مقالات

محمد عثمان الشيخ النبوي يكتب: .. بهدوء و تدبر.. حقيقة صادمة :كنز البحر الأحمر ثروات هائلة عجزنا عن استغلالها

 محمد عثمان الشيخ النبوي يكتب: .. بهدوء و تدبر.. حقيقة صادمة :كنز البحر الأحمر ثروات هائلة عجزنا عن استغلالها

 

 

أمر تشيب له الرؤوس بإدراك أننا شركاء مناصفة في واحد من أضخم الكنوز في الدنيا
يحوي 80 ألف طن من الذهب و4000 طن من الفضة، إلى جانب كميات ضخمة من الزنك والنحاس .
وكذلك أكثر من 5 مليارات برميل من النفط و112 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي القابل للاستخراج .
وللأسف لم نحرك ساكناً لاستغلاله بينما يسحق شعبنا الفقر وتعوزنا أشد الضروريات إلحاحاً !!

في أعماق الحوض الأوسط من البحر الأحمر، وتحديداً في منطقة تُعرف باسم “أطلس 2” الواقعة بين سواحل السودان والسعودية اكتُشفت منذ السبعينيات رواسب ضخمة من الكبريتيدات المتعددة المعادن، تحتوي على كميات ضخمة من الذهب والزنك والنحاس والفضة ، ووفقًا لتقارير جيولوجية متخصصة، فإن حجم هذه الرواسب يقدّر بأكثر من 97 مليون طن ، وهي غنية بنحو 80 ألف طن من الذهب و4000 طن من الفضة، إلى جانب كميات ضخمة من الزنك والنحاس .

هذا الكشف المذهل دفع البلدين السودان والسعودية إلى توقيع اتفاقية اقتصادية في سبعينات القرن الماضي لإنتاج المعادن من قاع البحر الأحمر في المنطقة المشتركة بينهما ، ولكن المشروع ما زال يراوح مكانه رغم الدراسات الجاهزة والاحتياطات المؤكدة.
وتؤكد أبحاث أخرى وجود احتياطات نفطية ضخمة غير مستكشفة في البحر الأحمر ، حيث يقدّر الخبراء وجود أكثر من 5 مليارات برميل من النفط و112 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي القابل للاستخراج، وهي احتياطات تضاهي احتياطات دول خليجية قائمة على تصدير النفط .

سواحل السودان على البحر الأحمر تمتد لأكثر من 750 كيلومتراً وهي كنز إلهي لا يقل في إمكاناته عن أي مورد باطني أو سطحي في العالم ، بل قد يتفوق على كثير من موارد الدول المتقدمة إذا حُسِّن استثماره برؤية شاملة وإرادة متحررة .
فالبحر الأحمر ليس مجرد شريط مائي يفصل القارات، بل بيئة ثرية تختزن في أعماقها ثروات لا تقدّر بثمن، تبدأ بالثروة السمكية والبيئية ولا تنتهي عند المعادن الثقيلة والنفط والغاز والموانئ والتجارة الدولية.
ففي أعماق البحر الأحمر توجد واحدة من أكثر البيئات البحرية تنوعاً على وجه الأرض، حيث تم تسجيل أكثر من 1200 نوع من الأسماك، نحو 10% منها لا توجد إلا فيه ،

وتشير الدراسات إلى أن السودان ينتج فقط نحو 8000 طن من الأسماك سنوياً من مياه البحر الأحمر ، وهي كمية متواضعة جداً بالنظر إلى الإمكانيات الهائلة الممتدة على طول سواحل السودان على البحر الأحمر .
كما توجد أنواع نادرة من الكركند والخرشوف البحري والرخويات ذات القيمة العالية ، ويقع جزء كبير منها في مناطق محمية طبيعية مثل شعاب دنقناب وسواكن التي تم إدراجها ضمن اتفاقية “رامسار” الدولية لحماية المناطق الرطبة، ومع ذلك فهي لا تزال خارج خارطة الاستثمار المدروس أو السياحة المنظمة .

ويتميز البحر الأحمر ببعد بيئي ومناخي فريد ، حيث تتميز مياهه بدرجة ملوحة عالية وكثافة حرارية جعلت شعابه المرجانية أكثر مقاومة للتغير المناخي مقارنة بشعاب المحيطات الأخرى ، وهو ما أكّدته دراسات منشورة في مجلة “ساينس دايركت” سنة 2018 ، إلى جانب أكثر من 200 نوع من الشعاب المرجانية التي تشكل بيئة فريدة ، وهي في مجملها لم تُستغل حتى الآن في السودان لا في الصيد ولا في السياحة البيئية ولا في الأبحاث العلمية .

كذلك فإن البحر الأحمر يحتضن ممراً ملاحياً من أهم الممرات في العالم ، تمر عبره يومياً عشرات السفن المحملة بالبضائع والطاقة من آسيا إلى أوروبا والعكس، ومع ذلك لم يتم تطوير موانئ السودان لتصبح مراكز لوجستية أو مناطق تجارة حرة ذكية، كما لم تُربط بخطوط السكك الحديدية والنقل البري والبحري في العمق الأفريقي ، رغم امتلاك السودان للميناء الرئيسي في بورتسودان ، الذي يُعدّ بوابة تصدير أكثر من 90% من تجارة السودان ، وتوجد مشاريع جاهزة لتطويره وربطه بطريق الحرير الصيني ، إضافة إلي ميناء سواكن وميناء بشائر المخصص لتصدير النفط ، وإمكانية إنشاء ميناء جديد في منطقة أبو عمامة وخلجان كثيرة تصلح لإنشاء موانيء .

ولكن جميع المشاريع المتعلقة باستغلال الثروات الهائلة في البحر الأحمر معطّلة بسبب انعدام البيئة المناسبة لاجتذاب الإستثمار المحلي والأجنبي وضعف الاستقرار الإداري وغياب الشفافية والتشريعات المشجعة .
والبحر الأحمر بالنسبة للسودان ليس مجرد مساحة مائية وإنما هو مخزون استراتيجي متعدد الأبعاد ، يحتوي على ثروات بيولوجية ، وكنوز معدنية ، وموارد هائلة ، وفرص تجارية وسياحية وبحثية يمكن أن تُحدث تحولاً نوعياً في مستقبل السودان لو أحسِن توجيهها وتوفرت الإرادة .
وفي الوقت الذي بدأت فيه مصر والسعودية والإمارات الاستثمار بكثافة في أعماق البحر الأحمر وموانئه

وموارده، ظل السودان بعيدًا عن هذه الحركة،
فكيف يمكن اجتذاب مستثمرين عمالقة بحجم الموارد المتاحة في ظل اقتصاد يرسف في قيود ثقيلة ودولة متخلفة الأداء معقدة الإجراءات تحكمها بيروقراطية عقيمة عفى عليها الزمن وتجاوزها العالم .
فيلزم لأن نكون مؤهلين لجذب المستثمرين أن نحرر اقتصادنا تحريرا شاملاً يتسق مع منظومة الاقتصاد العالمي ويفتح الباب أمام الاستثمار وأن نضع الدولة كلها تحت نظام رقمي متكامل لجذب المستثمرين الوطنيين والأجانب ، مع وضع آليات حماية البيئة العامة واستدامة الموارد وفق المعايير الدولية .

وآن لهذا البحر أن يتحول من كونه ساحة أطماع إقليمية ودولية إلى رافعة نهضوية حقيقية لسودان المستقبل ، إذا ما أُحسن التخطيط ، ووُضعت رؤية متكاملة تجمع بين السيادة على الموارد والحداثة في الإدارة والتحفيز على الابتكار .

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى