تكتب:..هناك فرق ..شخص مهم..!
*”السُّلطة هي الحال الوحيدة التي يتنازل فيها الطبع عن مقاليد الحكم لسلطان التَطَبُّع” .. الكاتبة..!*
السيدة جيهان السادات ذكرت يوماً، عبر حوار تلفزيوني، كيف وجدت نفسها مُضطرة لزيارة مدرسة ابنها جمال، لا لشيء إلا لتطلب من المُدرِّس المسؤول عن الصف أن يكف عن هدم ما كانت تعمل على بنائه في البيت طوال اليوم..!
طلبت السيدة الأولى – حينئذٍ – من المُدرِّس إيّاه أن يكف عن مُناداة نجل رئيس البلاد بلقب “حضرتك” ، فالرجل الذي كان يجهل خارطة الطريق نحو حدود السُّلطة لم يكن يعتبر الطفل الصغير ابناً لرئيس الجمهورية وكفى، بل تلميذاً خاصاً برتبة نائب رئيس..!
بينما تناقلت وكالات الأنباء العالمية – قبل سنوات – حكاية الأميرة اليابانية الصغيرة، ابنة ولي العهد التي عزفت عن الذهاب إلى المدرسة إثر تعرضها وبعض رفيقاتها لمُضايقات من بعض الصبية التابعين لصف دراسي آخر..!
عائلة الإمبراطور منحت المدرسة تصريحاً بتناول قضية غياب حفيدته عن الفصل الدراسي على نحو مُعلنٍ، فقال مديرها للصحفيين الذين تقاطروا لمعرفة تفاصيل الحدث “إن الأميرة الصغيرة كانت خائفة جداً بعد أن ركض صبي من أحد الفصول باتّجاهها، وربما يكون ذلك قد تسبّب في تذكيرها بسلوك بعض الصبية في الماضي، عندما كانوا يقذفونها ببعض الأشياء ويشعرونها بالضيق”..!
لعلك الآن تبتسم وأنت تقول في نفسك “آه لو كانت حفيدة الإمبراطور الياباني سليلة أحد الملوك العرب أو الرؤساء الأفارقة – أو حتى ابنة حاكم ولاية أو وزير دولة – إذن لقامت قيامة المدرسة والمدير والتلاميذ وأولياء أمورهم وأمور الذين أنجبوهم”، بل لو كان الأمر كذلك لما وقعت مثل تلك الحادثة من أساسه..!
مصداقاً لحسن ظنك تناقلت الصحف البريطانية – قبل سنوات – أنباء اعتقال شرطة سكوتلاند يارد لأحد الأمراء العرب للتحقيق معه بتهمة قتل أحد مساعديه ضرباً حتى الموت، وقبلها تناقلت الصحف العالمية خبر وضع أمير عربي آخر قيد الإقامة الجبرية على خلفية ظهوره في شريط فيديو يتم فيه تعذيب تاجر آسيوي اختلف معه حول تفاصيل صفقة كبرى..!
يومها قالوا إنّ سمو الأمير كان واقعاً تحت تأثير عقاقير تتسبب في نوبات من الغضب والعدوانية، وبينما اعتبرت الصحف العالمية حكم المحكمة ضربة قاضية لهيبة الدولة خرجت بعض الصحف العربية لتهلل وتشيد بعدالة القوانين التي لا تستثني الأمراء من الوقوف أمام المحاكم..!
فشعوب العالم الثالث ترضع الخوف من السلطة مع حليب الأمهات، لذلك يشب أبناء أسرها الحاكمة – ملكية كانت أم جمهورية – عن الطوق وهم يخاطبون الكون بصيغ الأمر واجبة النفاذ، وإلا..!
في مجتمعنا المحلي تفاقمت ظاهرة أقرباء المسؤولين وأصدقاء المسؤولين ثم أبناء المسؤولين الذين كادوا يشبهون أحفاد ملوك النفط لفرط دلالهم على الشعب، وبفضل تعاقب آبائهم على ذات الكراسي نشأ معظمهم منذ الصغر على مبدأ التمييز المفروغ من وجوبه. من الروضة إلى المدرسة إلى الجامعة إلى سوق العمل، فَعَاثَ بعضهم في الأرض فساداً..!
ثم قامت ثورة نادت بالمساواة في الحقوق والمواطنة ودعت إلى محاربة الفساد، وقبل أن تؤتي شعارات الثورة أُكُلها اندلعت حرب أعادت صياغة مفهوم الوجود والوجود الآخر نفسه في السودان..!
تُرى كيف يُفكِّر القائمون على أمر هذا البلد في التخطيط لسودان ما بعد الحرب؟. وهل سيكون الناس فيه بمأمنٍ من غارات الفساد وجحافل المحسوبية..!
لا بد أن يقتنع السودانيون بأن أي استقرار اجتماعي لا بد له من حكومة مستقرة، وأن أي حكومة مستقرة لا بد لها من قوانين منظِّمة وعدالة اجتماعية، وأن أي عدالة اجتماعية لا بد لها من قوانين صارمة تحرسها من غارات التجاوزات!.
munaabuzaid2@gmail.com
المصدر : صحيفة الكرامة